أصدقاء عبدالحليم حافظ يؤكدون حبه لـ (ديدي الألفي) ولوتس عبد الكريم تنفي! (3)
كتب : أحمد السماحي
لعب عبدالحليم حافظ منذ منتصف الخمسينات وحتى منتصف السبيعنات بخيال جميلات الوطن العربي، هفت إليه قلوب المراهقات والحسناوات والزوجات والمطلقات، كل فتاة كانت تجد نفسها بطلة أغنية من أغنياته، وكل سيدة كانت تحلم بنفسها بطلة فيلم من أفلامه، وكان هو يبحث عن امرأة من نوع خاص، امرأة رسم في خياله صورتها، ليست الأنوثة المتفجرة ميزتها، ولا الجمال الصارخ عنوانها، كان يحلم بفتاة مرحه، حسناء، شفافة الروح، تتحدث بعينيها أكثر مما يثرثر لسانها، وبحث العندليب عنها كثيرا، وفي كل حدوتة حب عاشها كان يكتشف أن حبيبته التى أحبها فترة، ليست سوى دوبليرة غير موهوبة لفتاة أحلامه التى تلاعب خياله، إلى أن ألتقى حسب كلامه بابنة العائلة الغنية جدا السيدة (مفيدة الألفي) أو (ديدي الألفي) كما كان يطلق عليها أصدقائها، والتى لم يعلن يوما عن اسمها، حتى رحيله، وكذلك فعل كل الكتاب الكبار الذين تناولوا هذه الحدوتة التى ساروا فيها وراء ما تحدث به عبدالحليم حافظ نفسه!
عبدالحليم حافظ وديدي الألفي
في الحلقة الماضية توقفنا مع عبدالحليم حافظ عند هذه القصة الغارقة في الرومانسية والشجن من خلال مذكراته التى نشرت في مجلة (صباح الخير) في منتصف سبعينات القرن الماضي، وعرفنا كيف بدأ الحب بينه وبين (ديدي الألفي)، وكيف تطور الحب بينهما، وظروف مرضها ووفاتها وهذا الأسبوع في باب (غرام النجوم) نستكمل حلقات زيارة إلى قلب عبدالحليم حافظ .
تناول كل كاتب صحفي قصة حب عبدالحليم حافظ وديدي الألفي من وجهة نظره هو، وتاهت الحقيقة بين كل هذه القصص، ففي الوقت الذي يقول فيه الكاتب الصحفي محمد رجب: (أن عبدالحليم كان في أحد الأيام في زيارة لمعرض الفنانة الكبيرة اعتماد الطرابلسي، توقف أمام لوحة لوجه امرأة، وبهرته اللوحة حيث وجد نفسه أمام فتاة أحلامه وجها لوجه، لكنها هذه المرة كانت وجها في لوحة، واقتربت منه صاحبة المعرض وتأملته طويلا وملأتها الدهشة، وسألت نفسها لماذا توقف مطرب مصر الأول أمام هذه اللوحة؟!، ماذا فيها جعلته قطع كل صلته بالمكان والحاضرين؟ وكأنه يريد أن يستنطقها ويحدثها، أو كأنه ينتظر أن تبعث فيها الروح.
إقرأ أيضا : في ذكرى ميلاده : زيارة إلى قلب عبدالحليم حافظ (1)
شعر عبدالحليم حافظ أن صاحبة المعرض خلفه، استدار إليها سألها في عفوية: هذه اللوحة من وحي الواقع أم الخيال؟! فردت : هذه اللوحة بالذات من وحي الواقع، دارت الدنيا بالمطرب الكبير كأنه مخمورا وأفاق فجأة، وسألها: (من صاحبة هذا الوجه؟) فقالت: (ابنة عمتي)!، لم يصدق المطرب الكبير نفسه، فتاة أحلامه فوق ظهر الأرض ليست كما تصورها سرابا ووهما، بل هى واقع شحما ولحما ودما، لكن يبدو أنها ضلت الطريق إليه، أو أن الزمن استكثرها عليه! وكتب عليه ألا يراها إلا في خيالات الفنانيين، لكنها هاهى تلك المرة قد اتته قدرا، وعرف من صاحبة المعرض أنها تسكن نفس العمارة لا يفصله عنها غير طابق واحد!، هذه قصة معرفة عبدالحليم بديدي الألفي كما كتبها الكاتب الصحفي محمد رجب، بعد ذلك يتطرق الكاتب إلى ظروف تطور العلاقة والمرض والوفاة.
مصطفى أمين وديدي الألفي
في الوقت نفسه يكتب الكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين قصة آخرى حيث يقول: (في سنة 1956 كان عبدالحليم حافظ يتعشى عندي ومعه كمال الطويل، ومجدي العمروسي، وبعض الأصدقاء، وبعد العشاء جلسنا في غرفة المكتب نتحدث ونتناقش، وارتفع صوتنا ولاحظت أن كمال الطويل، كان وسط هذه الضوضاء يدق على كتف المقعد بأصابعه ويلحن أغنية (بتلوموني ليه، لو شفتم عينيه حلوين قد أيه)، لم يكن الطويل يعتمد على آلة موسيقية ولا على بيانو ولا على عود، وإنما كانت أصابعه هى التى تعزف هذا اللحن الرائع البديع، وكان عبدالحليم يأكله بنظراته ويتابعه بأذنه، ولم أر عبدالحليم مهتما بلحن كاهتمامه بهذا اللحن.
إقرأ أيضا : لأول مرة في الصحافة العربية : كلمات أغنية الملك فاروق التى تغني بها عبدالحليم حافظ
ويضيف مصطفى أمين: وحدث أن ذهبت لأسمع عبدالحليم حافظ يغني في سينما ريفولي، وجلست في الصف الثالث، وتصادف أن جلست بجواري فتاة رائعة الجمال، عيناها واسعتان جذابتان، فمها دقيق، وشفاها غليظة، وقوامها فتان، وكانت تجلس بجوارها بعض قريباتها، وبدأ حليم يغني أغنية (بتلوموني ليه) ولاحظت أنه يوجه نظراته وهو يغني إلى الفتاة التى تجلس إلى جانبي، ثم لاحظت أن عيني الفتاة تتكلم وترد عليه، وتناجيه، وتلاغيه، وتقبله، وتعانقه، لم أر في حياتي عينين بكل هذا السحر والجمال.
وفهمت أن أغنية (بتلوموني ليه) موجهة في كل كلمة إلى هذة الفتاة التى لم أكن أعرف اسمها، وفي اليوم التالي زارني عبدالحليم حافظ، وبادرته بقولي إنني عرفت الفتاة التى يحبها، وأصيب بالذعر وسألني: من أخبرك؟ قلت: هى، قال في دهشة: هل هى أخبرتك؟ قلت له: عيناها تكلمت وصرحت وأذاعت السر الرهيب.
عبدالحليم حافظ يتكتم اسم حبيبته
وكان عبدالحليم حافظ يحرص على كتمان اسم الفتاة التى يحبها حفظا لسمعتها، وحرصا على أسرتها، وعرفت كيف عرفها حليم، استأجر شقة في رمل الإسكندرية، وذات يوم دخل مصعد العمارة، ورأي أمامه هذه الفتاة، وما كاد يرى عينيها حتى جن بها، كان حبا من أول نظرة، ابتسم وابتسمت، سألها عن اسمها فأجابت، ثم عرف أن أسرتها هى صاحبة العمارة.
ومن ذلك اليوم لم يبق في دماغه إلا صاحبة العينين الجميلتين، أصبحت كل إحساسه، وكل عواطفه، وكل أحلامه، كان يسير خلفها على شاطئ المنتزه، كلما جلست في كابينة حاول أن يتعرف إلى أصحابها، ثم بعد ذلك يتردد على الكابينة حتى يراها ويجلس أمامها ويسمعها تتكلم، كان في أثناء هذا الحب الجارف العاصف يهرب ويتلاشى فلا يعرف أقرب أصدقائه كيف انشقت الأرض وبلعت عبدالحليم حافظ، ويحدث أن يكون مرتبطا بموعد هام قد يربح منه ألوف الجنيهات، ولا يتردد عبدالحليم أن يضحي بالصفقة الهامة ليلتقي بالفتاة التى أعطاها كل قلبه وكل حياته، وعرف عبدالحليم أن هذه الفتاة سيدة متزوجة ولها أولاد وزوجة سفير ومن أسرة كبيرة).
إقرأ أيضا : سر خطف عبدالحليم حافظ أغنية (على حسب وداد قلبي يا بوي) من إلهام بديع !
كما كتب الكاتب والأديب الكبير يوسف السباعي قصة فيلم (حبيبي دائما) بطولة نور الشريف وبوسي، وإخراج حسين كمال، من وحي قصة (عبدالحليم وديدي الألفي) مع تغيير في مهن أبطال وأحداث قصته.
يقول مجدى العمروسى أقرب أصدقاء عبدالحليم حافظ إلى قلبه ومدير أعماله وخزينة أسرار: (إنه عثر فى آخر لحظاته تحت وسادته على منديل عليه حرف D وورقة مكتوب فيها: (أرجوك تغنى صافينى مرة).
نفي قصة حب عبد الحليم حافظ
في الوقت الذي عشنا سنوات طويلة مع أحداث هذه القصة التى لا يعلم مدى صدقها إلا الله وحده، حيث تعودنا وكما ذكرنا في الحلقة الماضية في كل قصص الحب التى سمعنا عنها لـ (حليم) لم يتكلم الطرف الثاني، لم ينف، لم يؤكد، العندليب الأسمر فقط هو الذي يتكلم هو الذي يفضفض لأصدقائه من الكتاب والصحافيين، أما الطرف الآخر فلا نسمع له صوتا أو حسا، وكأنه غير موجود في الحياة!.
ففي الوقت الذي أصبحت قصة حب عبد الحليم حافظ لـ (ديدي الألفي) واقع لنا كقراء وعشاق للعندليب الأسمر خرجت علينا الكاتبة والفنانة التشكيلية الكبيرة لوتس عبدالكريم، لتنفي هذه القصة جملة وتفصيلا حيث قالت: (لم يحدث فى تاريخ الوسط الفنى، وعلى مدى كل هذا الزمن الطويل، أن ظلت حكاية حب! وهمية ومختلقة تلوكها الألسن، وتتناولها وسائل الإعلام، بل تتفنن فى سردها وتصويرها، كما حدث في قصة (عبدالحليم وديدي الألفي)، مشكلة عبد الحليم حافظ أنه كان يريد أن يقلد محمد عبد الوهاب الذي عرفته بنات الأسر الراقية، وتزوج من بنت باشا، ثم من طليقة رئيس وزراء، وبالتالي اختلق عبدالحليم تلك القصة.
وتضيف لوتس عبدالكريم: أن علاقة وثيقة ربطتها بهذه السيدة وأسرتها، وأن قصة الحب بينها وبين عبد الحليم ليست حقيقية، فهذه السيدة كانت ملكة جمال مصر، وأغنى امرأة فيها، وأبوها وأمها من أعرق الأسر المصرية وأكثرها ثراءا، حيث كان أهلها من الاقطاعيين أصحاب الأملاك والأراضي الزراعية الواسعة، وكنا نقضى الكثير من الوقت معا ونذهب للمصايف سويا.
وكانت ديدي تحضر حفلات عبد الحليم حافظ، وتدعوه أسرتها لقصورها ليحيي الحفلات الخاصة التي تقيمها، فقد كان من عادة أسر الباشوات والطبقة الراقية المداومة على مثل تلك الحفلات في السراي والقصور التي تعيش فيها، ويغني فيها كبار المطربين.
وتوضح الدكتور لوتس عبد الكريم: أنه لم تنشأ قصة حب من أي نوع بين هذه السيدة وبين عبد الحليم حافظ، رغم أن صحف الستينيات استغرقت كثيرا في الحديث عن هذه القصة الوهمية، وكانت تذكر اسمها صراحة ما تسبب في الإساءة لأسرتها، خصوصا والدها وأمها وأقاربها المعروفون.
عبد الحليم حافظ سرب الشائعة
تشير لوتس إلى أن عبد الحليم حافظ كان يعمل على نشر هذه الشائعة من خلال أصدقائه من كبار الصحفيين مثل مصطفى أمين ومفيد فوزي ومنير عامر، ولا تدري ما إذا كان هؤلاء الصحفيون يعرفون هذه الحقيقة أم أن قصة الحب الكاذبة وصلتهم من عبد الحليم، ووثقوا فيه دون أن يتحققوا من صحتها.
وتقول: لا تتعدى العلاقة بين (ديدي) وعبدالحليم حافظ لقاءات عابرة أثناء وجوده في بيتهم، وربما تقابله على المصعد، كانت تحب صوته وتسأله مثلا أن يغني لها مقطعا من أغنية معينة فيفعل، لكنها لم تكن تحبه، وأنا أعرف ذلك جيدا، فقد كانت متزوجة وتحب زوجها الذي أنجبت منه ولدين وقد وصل كل منهما إلى مرتبة السفير، ولهما شركات كبرى.
وتضيف د. لوتس عبد الكريم: مسألة طلاقها من زوجها الذي كان دبلوماسيا مرموقا لاعلاقة لها بتلك القصة الوهمية عن ولعها وحبها لعبد الحليم حافظ، فقد كانت بينهما خلافات زوجية أدت إلى الانفصال الذي لم تعش بعده طويلا).
وبكلمات الدكتورة لوتس عبدالكريم نغلق ملف زيارة إلى قلب عبدالحليم حافظ مؤقتا على أن نعاود فتحه مجددا مع ذكراه القادمة.