بقلم الكاتب السوري: سامر عوض
مما لا يختلف عليه أن المسرح القومي في اللاذقية يتمتع بأهمية كبرى، لاسيما وهو الصرح العمراني الذي لايضاهيه السمات والميزات بالجمال والموقع والفنية الهندسية، من داخل البناء أوخارجه أي بناء آخر، وكأنه يشغل موقع القلب في مدينتنا العتيقة (اللاذقية)، كما يصفها ابن بطوطة في كتابه: تحفة النظار.
دار الكتب الوطنية، أو المركز الثقافي القديم، أو المكتبة العامة/ قاعة الأديب عبد الله عبد/ للمطالعة، ومكتبة المطالعة للأطفال، وهذه الأخيرة أصبحت أثراً بعد عين، وهى التي قدمت لأطفال الأمس رجال اليوم، ما لم تقدمه جهة أخرى، آنذاك، ثم المسرح القومي في اللاذقية، هى أسماء متعددة لمبنى واحد يتميز بالعراقة والحنين إلى كل ماهو جميل، رغم ما يبثه وضعه المحزن الآن كأنه خزانة مقفلة فارغة، لاشيء بداخلها على الإطلاق سوى صفير الريح وبعض العناكب التي اتخذت من العتمة مكاناً لتنسج بيوتها الواهنة.
ولايخفى على أي كان من أبناء اللاذقية أن هذا البناء المعطل أو الذي عطل لسبب أو لأسباب كلها تبدو صغيرة، أمام الدور والغاية التي أقيم هذا البناء لأجلها، ومن المعروف للقاصي والداني أن هذا العطل أو التعطيل، التوقف أو التوقيف، حدث بعد أن علق على مدخله يافطة بالخط العريض المسرح القومي في اللاذقية، وهو البناء الذي نشر على مدى عقود علوم ومعارف وفنون وثقافات وأدب وموسيقا وصدح بكل ماهو جميل، ما دخله أحد إلا وازداد علماً ومعرفة، وما مرَّ قربه أحد إلا اقتبس من نور معارفه وسحر بيانه، إلى أن اكتفى بعهدة إدارة المسرح القومي بعدة عروض مسرحية ثم أغلق درفتا بابه وتحول البناء إلى فيترينة حجرية في واحد من أهم شوارع اللاذقية (شارع أحمد جودت كاظم)، ما كان لهذا الشارع أن يأخذ هذه الأهمية لولا وجود المركز الثقافي فيه، وهو الذي لايعرف لدى معظم الناس في محافظة اللاذقية إلا بشارع المركز الثقافي (القديم) وهذه الكلمة أضيفت إليه فيما بعد، مع أخذ العلم أن بعض الناس مازالوا يطلقون عليه اسم شارع دار الكتب الوطنية.
إدارة المسرح القومي في اللاذقية
ولم تفلح إدارة المسرح القومي في اللاذقية إلى اكتساب اسمها عليه أو له، لأن المسرح فيه توقف كما أوقفت هى فيه كل ألوان النشاط المسرحي، وألوان الأدب والفن وليالي السمر، بما فيها المهرجانات الوطنية والقومية التي شغلها هذا المركز الذي استقبل على منصته العديد من المفكرين والأدباء ورجال السياسة من أقطار الوطن العربي والعالم، وصدح منبره بما نثر من كنوز فكرية ومعرفية .
وقد قالت صديقتي لي يوماً: ان المركز الثقافي القديم، الذي تحول اسمه إلى المسرح القومي في اللاذقية، عندما كان اسمه المركز الثقافي قدم للمسرح ما يضاهي أي مسرح عالمي في بلدان العالم الأخرى، وفيه شهدت ولادة الحركة المسرحية منذ نشأتها في سورية، وكان له الدور الجبار في ذلك، ولا نعجز عن ذكر الأسماء .
ومن المعروف أن هذا الصرح تم تشييده في عهد محافظ اللاذقية الأمير مصطفى الشهابي، عام 1944 م ، وأسهم في تكاليف إنشائه العديد من وجهاء الساحل السوري ،حيث ما أن استقر الأمير الشهابي على كرسي المسؤولية كمحافظ لللاذقية حتى بدأ أولى الخطوات العملية لإنشاء دار للكتب مستفيداً من تجربته في هذا المجال، حين أنشأ دار الكتب في حلب، حينما كان محافظاً لها في آواخر الثلاثينيات من القرن العشرين .
كان الشهابي حريصاً على أن يتم الإنتهاء من إكمال ذلك البناء الجميل قبل نهاية خدمته كمحافظ للمدينة وهو ما دعاه لمضاعفة الجهود وتدبير الأموال اللازمة والاجتماع اليومي مع المهندسين والقائمين بأعمال البناء ليكون شاهداً على الاحتفالية التي تمت أواخر عام 1944، وقد ساهمت هذه الدار في الحركة الثقافية للساحل السوري بأكمله وعبر سنوات طويلة، وغدت معلم من معالم المدينة، لا سيما عندما أحدث فيها المركز الثقافي مع مطلع ستينيات القرن العشرين، وبدلاً أن يحافظ المركز الثقافي في اللاذقية على مركزه تحول المبنى إلى عهدة المسرح القومي، ولم يعد للمركز وجوداً بانتقال مديرية الثقافة إلى دار الأسد للثقافة، ونقلت معها جميع الفعاليات الأدبية والنشاطات الثقافية المتنوعة، بما فيها العروض المسرحية إلى دار الثقافة .
المركز الثقافي القديم المسرح القومي
وغابت منذ أكثر من عقد ونيف عن المركز الثقافي القديم المسرح القومي كل ما يتعلق بالمسرح أو الفن المسرحي، واُغلقت الأبواب دون معرفة الأسباب، وتحول الصرح العريق إلى خزانة مقفلة، وربما مستودع معتم، دون أي فائدة، ومما لاريب فيه أن محافظ اللاذقية (مصطفى الشهابي) الذي يعد عالماً حقيقياً وقد تبوأ مناصب ومهام إدارية وسياسية وعلمية، إضافة لكونه من رجال النضال الوطني والعمل السياسي والإداري هو رجل علم وأدب وكاتب وشاعر ومحقق تراث ومصنف معاجم ، شغل منصب رئيس المجمع العلمي في دمشق، كما تقلد منصب وزير الزراعة، ووزير المالية، ووزير المعارف، ثم سفيراً لسورية في القاهرة .
ووزير المعارف هذا (الشهابي) كم هو مؤلم عليه لو عرف بما آل عليه الحال في الدار التي كان حريصاً على أن يتم الإنتهاء من إكمالها للغاية التي وضعت من أجلها، وهو الذي سعد بإشعاعات مركزها الثقافي السابق، وليس القديم كما يذكر، وكأنه قائم على حاله وهذا ما يخالف الحال والأحوال.