نكشف المحذوف من صرخة ماجدة الرومي التي ظهرت بعد 34 عاما
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة، أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفها.
كتب: أحمد السماحي
حين يعم النشاز، يصبح الملاذ حناجر تلم التائهين بعطف وحنان وحب، من هذه الحناجر، حنجرة ماجدة الرومي، التى طرحت خلال الساعات الماضية عملها الغنائي الجديد الذي جاء عبارة عن قصيدة بمثابة صرخة سياسية مدوية لمن يريد أن يسمع، بعنوان (عندما ترجع بيروت) كلمات الشاعر السوري الخالد نزار قباني، لحن يحيى الحسن، توزيع موسيقي أوركسترالي ميشال فاضل، توزيع موسيقي شرقي حسن يحيى المعوش، تسجيل وميكساج وماسترينج رالف سليمان، إخراج شربل يوسف، إشراف عام عوض الرومي، وقد صور الكليب بين مصر، ولبنان، حيث صور جزء منه في الجامعة العربية.
ماجدة الرومي وشهداء المرفأ
أهدت سفيرة الفنانين الشباب العرب ماجدة الرومي عملها الجديد إلى أهالي شهداء مرفأ بيروت وكل أهالي شهداء لبنان، وكتبت في مقدمة الكليب: (أهدي عملي هذا إلى أهالي شهداء المرفأ، وكل أهالي شهداء لبنان الأبرار، وأهديه إلى اللبنانيين الذين طوعوا المستحيل وتحملوا من المؤمرات المتلاحقة المجرمة المحاكة ضدهم أهوالا لم يتحملها شعب في الدنيا، على أمل أن نستعيد قريبا قرارنا الوطني الحر الصادر منا، وأن ترجع بيروت إلينا بالسلامة اليوم قبل الغد بإذن الله تعالي).
ماجدة الرومي تبدع في الكليب
لقد عرفت خبر هذا العمل منذ أسابيع حيث تحدث معي الصديق عوض الرومي بفرحة وحب وسعادة عن كليب ماجدة الرومي الجديد، والقصيدة، وأرسل لي بعض الصور، لكنه طلب مني تأجيل النشر، وعدم نشر الصور، وكبت فضولي الصحفي وتحرقي للنشر ووفيت بوعدي ولم أنشر، والحقيقة أنني بعد أن شاهدت العمل سعدت بكل تفاصيله، وروعة وجمال صورة الكليب الذي تفوق فيه المخرج المبدع شربل يوسف، وشعرت كأني أمام فيلم روائي قصير، عن فنانة أحبت بلادها بغير حدود، ولأنها موجوعة لما حدث لبلادها، ولا تملك إلا صوتها، لهذا ذهبت إلى الجامعة العربية والمسئولين فيها تستنجد بهم لإنقاذ بلادها، فهي تريد دعم ومساندة بلدها في محنتها بأي طريقة.
إقرأ أيضا : ماجدة الرومي .. ملاك الطرب العربي الذي يحلق عاليا
وفي نفس الوقت تريد ماجدة الرومي منح الطاقة وجرعات الأمل لشعبها لأجل غد أجمل، كل هذا تحقق في قصيدة (عندما ترجع بيروت) لشاعر العروبة نزار قباني الذي أكدت كلمات قصيدته أن الفن الصادق لا يموت، وكلما كنت صادقا كلما كنت خالدا.
نزار قباني وعشق بيروت
نزار قباني عشق بيروت على الرغم من عشرات المدن التي زارها وأقام فيها، وعلى الرغم أيضا مـن حضور بعضها في شعره إلا أن ثناءه على دمشق، وبيروت، كان ثناء خاصاً ولم يخلد مدينة من المدن مثلما خلدهما في شعره، فغدت المدينتان هاجساً رافق مسيرته الشعرية إلى آخر أيام حياته، كل مدن العالم بالنسبة إليه كانت صالات ترانزيت وفنادق صالحة للمبيت ليلة واحدة أو ليلتين على الأكثر، ولكنه بعد بيروت لم يستطع أن ينام في أي مكان، ولا أن يكتب في أي مكان، فكل العالم بالنسبة إليه فندق من الدرجة الثانية، وبيروت هى البيت.
إقرأ أيضا : رسائل ماجدة الرومي الباكية من مصر لست الدنيا بيروت
وكل العالم بلا جدران وبيروت هى السقف، وكل العالم صحراء وبيروت هى الماء، وكل الجغرافيات تفرعات وهوامش وبيروت هى الأصل، وهو من خلال تعامله الشعري مـع عشرات المدن اكتشف أن بيروت نسخة لا تتكرر في تاريخ الشعر، وأن الشاعر الذي لا يتخرج من بيروت أو لا يتشكل في بيروت أو لا يعتمد فـي بيروت أو لا تنشر أشعاره فيها يبقى شاعراً غير مكرس، ولا يصل إلى مرتبة النجومية وإنما يبقى في قائمة شعراء الكوميديا.
ماجدة الرومي وخالد الشيخ
لقد خص نزار قباني بيروت بديوان كامل تحت عنوان (إلى بيروت الأنثى مع الاعتذار)، وفي عام 1982 كتب قصيدة (محاولة تشكيلية لرسم بيروت) التى كتبها من وحي أحداث الحرب اللبنانية الأهلية خلال أسوأ ما مرت به المدينة، وهو اجتياح إسرائيل، حيث قامت لتدمر قلب الحرية العربي، بعدها بسنوات قليلة التقت ماجدة الرومي بالموسيقار البحريني المبدع خالد الشيخ في المنامة عام 1989، وسلمته قصيدة (محاولة تشكيلية لرسم بيروت)، وطلبت منه تلحينها لها.
وبالفعل وضع الشيخ تصوراً هيكلياً للنص فكان اللحن، في صيغته الأولى تعبيرياً، ومائلاً إلى الملحمية المأساوية، لكن حالت الظروف دون خروجه للنور، وها هي ماجدة الرومي تصر على خروجه للنور هذه الأيام حيث تعبر كلمات القصيدة عن ما يحدث للبنان حاليا، وكأن نزار قباني لم يمت وجالس يراقب المدينة التي تكبدت ظلماً وجراحاً ووجعاً، وخداعا، وكتب كلماته، والسؤال من غير نزار قباني يقول وكأنه معنا اليوم: (هل من الممكن أن تطلع بيروت الجميلة مرةً أخرى من الأرض الخراب؟).
إقرأ أيضا : نكشف المحذوف من قصيدة (طوق الياسمين) لـ (نزار قباني والماجدة والساهر)
قصيدة (محاولة تشكيلية لرسم بيروت) التى ظهرت خلال الساعات الماضية تحت إسم (عندما ترجع بيروت) اختارت منها ماجدة الرومي بالاتفاق مع الملحن يحيي الحسن بعض الأبيات، وحذف أبيات أخرى، كما استبدلا كلمة (الحمامة) بكلمة (اليمامة)، في جملة (مثلما ترجع للدار الحمامة)، واستبدلا كلمة (الموج) بكلمة (الحساب) في جملة (يأتي مع الموج كتاب)، وحذفا كلمة (أخضر) في جملة (مرةً أخرى على حبة لوزٍ أخضرٍ)، وتم إضافة كلمة غير موجودة في النص الأصلي وهي (القدر) في جملة (كما أتعبنا هذا القدر) وهذا الأسبوع في باب (محذوفات الأغاني) سننشر القصيدة كاملة، وستجدون الأبيات المحذوفة مكتوبة باللون الأحمر.
عندما ترجع بيروت إلينا بالسلامه
عندما ترجع بيروت التي نعرفها
مثلما ترجع للدار الحمامه
سوف نرمي في مياه البحر أوراق السفر..
وسنستأجر كرسيين في بيت القمر..
وسنقضي الوقت، في زرع المواويل..
وفي زرع الشجر
آه.. يا بيروت كم أتعبنا هذا السفر.
فاغمرينا بمكاتيب المحبين أغمرينا
بتقاسيم العصافير، أغمرينا بمزاريب المطر
عندما ترجع بيروت التي كانت ملاذاً لهوانا.
والتي قد أورقت فيها من الحب يدانا.
مثلما يرجع في الفجر الشراع.
عندما ترجع بيروت..
فهل تأخذني؟ يا صديقي، مرةً أخرى،
إلى سهل البقاع،حيث أغلى حلمٍ عندي
(عروسٌ من لبن)
آه.. كم كان بسيطاً حب ذياك الزمن
آه.. كم كان جميلاً
إن يكون الحب إقليماً صغيراً
من أقاليم الوطن..
هل من الممكن أن تطلع بيروت الجميلة
مرةً أخرى من الأرض الخراب؟
هل من الممكن، أن ينبت قمحٌ
في مياه البحر، أو يأتي مع الموج كتاب؟
هل من الممكن أن نكتب شعراً؟
مرةً أخرى على حبة لوزٍ أخضرٍ
أو على قطن السحاب؟
هل لدينا؟
فرصةٌ أخرى لكي نعشق..
أم أن العيون الخضر صارت مستحيله؟
والعيون السود صارت مستحيله؟
وإذا عاد إلينا (شارع الحمراء)
لوعادت إلينا (الرملة البيضاء)
لو عادت لنا (منقوشة الزعتر).
و(الكورنيش) وعاد لنا (مقهى دبيبو)
والمشاوير الطويله..
لو فرضنا..لو فرضنا..
أن بيروت الجميلة نهضت من موتها ثانيةً
من سيعطينا مفاتيح الطفوله؟
ماجدة الرومي التى تنشر الجمال والاحترام والرقي أينما حلت أو ظهرت، أبدعت في غناء القصيدة، وكانت تغني بوجع وحرقة على بيروتُ الحزينة المكسورة اليوم، تلك التي حين أكملها خالقها صلّى وقبّلها.