كتب: محمد حبوشة
كتبت أقبل أربعة أيام عن مسلسل سيب وأنا أسيب، واصفا إياه بأنه نموذج مثالي للتفاهة في زمن الانفجار الدرامي المقيت، وذكرت حرفيا: يبدو واضحا أن المظهر الخارجي للغباء لايشبه التقدم، المهارة، الأمل، أو الرغبة الدائمة في التعديل، وهو ربما تلحظه في فبركة مشاهد مفتعلة في المسلسل الذي لايبعث على الضحك والفكاهة بقدر ما يبعث على التقزز جراء هذا الانحطاط الذي أدى بالضرورة هبوطنا إلى الدرك الأسفل من سلم الفن الذي يعني بالارتقاء بالإنسان، وهو مايشير إلى أن المصري أصبح (ابن نكتة بايخة) يطعمها بألفاظ مبتذلة ونابية على أنها مضحكة.
وربما لايعلم الجمهور أن مسلسل سيب وأنا أسيب، مسروق من فيلم (sweet home alabama)، ولذلك اندهشت من رد مولفته في تبرير غير منطقي، حيث قالت (رنا أبو الريش) مؤلفة المسلسل تعليقا على الانتقادات الموجهة للمسلسل، عبر تصريحات لها: إنها سلمت السيناريو للمخرج وائل إحسان، وهو قائد فريق العمل، وإذا كانت لديه رؤية لحذف هذه الكلمات من المشهد لفعل ذلك، فيما برر المخرج موقفه بأنه وضع صافرة على صوت السعدني، ليشعر المشاهد أنه أمام مشهد واقعي، وطبعا لم تذكر(رنا، أو وائل) أنهما سرقا فكرة المسلسل بسيناريو وحوار هابط ومشوش من فيلم (sweet home alabama، لأنهما حتما سيقعان تحت طائلة قوانين الملكية الفكرية، رغم أنا الفيلم مأخوذ عن أفلام مصرية عالجت نفس المشكلة، وكأن لسان حالهما يقول: (بضاعتنا وقدر ردت إلينا)!
سيب وأنا أسيب.. دراما الملل
ومن هنا أكاد أجزم بأن المشاهد العربي الباحث عن فكرة جديدة وقصة مغايرة لما هو مألوف لن يجد ضالته في فيلم (sweet home alabama) إذ ان الدراما التلفزيونية تناولت الموضوع من زوايا مختلفة لدرجة يصاب معها المرء بالملل من كثرة الأعمال التي دارت في هذا الفلك، وحتى لا نصادر على الفكرة بآراء مسبقة يتوجب علينا استعراض خلاصة ما يريد الفيلم المأخوذ عنه مسلسل سيب وأنا أسيب، إجمالا من خلال شخصيتين محوريتين تحملان ركائز البناء الدرامي للحدث، فنجد الزوجين (ميلاني وجاكي)، وقد وصلا الى حافة الانهيار في علاقتهما الزوجية ولم يتبق شيء على الاطلاق سوى أن يوقع جاكي على أوراق الانفصال التي أعدتها (سلفا ميلاني) على غرار طلب هنا الزاهد من أحمد السعدني في المسلسل، وهي بذلك تبدي جديتها وقناعتها الكاملة بحتمية الانفصال، أما جاكي فهو يحاول جاهدا إعطاء مهلة للتفكير المتأني حتى لا ينهار بيت الزوجية بهذه السهولة، ولكن عندما تمعن زوجته في إحراجه والنيل من شخصه أمام أصدقائه بل وتعرض رجولته للسخرية أمام الجميع، يقوم باعادتها الى بيت أبويها وهي في حالة سكر وفقدان للوعي، وعندما تستيقظ في الصباح تجد أوراق الطلاق موقعة، وأن جاكي في طريقه إلى نيويورك.
إقرأ أيضا : (الاحتكار) أجهض كل محاولات تحسين المحتوى الدرامي المصري!
عقدة القصة في فيلم sweet home alabama، على غرار سيب وأنا أسيب، تكمن في في ميول (ميلاني) بتشجيع من والديها للارتباط باندرو ابن عمدة نيويورك الذي يحبها ويريد الزواج منها رغم معارضة والدته في البداية، وهنا نجد أنفسنا أمام أحداث قصة مستهلكة تم معالجتها في السينما (العربية) منذ أكثر من نصف قرن لتبيان الفوارق الطبقية التي تلعب لعبتها الأزلية في الحالات التي تحب فيها ابنة العائلة الغنية شابا بسيطا وفقيرا أو العكس، وفيما نحن بصدده تنبهر (ميلاني) كما تنبهر (هنا الزاهد) بالحياة المنعمة التي تنتظرها في نيويورك، غير أن الأحداث تأخذ منحى آخر بترك الباب مواربا لعودة محتملة ولم الشمل من جديد، وهذا ما حدث بالفعل، اذ ترفض ميلاني التوقيع على أوراق الطلاب بعد لحظات تردد تجسدت في ارتعاش القلم بين أصابعها، ثم وهى تعتذر لاندرو وسط دهشة المدعوين وغضب والدته.
رداءة أداء سيب وأنا أسيب
ونحن إذ نركز على تقليدية القصة وهشاشة المحتوى كما في سيب وأنا أسيب، فذلك لأننا ندخر قدرا كبيرا من الإعجاب والتقدير لكل من ريسي ويزرسبون وجوش لوكسي على أدائهما الرائع والذي ينم على قدرات هائلة وإمكانات غير محدودة تعامل معها مخرج العمل بذكاء يحسب له، على العكس من رداءة الأداء في سيب وأنا أسيب، فنحن أمام علاقة زوجية فريدة من نوعها تقوم على حب صادق، هذا الحب يتعرض لهزة عنيفة وتحيط به مجموعة من المغريات المادية والاجتماعية، والجميل أن هذه المغريات بقدر ما عبر عنها الحوار في جمل مقتضبة إلا أن التغيير (اللفظي) والمعاني المرسومة على تقاطيع الوجوه قد قالت ما هو مضمر في النفوس، لكن في سيب وأنا أسيب، جاءت الألفاظ صريحة بالوقاحة والابتذال، هذا هو مكمن الإعجاب بقدرات الممثلين القديرين الذين في sweet home alabama، حيث كسرا حدة إيقاع متوسط المستوى.
إقرأ أيضا : تعالوا يا بنات نلعب مسلسلات
ولأن الفيلم رومانسي التوجه كان لابد من الاعتماد على لغة تصويرية تتيح للمشاهد أن يعيش في حالة عاطفية ممتعة خصوصا بينما مسلسل سيب وأنا أسيب، غارق في الكوميديا الهزيلة، وأن آلية الحوار بين الزوجين قد أخذت شكلا حضاريا بابتعادها عن العناد والتشبث بفكرة الانتقام البغيضة على عكس (هنا الزاهد وأحمد السعدني اللذين استغرقا في العناد المبني على الحمق، إن أمرا كهذا يجعل المتفرج متعاطفا مع البطلين في آن واحد، ومع الحالة بشكل عام، أما السيناريو في sweet home alabama، فقد كان موفقا لأبعد حد إذ لا يوجد خلل في تتابع الأحداث أو فرض مشاهد غير مؤثرة، مثل سيب وأنا أسيب، بل على العكس كانت هناك حبكة مبنية على عقدة لم تحل شفراتها إلا مع النهاية، فيما يبدو أن الحل في مسلسل وأنا أسيب، سيأتي على قدر تفاهة الأحداث.
سيب وأنا أسيب.. غرق في التفاهة
يذكر أن فيلم sweet home alabama، من بطولة ريسي ويزرسبون، جوتس لوكسي، باتريك ديمبسي، ومن إخراج اندي تينانت، وهو مناسب لأن يشاهده الجميع حتى الأطفال بينما مسلسل يب وأنا أسيب غير صالح للمشاهدة من جانب الكبار، نظرا لتدني مستوى الحوار والافتعال الزائد عن الحد إلى درجة التقزز الذي يفضي إلى المسلسل وسكب صناديق القمامة على صناعه الغارقون في التفاهة، إنطلاقا من التفاهة تدعم السلبية من خلال استخدامها للغة الخشبية، تلك اللغة الجوفاء التي تعتمد الحشو والتكرار، وتوهم الناس بالكلام المستجد دون أن يكون جديدا، والذي يوصف بالكلام الساكت، وهو ما أشار إليه الفيلسوف (أبو حيان التوحيدي) بقوله: (فن بلا إشباع ولا كفاية)، أو بتعبير (أبو سليمان المنطقي: (تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما أجروا، وحاموا وما وردوا، وغنوا وما أطربوا، ونسجوا فهلهلوا، ومشطوا ففلفلوا)، وتلك اللغة تحدث عنها المفكر (مالك بن نبي) بقوله: (كلام مجرد من أية طاقة اجتماعية، أو قوة أخلاقية).
إقرأ أيضا : د. ثروت الخرباوي يكتب : الدراما توثق التاريخ ولكنها لا تصنعه
والحقيقة أن ما يمكن للتفاهة أن تنتشر وتترسخ، أمران: الأول: البهرجة والابتذال، فبعض الناس قد يلجأ إلى الفظائع بحثا عن الشهرة وبهرجتها، لذلك كان السياسي الفرنسي في القرن الثامن عشر تاليران يقول: (كل ما يبالغ فيه هو أمر غير ذي أهمية)، والثاني: المبالغة في التفاصيل: وهنا تضيع الحقيقية ويغيب المعنى، وقد وصفهم الفيلسوف (نيتشة) بقول بليغ عندما تحدث عن الشعراء الذي يهتمون بالقصائد الخالية من القيمة بقوله: (هؤلاء يكدرون مياههم، كي تبدو عميقة) فالتفاصيل مرهقة ومضللة)، لذلك كان مالك بن نبي يقول: (فكرنا خاضع لطغيان الشيء والشخص، وهذا السبب سيختفي عندما تستعيد الأفكار سلطانها في عالمنا الثقافي)، فالتفاصيل وكثرتها عائق أمام الفهم وبناء الفلسفة والرؤية والإدارك، وهذا يجعل هناك إسباغ من الأهمية على كل شيء غير ذي جدوى أو معنى، وفي ظل تلك الحالة البائسة يتحول كل شيء إلى هدف واحد وهو الحصول على المتعة، لذا قلما تجد في الحياة شخصا ينطبق عليه قول الصوفي شمس الدين التبريزي (الذين يعبر نور الله من خلالهم).