بقلم: بهاء الدين يوسف
المتابع للإعلام الغربي في الفترة القليلة الماضية يكتشف دون جهد كبير المحاولات الفجة التي تبذلها مختلف المنصات الإعلامية في أوروبا وأمريكا لكي يعطوا مئات الملايين من محبي ومتابعي كرة القدم في أنحاء العالم (شربة) قبول المثلية الجنسية في عالم الساحرة المستديرة، بعدما نجحوا في فرض ثقافة الشذوذ على العديد من المجتمعات عبر عشرات من الأعمال الدرامية.
لعل أبرز ما نتذكره في هذا السياق هى الضجة الفارغة التي حاول منتخب ألمانيا تحديدا إثارتها في مونديال قطر الأخير بزعم قيام الدولة المضيفة بمنعهم من ممارسة حقهم الإنساني في حمل شارات تدعم المثلية الجنسية، وهى المحاولة التي تكرست في قيام لاعبي المانشافت في الصورة الشهيرة بوضع أيديهم على أفواههم قبل احدى المباريات، ثم حملات الهجوم المنظم على قطر بسبب موقفها الغريب (بالنسبة لهم) من الشذوذ الجنسي وإصرارها على عدم السماح لدعاة هذا الأمر من الترويج له بشكل رسمي وعلني باعتبارها بلد مسلم له تقاليد يجب احترامها.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب : (نت فليكس) أم (لوط فليكس) ؟!
بجانب الترويج الإعلام للمثلية الجنسية في عالم كرة القدم تحديدا جاء دور الدراما وكان أحدث ما استوقفني ما جاء في المسلسل الكوميدي الذي تناول عالم كرة القدم تيد لاسو (Ted Lasso) حيث تكشف الأحداث أن أحد لاعبي فريق ريتشموند الذي يدربه لأسو مثلي الجنس وهو الدور الذي يجسده الممثل الإنجليزي الشاب بيلي هاريس، وهو دور كولين هيوز المهاجم الويلزي الذي يمارس مثليته سرا بعيدا عن زملائه وعن الإعلام ويتعذب بها (يا حرام!) وحيدا وهو يبحث كل فترة عن رفيق يطفيء معه نار شبقه الجنسي المثلي.
وتشاء الصدف أن يكتشف قائد الفريق المدافع (إيساك ماكدو) الذي يجسد دوره الممثل البريطاني (كولا بوكيني) الأمر بالصدفة فتثور ثائرته ويقرر التضييق على زميله المثلي ويعامله بازدراء دون أن يكشف أي منهما للمدرب أو لزملائهم عن السبب، حتى يكتشف الصحفي المرافق للفريق للأمر ويقرر دعم المهاجم الغارق في المثلية الجنسية نفسيا كاشفا له عن حقيقة أنه ينتمي لنفس مجتمع LGBT وهو التعبير الذي يطلق في الغرب على مجتمع المثليين.
تيد لاسو والمثلية الجنسية
ويمرر الصحفي المعلومة للمدرب (تيد لاسو) الذي بدوره يعطي اللاعبين – ومن ثم المشاهدين – درسا في كيفية قبول اللاعبين الشواذ، وداخل غرفة الملابس يجمع كل لاعبي الفريق الذين يحاولون إبداء التسامح مع زميلهم فيؤكدوا أن ميوله الجنسية أمر شخصي يخصه هو ولا يعنيهم داخل الملعب، وهو إنصاف وكرم بالغين من اللاعبين وفقا لكل المدونات السلوكية في جميع أنحاء العالم، لكن لاسو و(جاسون سوديكيس) الذي كتب المسلسل وشارك في إنتاجه أيضا يلقي محاضرة يبدأها باعتذار للمهام المثلي ليس فقط على إنه لم يكن يعلم وليس على أنه تعرض للمضايقة من زميله، ولكن لأن دوره كمدرب يفرض عليه أن يدعمه في المجاهرة بمثليته وأن يفرض على بقية اللاعبين احترام ذلك.
من المؤكد بالنسبة لي أن تلك الفقرة من المسلسل كانت واحدة من أهم شروط الموافقة على إنتاجه من (آبل أوريجينال) التي دخلت سوق الإنتاج الدرامي بقوة مخيفة منذ ظهورها في عام 2016 وباتت أقوى المنافسين لشبكة (نتفليكس) ليس فقط في قوة وتنوع وانتشار المحتوى الدرامي ولكن أيضا في الدفاع المستميت عن عالم المثلية الجنسية.
إقرأ أيضا : سقوط أسطورة (سوبر مان) على مذبح المثلية الجنسية !
من يتابع المحاولات الغربية لتمرير قبول ثقافة المثلية الجنسية في عالم الرياضة وخصوصا كرة القدم لن يفاجئه التطورات الأخيرة الحثيثة في هذا السياق، حيث نشرت العشرات من التقارير وأجريت عشرات من اللقاءات التليفزيونية مع مختصين للدفاع عن حق الـ Gays في لعب كرة القدم على أعلى مستوى، وقبل سنوات أثيرت ضجة واسعة لحوار مع لاعب كرة شهير (رفض ذكر اسمه للصحيفة البريطانية) كشف فيه عن مثليته الجنسية وأنه يخشى المجاهرة بها خوفا من العواقب سواء بالاستبعاد أو حتى بدفعه إلى مصير أسوأ مثل اللاعب الإنجليزي (جاستين فاشانو) لاعب (نوتنغهام فوريست) الذي انتحر بعد 8 أعوام من إعلانه مثليته الجنسية في عام 1990.
ثقافة تشجيع المثلية الجنسية
حديث لاعب الكرة الخفي عن مثليته دفع الجهات الداعمة للثقافة لتشجيع لاعبين آخرين للكشف عن شذوذهم، وخلال العام الماضي انفجرت ماسورة المجاهرة والفخر بالمثلية الجنسية آخرهم (جاك دانييلز) لاعب (بلاكبول الإنجليزي الحالي)، وهناك أيضا إلزام قادة فرق الدوري الإنجليزي بارتداء شارة (الرينبو) التي تعبر عن عالم المثليين جنسيا في جولتين من جولات البطولة الأكثر مشاهدة حول العالم.
في ضوء الجهد الحثيث والإنفاق السخي من الجهات الداعمة لثقافة المثلية الجنسية لن أتفاجأ إذا استيقظنا في يوم ما من المستقبل القريب لنجد أن من يقول أن المدام لاعب كرة كرة قدم محترف في أهم الدوريات الكروية في أوروبا، وأن يظهر (المدام) في وسائل الإعلام ليتحدث عن مهارته الفائقة في التوفيق بين واجباته كلاعب محترف وبين واجباته كزوجة في منزله السعيد الذي يجمعه مع رجل آخر في مجتمع الـ LGBT الذي ابتلينا به.