بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
توقفت صناعة السينما – أو كادت – في عاصمة الترفيه العتيدة هوليود، تلك الصناعة التي تدر عائدا يقدر بالمليارات في الاقتصاد الأمريكي، ولم تتوقف الأفلام فحسب بل توقفت أيضا بعض المسلسلات وكثير من البرامج التليفزيونية اليومية بسبب إضراب الكتاب في مايو الماضى نتيجة لتدنى الأجور، وتم إعلان الإضراب بعد ستة أسابيع من المفاوضات لم تسفر عن اتفاق بين نقابة الكتاب التي تضم أكثر من 9 آلاف كاتب وبين تحالف منتجي السينما والتلفزيون، الذي يمثل الاستوديوهات الرئيسية (شركات الإنتاج) والمنصات مثل ديزني وآبل وأمازون ونتفليكس وغيرها.
ويعبر أليكس أوكيف، أحد كتاب المسلسل الكوميدي (الدُب/ The Bear) أعلى المسلسلات مشاهدة عام 2022 على منصة ديزنى والذى فاز بجائزة أفضل مسلسل كوميدي في حوار صحفى عن الأزمة بقوله: إن نصف الكُتاب يحصلون من المنتجين على الحد الأدنى، فلقد كنت أعمل على المسلسل في شقة صغيرة توقف فيها نظام التدفئة، وكانت لديّ مدفأة كهربائية كنت أقوم بإشعالها أحيانا، لكن في بعض الأحيان كانت تنطفئ جميع الأضواء، وانتهى بي المطاف في المكتبة العامة لأكتب هذا المسلسل الذي حقق الآن نجاحا كبيرا وأدرّ الكثير من المال على بضعة أفراد، لكن ليس على من هم مثلي من المبدعين، حتى عندما فاز المسلسل بجائزة نقابة الكُتاب الأمريكية، ذهبت إلى الحفل مرتديا بدلة اشتراها لى أصدقائى واشتريتُ ربطة العنق بالدين، فلم تكن لدي أي نقود، وكان حسابي المصرفي بالسالب!، إذن هناك طبقة دنيا ضخمة الآن في هوليوود هم الكتاب.
اتحاد الكتاب في هوليود
ومن أجل مثل هذه الوقائع طالب اتحاد الكتاب في هوليود بأجور أعلى وحصة أكبر من أرباح طفرة البث الحديثة على المنصات (حق الأداء العلنى) وطالبوا بوجود حد أدنى من العاملين من الكتاب في كل عرض (مسلسل أو برنامج) لا يقل عن 6 كتاب، وضمان حد أدنى لعدد الحلقات في كل موسم، وألا تستخدم شركات الإنتاج (الذكاء الاصطناعى) في الكتابة الدرامية، وقد جاءت تلك المطالب بعدما صرحت شركات الإنتاج بضرورة خفض التكاليف بسبب الضغوط المالية، ولكن بعد الإضراب صرحوا أنهم كانوا على استعداد لزيادة الأجور، ورفع الحدود القصوى للمعاشات والتأمين الصحى، ودفع ما تبقى من حقوق الكُتاب المتأخرة، لولا ضخامة المقترحات الأخرى التي لا تزال النقابة تصر عليها مثل حظر استخدام روبوتات الذكاء الاصطناعي في الكتابة أو إعادة كتابة المواد، وعرضت عوضا عن ذلك عقد اجتماعات سنوية لمناقشة التطورات التقنية .
إقرأ أيضا : عز الدين ذوالفقار : أتحدى هوليود بالناصر صلاح الدين، والتليفزيون لن يؤثر على السينما !
و برغم أن شركات الإنتاج تعلم حجم الخسائر من جراء إضراب الكتاب – ففي عام 2007، دخل الكُتاب في إضراب لمدة 100 يوم، جعل هوليود تخسر حوالى 2 مليار دولار – إلا أنها لم تصل إلى حل وسط مع نقابة الكتاب، ولذا أعرب كثير من الشخصيات الهامة من مذيعى البرامج اليومية والصحفيين وكذلك نقابتى الممثلين والمخرجين عن تضامنها مع الكتاب.
وفي يونيو الماضى دخلت نقابة المخرجين السينمائيين في مفاوضات مع المنتجين وأصحاب الاستوديوهات في هوليود ونجحت في تحقيق طلباتها فلم ينضموا إلى إضراب كتاب السينما، ولكن في يوليو الماضى انضم إلى الإضراب الممثلون الذين تمثلهم نقابتين: الأولى هى نقابة ممثلي الشاشة التي تأسست عام 1933 في محاولة للقضاء على استغلال الممثلين الذي أُجبروا على التعاقد لعدة سنوات مع ستديوهات الأفلام الرئيسية في هوليود، التي لم تضع قيودًا على ساعات العمل أو لم تضع حدا أدنى لفترات الراحة، والنقابة الثانية هى الاتحاد الأمريكى لفنانى التليفزيون والراديو، وهما يمثلان 160 ألف فنان يعملون في التمثيل أو الغناء أو الرقص، بالإضافة إلى فناني الأداء والمشتركين في أعمال تحريك الدمى، وهكذا صار الإضراب يشمل الممثلين والكتاب لأول مرة منذ الإضراب الذى قاده دونالد ريجان رئيس الولايات المتحدة السابق وقت أن كان نقيبا للممثلين في أوائل الستينيات.
إضراب ممثلى هوليود
كل هذه النقابات وقفت في وجه رأس المال الجشع المتمثل في شركات الإنتاج السينمائى والتليفزيونى لأسباب كلها مادية، فالنقابات تطالب بزيادة الأجور وبتفعيل نظام تقاضى مقابل عند إعادة إذاعة المسلسلات وخاصة على المنصات، فليس من المعقول أن تحقق المسلسلات والأفلام ملايين المشاهدات ومليارات الدولارات على تلك المنصات بينما يبقى صناعها يتسولون.
و كان أحد الدوافع الكبيرة لهذا الإضراب بالنسبة لممثلى هوليود هو محاولة شركات الإنتاج الحصول على نسخة رقمية من كل ممثل تتعاقد معه ولا يحق له تقاضى أجر عن استخدام تلك النسخة، وهكذا سنرى أفلاما ومسلسلات بطولة ممثلين لم يشاركوا فيها على الإطلاق ولم يتقاضوا عنها أجرا باستخدام الذكاء الاصطناعى، بل أن مهنة مثل مهنة (المجاميع) أو الأدوار الثانوية في سبيلها إلى الانقراض، ولذا سارع الممثلون إلى الإضراب سعيا وراء مقابل عادل لاستخدام نسخة عنهم إلكترونية أو بديلهم الافتراضى، وتطالب النقابة أيضًا بضمان عدم استخدام الذكاء الاصطناعي والوجوه والأصوات التي يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر لتحل محل الممثلين.
إقرأ أيضا : سمير صبري في ذكراه الأولى: نكشف حكايته مع إليزبيث تايلور !
ولقد تبادل الطرفان إلقاء اللوم على الآخر فلقد قال تحالف منتجي الأفلام والتلفزيون الذى يمثل الاستوديوهات وشركات الإنتاج الأمريكية: (لم نكن نأمل أن يكون الإضراب هو نتيجة مفاوضاتنا، لأن الاستوديوهات لايمكن أن تعمل بدون الفنانين الذين يبثون الحياة في برامجنا التلفزيونية وأفلامنا، ولكن للأسف لقد اختار اتحاد الممثلين طريقا يؤدي إلى مصاعب مالية لآلاف لاتحصى من الأشخاص الذين يعتمدون على الصناعة)، وتلك محاولة مكشوفة من أجل أن يثور المتضررون من الفنانين على الاتحاد الذى يمثلهم ولكن رئيس لجنة المفاوضين رد قائلا: ما يحدث لنا يحدث في جميع مجالات العمل عندما يضع أرباب العمل ورجال وول ستريت (كبار رجال الأعمال) الجشع على رأس أولوياتهم، وينسون المساهمين الأساسيين الذين يجعلون الآلة تعمل!
إضراب نجوم هوليوود
الكل يعلم أن إضرابا كهذا سيوقف الغالبية العظمى من الإنتاج السينمائي والتلفزيوني الأمريكي في الوقت الحالي أما بالنسبة للأفلام التي تم إنتاجها بالفعل فلن يكون الممثلون متاحين لإعادة التصوير أو الدوبلاج أو تصوير الأفلام التشويقية لأعمالهم أو الدعاية الخاصة بها، ولن يتمكن كبار نجوم هوليوود من حضور الحفلات الترويجية للأفلام الجديدة والقادمة، وقد يتم إعادة جدولة أو تقليص حفلات الجوائز، فلقد صرح عدد من نجوم هوليود الكبار عن دعمهم للإضراب، بما في ذلك بطلة فيلم (باربي) مارجو روبي وميريل ستريب و(ذا روك) و(جورج كلوني) و(مات ديمون) كما انسحب أبطال فيلم (أوبنهايمر) من حفل الافتتاح تنفيذا للإضراب إلا النجم (توم كروز) فلقد كان له رأيا مختلفا!
ولهذا حديث آخر..