بقلم: محمود حسونة
صيفنا مختلف، هو الأكثر اشتعالاً مناخياً وفنياً والأكثر فوضوية اقتصادياً، حرارة الصيف غير مسبوقة عبر التاريخ، وفيه تساقط البرَد في مناطق ملتهبة، وتجاوزت الفيضانات والعواصف حدود المعقول، وحرقت الحرائق القلوب قبل أن تحرق الغابات والمحاصيل في مناطق متفرقة حول العالم، وفيه عانى أناس نفسياً واجتماعياً بسبب عجزهم عن تدبير أبسط احتياجاتهم واحتياجات ذويهم الغذائية والمعيشية، بعد الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية والمتطلبات الحياتية، وفي ذات الوقت أنفق أناس الآلاف والملايين على الشواطئ، بعضهم هروباً من الحر وبعضهم كسراً للملل وسعياً للتغيير، وفي مصر قسّم الناس الساحل الشمالي للبحر المتوسط، أكثر المناطق جاذبية خلال الصيف، إلى ساحل طيب يرتاده الباحثون عن نسمة هواء والمستعدون للانفاق بحساب، وساحل شرير يرتاده من يملكون القدرة على الانفاق ببذخ غير محدود، وأناس يعانون في الحصول على رغيف الخبز ولكن لديهم تطلعات التصييف فاتخذوا من “الترع” مصايف لهم، يلهون وأبنائهم فيها غير عابئين بما يمكن أن تحملها لهم مياهها الملوثة بالمخلفات من أمراض، المهم أنهم أوهموا أنفسهم باقتناص حق التصييف الذي ينعم به غيرهم.
إقرأ أيضا : انتعاشة زائفة للسينما المصرية في عام 2022
الصيف دائماً هو موسم الفرح والبهجة والمتعة والتسلية، المدارس في إجازة، والمسافرون يعودون والعائلة تجتمع، والأعراس تقام، ودور السينما تعرض أفضل الانتاج العالمي والمحلي، والقنوات والمنصات التليفزيونية تتنافس لجذب المشاهدين، وفي هذا الخضم هناك من يربح وهناك من يخسر.
سينما الصيف هى الخاسر الأكبر
السينما المحلية كانت هى الخاسر الأكبر، (مرعي البريمو) تصدر الايرادات، ولكن بأرقام خيبت آمال محمد هنيدي الذي أنتج هذا الفيلم ليستعيد به نجوميته، وخيب آمال جمهوره فيه بعد أن كشف أنه لم يعد الكوميديان البريمو وأن القادم ليس أفضل من الماضي بأي حال من الأحوال، محمد رمضان حل بفيلمه (ع الزيرو) ثانياً في إيرادات سينما الصيف، لينتقل من (نمبر وان) إلى وصيف لهنيدي، ومن (الأسطورة) إلى فنان (ع الزيرو) في عالم النجومية، وبعد هذين الفيلمين أفلام عدة لا تستحق الذكر، في حين يمكن القول أن الاستثناء الوحيد والذي حلّق عالياً هذا الموسم محققاً النجاح وأعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية هو “بيت الروبي” لكريم عبد العزيز وكريم محمود عبد العزيز؛ وفي المقابل فقد انشغل الجمهور المصري والعربي بفيلمي (باربي، أوبنهايمر) اللذان أثارا جدلاً عالمياً ومحلياً لم ولن تثره أي من أفلامنا خلال السنوات الماضية واللاحقة.
السينما فشلت، وحرارة الصيف أحرقتها، والمسرح الذي كان الحصان الرابح في الصيف، وكان قطاعه الخاص بنجومه اللامعين من مصادر الجذب السياحي، توارى بل وتلاشى وأصبح في خبر كان، وتربع على العرش حالياً فن الغناء الذي انتعش متحدياً حرارة الصيف ولهيبه، حفلات على امتداد الساحل الشمالي، ولكل من الساحل الشرير والساحل الطيب أسعار تذاكره ونجومه، ولم يمنع ارتفاع أسعار التذاكر عشاق
نجوم الأغنية من الإقبال، بل إن تذاكر حفلات الكبار كانت تنفد خلال ساعات رغم بلوغ سعر التذكرة الواحدة 16 ألف جنيه، ووصول سعر الطاولة التي تتسع لعشرة أفراد 80 ألف جنيه تدفعها أسرة واحدة برضا نفسي لتحظى بحضور حفل لنجم مثل عمرو دياب!
العلمين خطفت الأضواء خلال الصيف
المدينة التي خطفت الأضواء خلال الصيف بمهرجانها الذي جذب نجوم مصر والنجوم العرب هى مدينة العلمين الجديدة درة المدن وآخر العنقود على الساحل الشمالي، جذبت المصريين بما فيهم رواد وملاك شاليهات وفلل القرى والمنتجعات الممتدة على الساحل، وجذبت المصريين العاملين في الخارج والقادمين لقضاء إجازة مع ذويهم، وجذبت السياح العرب الباحثين عن المتعة والاسترخاء والتجديد، وجذبت السياح الأجانب الساعين لاستعادة ذكرى الحرب العالمية الثانية والتي كانت معركة العلمين بين الحلفاء والمحور أهم معاركها، وجذبت السياسيين الراغبين في معرفة مدى التطور الذي تشهده مصر عمرانياً، وجذبت رجال الأعمال الباحثين عن فرص استثمارية سياحية، وخطفت الأضواء من مدينة الاسكندرية العاصمة الثانية لمصر وعروس البحر المتوسط على مدى قرون وعقود، ولعل الاهتمام الإعلامي المكثف بمدينة العلمين كان له دور في لفت الأنظار إليها وتسويقها سياحياً واقتصادياً وسياسياً، وهو الاهتمام الذي تحتاج لأضعافه العاصمة الإدارية الجديدة حتى تتخذ مكانتها السياسية والاقتصادية المنتظرة، وحتى تثبت للغاضبين أنها عاصمة المستقبل وأنها يمكن أن تلعب دوراً جوهرياً في استعادة مصر لمكانتها على المستوى العربي والدولي.
إقرأ أيضا : تعرف على رسائل الكينج ونوال الزغبي وعمرو مصطفي ونورفي الصيف
نجوم الغناء، هم الرابحون في مصر بأغانيهم التي تنشر الفرح وتدعو (للبلبطة) في موسم البلبطة والاسترخاء، وهم الرابحون عربياً من خلال مشاركتهم في مهرجانات وحفلات أعادت الأغنية العربية لتكون الحصان الرابح في الجذب الجماهيري، حفلات في مختلف الدول العربية تتحدى الغلاء وتتحدى الفقر وتثبت أن الصيف هو أكثر المواسم تلوناً، فيه كل التناقضات، وخلال لياليه يسهر البعض طرباً وغناءً ورقصاً، ويسهر البعض جوعاً وألماً وقهراً، ويكفي أن حفل عمرو دياب في بيروت الموجوعة بعد 12 عام من الغياب عنها، والذي سيقام غداً السبت، قد نفدت تذاكره الدولارية خلال يوم واحد.
مهما كانت أوجاع الناس فهم يريدون الفرح، يحلمون به ويعملون لأجله ويسعون إليه ويتحملون غلاءه حال قدرتهم، وهو ما يفسر الاقبال الكبير على الحفلات الغنائية الممتدة على مساحة العالم العربي، أما غير القادرين فيكتفون بالاستماع إلى أغنية عبر الراديو أو التليفزيون أو الانترنت، كل إنسان يحاول أن يدخل البهجة على قلبه وعلى قلوب ذويه بما يتوافق وقدراته وإمكانياته.
mahmoudhassouna2020@gmail.com