بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
في إحدي خطب الجمعة بالجامع الازهر الشريف الشيخ عبد الفتاح العواري عميد كلية أصول الدين السابق وخطيب الجامع متحدثاً عن قيم التراحم والتكافل وكيف ىتجلى ذلك من كسوة مريض إطعام فقير، وكذلك العطف على اليتيم ودعا المصلين أن يأخذوا من الإسلام مما دعا إليه من معاني للرحمة والدين الحنيف دعانا الي توادهم وتعاطفهم، إنها دعوة نريد بها مجتمعاً قوياً كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى وعلا صوته، اللهم ارحمنا أنت الرحيم.. اللهم اجعلنا رحماء بالضعفاء والمساكين.. اللهم يارب العالمين واخذ يدعو المصلين.
التراحم مطلب مهم للمجتمع أراه ينسحب من حولنا وفقط يتجلي في شهر رمضان الكريم فنجد إعلانات التبرع للمرضي والمساكين والجمعيات الخيرية تتسابق فى الدعوة للتبرع وتتزايد أعداد المساكين وتمتلئ الشوارع بموائد الرحمن للفقراء والمحتاجين، ومن هنا دعوة أن تستمر الرحمة لباقي السنه ولا تقتصر علي الشهر الفضيل، مطلوب كثير من تلك النوعية من خطب الجمعة حتي يستفيق البعض وتعود قيم الولاء والانتماء، وهنا أوضح الفرق بينهما فالانتماء إجبار قد يكون بالدم والولاء فهو بالفهم والإدراك والوعي بقيم وقيمة ما نتمي إليه فالولاء للوطن إنما هو إدراك لقيمة الوطن لأرضه وجيشه وأمانه وناسه والمعني هنا مرتبط بقدر معارفك وثقافتك لقيمة الأرض والعرض.
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب: سيطرة التفاهة !
أتمني أن يزداد التعريف بقيم التراحم والولاء والانتماء فالشباب في أشد الحاجة لغرس تلك القيم وسط كثير من برامج التسطيح والملء للهواء الإعلامي بما يجود به الترند الملعون وبرامج لا هدف لها إلا تحقيق نسب مشاهدة دون النظر لقيمة، ومردود تلك البرامج فأصبحنا نشاهد المشاكل الزوجية لبعض فنانات الترند وخلافات نجوم المهرجانات التي تظهرمدى التدني الثقافي لدى البعض منهم ، أعتقد ان له تأثيرسلبي علي بعض الشباب فالعلاقات أصبحت لا تربطها إلا المصالح والتراحم أصبح قليل وشبكات التباعد الإجتماعي إنما انتجت كما قال القدير د. حسام بدراوي في مقال (على مقهي الحالمين): أخشى على الأنسنة من الرقمنة، التي أرها قد أفرزت علاقات مجففة، فالصباح برسالة والمعايدة برسالة والتهنئة برسالة، وأخشى أن يتحول العزاء برسالة، فمن الملاحظ أن قل التواجد والتراحم بشكل ملحوظ ومزعج فكثير من الأحداث ينقصها التجمع البشري كالمواساة أو المناسبات إلا في معظم ما يخص الفن والفنانين والمشاهير فهنا تزدحم القاعات والممرات وفقط يأتي كثير من هواة التصوير ويظهر إعلام الموبايل وفتيات البحث عن ترند يتواجدن على اليوتيوب وشبكات التواصل إنه إعلام موازي أصبح يشكل خطراً كبيراً على الإعلام الحقيقي.
التراحم يبدأ بين أفراد الأسرة
نعم التراحم يبدأ بين الأسرة وأفرادها وينتقل للشارع ثم يكبر ويشمل الوطن، ولدي سؤال أرجوان نفكر في الإجابة عليه: هل التلاحم الأسري مازال كما كان يعيشه جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات أم تأثر بتكنولوجيا العصر وزمن شبكات التباعد؟، فالأبناء منسحبون مع الأجهزة والبعض مع التليفون، اندهشت حين كنت في النادي وشاهدت أسرة تجلس على طاولة ولكنهم منشغلون بالأجهزة والموبايل ولا حديث، فقد كانت فكرة الخروج لمجرد تغيير لما يحدث داخل المنزل، وأعتقد وقد أكون علي صواب أن حالة اللامبالاة العامة بما يحدث والتي أصابت بعض المواطنين وأصبح يعلو صوتهم فقط حين ترتفع أسعار بعض السلع، وهو لا ينظر إلى ما يحدث حوله علي سطح المشهد الإقليمي والعالمي!.
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب : ضحايا شبكات التباعد !
إنها بعض الآثار الجانبية السلبية لشبكات التباعد الاجتماعي أن أصبح لدينا مائة مليون خبير في كل مناحي الحياة فى الاقتصاد الكل يهرتل ويفتكس في السياسة والفن والكورة الكل عالم بكل شيئ، خبير ومنظر ومفكر لكل مواطن ثم الطامة الكبرى مذيعات محطات ملء الهواء ونصائح للشباب والشابات، قيئ إعلامي ساذج يتابعه السذج فيفرض علينا هراء واستظراف قبيح يتوارى خلف جمال مستحدث فج بالعدسات والنفخ والتزييف يجعلنا نتشدق بعبارة التراحم علي سامية صادق وصفية المهندس وسلوي حجازي وأماني ناشد وندعو بالصحة لسناءمنصور ودريه شرف الدين وفريده الزمر، ويجب أن لا نندهش حين لايدرك البعض كلمات عن الريادة والتاريخ وإعلام الزمن الجميل، من حق البعض أن يحزن ومن حقنا أن نكتب ونتحدث ونذكر، فما يحدث إنما مؤشراً لواقع ليس لصالح الإبداع المصري والتاريخ الفني والثقافي العريق.
حالة عدم التراحم
هل تدركون خطورة ما يحدث للمواطن من حالة عدم التراحم والساونا والأحداث الساخنة من حرب أوكرانيا وويلاتها إلى حرب السودان، ثم يجد نفسة فجأة أمام برامج مذيعات الهطل لمذيعات الجمال ومشاكل نجوم الصدف بملابسهم البغبغانية ولقاءاتهم الإعلامية الساذجة التي تستثمرها بعض المحطات العشوائية، ثم تتحول الي ترند وتتناقل علي شبكات التباعد الاجتماعي، والسؤال: ماذا تفعلون بالشباب وماذا تنتظرون غير الاستهجان أحياناً واللامبالاة عند الكثيرين، إن أهم ما تحتاجه مصر الأن هو إعلام واع وفلتر يقنن ويقلل مما يقدم لتسطيح العقل فستدفع فواتير هذا الانفلات الإعلامي، فقد أصبح لدينا كثير من المواطنين لايكترثون بما يحدث حولنا وفقط مرادهم لقمة العيش ولاتدري بحجم اي مجهود يبذل من الدولة.
والسؤال: وما العمل؟، مصر بخير بيوت تنعم بالسكينة والأمان ومطلوب فقط الرحمة من تجار الأزمات، مثل طلب الرحمة من سماسرة الحروب وهواة إشعال مشاعر الطيبين والغلابة والسذج، فبعضهم يطالعنا من خلال شبكات التباعد الاجتماعي ومحطات الهاربين وبعض وسائل اعلام مغرضة.. اتقوا الله في بلد عبرت من نفق أسود، أطالبكم بإعمال العقل والعمل وتكريس قيم التراحم والتحري لفهم الوقع من حولنا، رجاء اليقظة فالكلمات والخطب والشعارات لا تبني أوطاناً، الأوطان تبني بالعرق والجهد والولاء والانتماء، الأوطان ياسادة بمن عليها من جموع تعمل وجيوش تحمي، هكذا تكون الأوطان انتهى زمن الخطابة والأغاني الوطنية والشعارات الجوفاء.
وكما قال صلاح چاهين في أوبرا (ليلي يا ليلي)، وكتب: (الفعل الفعل الفعل الفعل هو اللي حينفعنا بالفعل في دنيا زي الغابة.. مليانة بالكآبة ويعيني علي الغلابة في الأيام الهبابة.. لا كلام يا صاحبي ينفع ولا تنفع كتابة دعوة اليقظة والعمل والفعل ولا نكتفي بالدعاء والتواكل)، دعوة من العظيم صلاح چاهين: الفعل العمل التراحم.. هكذا كانت دعوات الفنون الفعل الفعل الفعل هو اللي ينفعنا بالفعل.. مصر تنطلق وتستحق.