بقلم: محمد شمروخ
ألم يئن لهذا الهم الجاثم على صدور المصريين أن يزول عنهم؟!، هل يعجز خبراء التعليم في مصر عن إيجاد نظام بديل لكابوس الثانوية العامة بعد أن صار نظاماً عقيما؟!، ولا أدرى كيف يمكن أن يتلقى طالب الثانوى كل هذا الحشو ليستفرغه مرة واحدة في أوراق إجابات الأسئلة ثم لينساه تماماً بعد هذا الاستفراغ. وبعدها ينتظر في قلق بالغ، النتيجة المرجوة.
ليس قلقا يختص به وحده بل ينقل هذا القلق إلى كل من حوله ثم لا يلبث أن يتعملق ليصبح هما ثقيلاً، حتى على الأسر التى ليس لها صلة مباشرة بها وليس من بين أبنائها طالب واحد ينتظر النتيجة!.
فلا يكاد يخلو بيت ولو في محيطه القريب، من قلق الانتظار من الأقارب أو الأصدقاء المعارف أو الزملاء على طلاب الثانوية العامة.
فما فائدة كل هذا العناء الذي لا يستفيد منه طالب الثانوية العامة إلا النذر اليسير؟!، وقد أثبتت التجارب أن نظام امتحانات الثانوية العامة المعمول به، عقيم لا يصلح ولو كمؤشر موثوق به لمستويات الطلاب العلمية وما يمكن أن يكون عليه مستقبلهم العملى، لاسيما في ظل تمكين شبح الغش الذي صار عملا ضروريا لدى نسبة عالية من الطلاب وأهليهم، وقد بلغ من الفساد الأخلاقي وخراب الضمير العام في بعض المجتمعات، أن صار هذا الغش عملا مرضيا عنه بل ويطلب بإلحاح في كثير من الأماكن!.
وساعد على ذلك تطور أساليب الغش التى فاقت تطور النظام التعليمي نفسه وتغلبت على طرق الامتحانات وعجزت أمامها كل وسائل الرقابة الحكومية في التصدى لأساليب الغش المستحدثة في الثانوية العامة، خاصة بعد أن ظهرت أجيال متطورة من السماعة الإلكترونية يصعب اكتشافها فضلا عن تعطيلها أو الكف منها.
الثانوية العامة.. نظام مبتكر
إن المنظومة التعليمية بالكامل تحتاج للتغيير بضرورة وضع نظام مبتكر للانتقال من مرحلة تعليمية إلى أخرى غير التى نعرفها منذ حوالى قرنين من الزمان لم تتغير كثيرا ودائما يسبقها الزمن الحاضر بخطوات واسعة بينما تظل العقلية البيروقراطية تكبل تطور المناهج وطرق التدريس وأساليب الامتحانات في الثانوية العامة.
فلماذا لا تنشأ مدارس متنوعة كمراحل تمهيدية لمختلف التخصصات بالكليات فيما بعد المرحلة الإعدادية، لتصير بديلاً لـ الثانوية العامة بنظامها العقيم غير المجدى لا علميا ولا عمليا!
لماذا لا يدرس الطالب مناهج ممهدة في مدارس متنوعة وبطرق حديثة، الطب أو الصيدلة أو الهندسة أو العلوم أو الحقوق وغيرها من مجالات الدراسة، حتى يتم تأسيسه علمياً فلا يفاجأ بمناهج لا يعرفها ولم يدرسها؟!
هل يستفيد طالب الثانوية بعد نجاحه مما درسه في جميع مواد الثانوية العامة؟!
الإجابة: لا!
إن الطالب عندما يلتحق بالجامعة، ينفصل تماماً عما سبق لن درسه ويفاجأ بمجال جديد تماما لم يألفه في الثانوية العامة من كل النواحي علمياً وعمليا واجتماعياً، فطالب الطب أو الهندسة أو الحقوق أو الفنون او الزراعة، لن يفاجأ بمواد علمية وحياة جديدة إذا ما درس علومها فيما قبل المرحلة الجامعية.
تكرار مأساة الثانوية العامة
هل من مبرر عند أحد عن فائدة كل هذا الغم الذي نجنيه من وهم اسمه الثانوية العامة وما يتبعه من وهم أكبر لا يقل عقما يدعى بالتنسيق، ولا أجد الآن معنى لتكرار المأساة الثانوية كل سنة بكل هذا التوتر الذي يحكم كل بيت فيه طالب ثانوية عامة.
دعنى أزيدك بأنه لا معنى كذلك لتوحيد الامتحانات في جميع المدارس وأن يؤدى جميع طلاب الثانوية العامة على مستوى الجمهورية امتحانا واحداً ثم يتم تتبع نهاية هذه الامتحانات، الأخبار والتسريبات عن نتائج التصحيح وتتوالى التصريحات وتكثر الإشاعات وتقع الانهيارات النفسية وتتحطم الآمال.
لماذا كل هذا المرار وكأنه نظام كونى لا سبيل للفكاك منه؟!
أعلم جيداً أن الأمر يحتاج إلى قرار قد يتجاوز قدرات ومسئوليات قيادات وزارة التربية والتعليم ولكن لابد من البحث عن طريقة جديدة للنهوض بالعملية التعليمية والذي يتوجب علينا أن نحطم هذا الشبح الوهمى العملاق المتمثل في الثانوية العامة والذي صنعناه بأنفسنا.
لو فكرنا في الأمر لوجدنا أننا نحمل أنفسنا هموما وضغوطا نفسية واجتماعية ومالية يمكن أن نتخلص منها بمنتهى السهولة بشرط اتخاذ خطوات جادة وشجاعة نحو بديل أكثر جدوى.
امتحانات الثانوية العامة
يكفى ما تعانيه البيوت المصرية من إعلان حالة الطوارئ القصوى بمجرد دخول أحد أبنائها السنة الثالثة الثانوية والتى لا أجدها تختلف عن السنتين السابقتين لها في كثير، بل ربما كانت السنة الأولى الثانوية أكثر صعوبة منها!
إن العبء الأساس في امتحانات الثانوية العامة هو في جوهره عبء نفسي تساهم فيه الدولة بالدرجة الأولى بالإصرار على الاستمرار في دعم التخويف مع إمكانية إيجاد نظم بديلة اكثر جدوى.
(ولعله الدعم الوحيد الذي لا تفكر الدولة في إلغائه)، فما معنى تتبع مؤشرات النتائج في امتحانات عقيمة مع شكاوى لا حصر لها من صعوبات أو طول في الأسئلة.
كما يشكل المظهر الاحتفالى، والكثيرون يحلمون بمكالمة السيد الوزير ليزف لهم البشرى بنفسه بأن ابنهم او ابنتهم، من أوائل الثانوية العامة، ثم تأتى اللحظات الفارقة لتشكل ضغطا هائلاً على أعصاب ونفسيات الطلاب والأهالي، وبعدها تعلن النتائج لتنقسم البيوت ما بين الأفراح أو الأحزان.
مشاهد تتكرر منذ عشرات السنين تعيش فيها مصر كلها أجواء ملبدة بالتوتر لا خلال الامتحانات أو انتظار النتيجة، بل ظل التوتر خانقا منذ نهاية امتحانات الصف الثاني الثانوي في العام السابق وحتى وصول إخطار الترشيح للكلية او المعهد.
ولا تنتهى هذه المهزلة المأساوية، حتى تبدأ سنة جديدة بمهزلة جديدة عقب هدنة لبضع أسابيع لا تكفى لتنفس الصعداء، ليبدأ العام الدراسي الجديد وتدور العجلة مرة أخرى، ولعل الطالب الذي يبدأ أول أيام دراسته الجامعية له الحق في أن يطرح على نفسه وعلى أسرته وعلى المجتمع والدولة، سؤالاً واحداً ستكشف إجابته مدى هذا الوهم العملاق المسمى بالثانوية العامة.
ترى.. ماذا استفاد من كل ما سبق من عناء؟!
إنها خطوة يسيرة تبدأ بقرار جرىء بإزاحة هذا الشبح المخيف.
صدقوني لن يفعلها إلا مسئول شجاع يمكن أن يتصدى لهذا الشبح الوهمى، وسنكتشف بعدها أننا أضعنا الكثير فيما لا فائدة فيه ولا جدوى منه.