روسيا.. روح شرقية راسخة في قلب ووجدان الفن المصري! (2/2)
* أم كلثوم تلغي حفلها فى موسكو حزنا على رحيل عبدالناصر
* دكتور زيفاجو.. فيلم أوصل عمر الشريف إلى العالمية
* دخلت روسيا عام 1972 تجربة الإنتاج المشترك مع مصر وبالتحديد مع شركة المخرج يوسف شاهين من خلال فيلم (لناس والنيل)
* تعتبر رواية (الإخوة كارامازوف) أشهر الأعمال التى قدمت فى السينما المصرية، هذه الراوية التى نشرت عام 1880 قبل وفاة (دوستوفيسكي) بعام واحد وكانت آخر رواياته.
* يعتبر فيلم (مرحبا بالنيل) هو أشهر الأفلام التسجيلية التى كانت ثمرة التعاون بين مصر وروسيا
كتب : أحمد السماحي:
مع انتهاء زيارة الرئيس عبد الفتاح إلى روسيا أول أمس السبت بعد حضوره قمة (أفريقيا – روسيا)، وذلك بهدف دعم وتعميق العلاقات المتميزة والتاريخية بين القارة الأفريقية وروسيا، بالإضافة إلى تعزيز التشاور بين الجانبين حول كيفية التصدي للتحديات المشتركة، وحرص البلدين على تدعيم التعاون بينهما ومواصلة التشاور المكثف حول القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك عادت بى الذكريات إلى الفترة التى توطدت فيها العلاقات بين البلدين فى الخمسينيات والستينيات، وازدادت قوة بتوالى مراحل نضالنا الوطنى من أجل التحرر والاستقلال والتنمية الاقتصادية.
في الحلقة السابقة تحدثنا عن التعاون بين مصر وروسيا، على مستوى الموسيقى وبعض الأفلام التي شهدت تعاونا بين البلدين، وفي هذه الحلقة نستمكل عرض أفلام التعاون المشترك في مجال السينما الروائية والتسجليلة، وكيف شاركت أفلاما مصرية في المهرجانات الروسية.
أم كلثوم تعتذر عن السفر إلى روسيا
شهد عام 1970 استثمارا جيدا في العلاقات بين مصر وروسيا رغم وفاة الرئيس جمال عبدالناصر الصديق المخلص لروسيا، وأثناء ذلك كانت سيدة الغناء العربي أم كلثوم فى موسكو لإحياء مجموعة من الحفلات هناك لصالح المجهود الحربي، لكن هول المفاجأة المحزنة التي أصابتها وهى خارج البلاد جعلتها تعود فورا إلى مصر دون أن تغني للشعب الروسي الذى أقبل على شراء تذاكر حفلاتها قبل الحفل بأسبوع بحب ولهفة لكي يسمع مطربة العرب الكبيرة، خاصة بعد أن أشادت الصحف الروسية بهذه الحفلات التى تدعم العلاقة بين البلدين.
فى عام 1971 وبالتحديد فى الفترة من (25 إلى 31 يناير 1971) أقيم أسبوع للفيلم السوفيتي، حيث عرض فيه مجموعة مهمة من أفلام روسيا وهى (تشايكوفسكي) إخراج (إيجور تالنكين)، و(معركة التحرير) إخراج (يوري أوزروف) الذى زار القاهرة عام 1964 ، و(حتى يوم الاثنين) إخراج (ستانسلاف روستوفيسكي)، و(الذهب) إخراج (دامر فياتيتش) و(مهرجان السيرك) إخراج (إيليا جوتما)، وفى هذه الفترة حضر للقاهرة بطل فيلم (تشايكو فيسكي) الممثل القدير (أنيوكنتي سموكلوفكي) مصاحبا لأسبوع الفيلم برفقة الفنانة الكبيرة (تاتيا ناكونوجوفا) بطلة فيلم (واحد منا)
الناس والنيل بين مصر وروسيا
دخلت روسيا عام 1972 تجربة الإنتاج المشترك مع مصر وبالتحديد مع شركة المخرج يوسف شاهين من خلال فيلم (الناس والنيل)، الذى تم تقديمه كفيلم تسجيلي فى قالب روائي، اختار شاهين أن يجسده قبل تحويل مجرى النيل فى المرحلة الأولى للسد العالي حتى المرحلة التى يصل فيها أول توربين من أجل انشاء محطة الكهرباء، ولعلها أيضا أهم وأخصب مرحلة فى تاريخ بناء السد، وهى استكمال الأنفاق التى دفع فيها الكثير من العمال المصريين حياتهم استشهادا من أجل شقها فى بطن الجبل الرخو أحيانا، والذى كان يسيطر عليهم فيدفنهم أحياءا أو يسجنهم داخله أياما وليالي حتى يتم انقاذهم، إنها مرحلة اختلط فيها العرق بالدم، هى أسطورة النضال المصري من أجل بناء وتحرير الإنسان، الفيلم قام ببطولته (صلاح ذوالفقار، مديحة سالم، سيف عبدالرحمن، فضلا عن مجموعة كبيرة من الفنانيين الروس.
عرض هذا الفيلم ومثل مصر رسميا فى روسيا عبر (مهرجان موسكو السينمائي) الذى كان شعاره (فى سبيل فن سينمائي انساني، فى سبيل السلام والصداقة بين الشعوب) الذى كان يقام كل عامين، ولقى الفيلم استحسان الجماهير السوفيتية التي استقبلته بالتصفيق، وكان من الصعب لفيلم يوسف شاهين أن ينال جائزة من المسابقة نظرا لأنه كان عضوا فى لجنة التحكيم، مما سبب إحراجا له وللجنة، وبالرغم من ذلك نال الفيلم جائزة الصداقة بين الشعوب التى تمنحها رابطة دولية تضم عددا كبيرا من البلدان، وتحدث بعض النقاد عن الفيلم باهتمام بالغ وإشادة.
الإخوة كارامازوف.. من روسيا لمصر
تعتبر رواية (الإخوة كارامازوف) ومصدرها روسيا من أشهر الأعمال التى قدمت فى السينما المصرية، هذه الراوية التى نشرت عام 1880 قبل وفاة (دوستوفيسكي) بعام واحد وكانت آخر رواياته، وقال عنها فى مذكراته (إن أهم ما عالجته هنا هو نفس ما قاسيته بوعي أو بدون وعي طوال حياتي)، وهذا هو السؤال: هل الله موجود أم غير موجود؟!، قدمت السينما المصرية الرواية عام 1974 بعنوان (الإخوة الأعداء) وتأثر الفيلم المصري بالفيلم الأمريكي الذى أخرجه (ريتشارد بروكس)، ومن الواضح لدى مشاهدته أن الممثلين كانوا يضعون دائما أداء ممثلي الفيلم الأمريكي أمام أعينهم، فكلهم يتشنجون من اللحظة الأولى وحتى الأخيرة ويهتفون ويصرخون بل ويرتدون الملابس التى ارتداها ممثلوا الفيلم الأمريكي دون اعتبار اختلاف البيئة وزمن الأحداث، الوحيد الذى نجا من هذا التقليد الفنان محيي اسماعيل.
السينما التسجيلية بين مصر وروسيا
بعد تجربة فيلم (الناس والنيل) كان من المقرر أن يتم إنتاج فيلم عن الشاعر (عمر الخيام)، وجاء وفد روسي من السينما الروسية وعقد أكثر من اجتماع مع رئيس هيئة السينما الأديب (عبدالحميد جوده السحار) الذى صرح بهذا فى أحد كتبه، لكن توتر العلاقة بين البلدين فى هذه الفترة منعت خروج الفيلم للنور، وإذا كانت السينما الروائية لم تستغل فرصة التعاون الروسي جيدا، فقد استغلتها السينما التسجيلة التى قدمت مجموعة كبيرة من الأفلام التسجيلية المشتركة بين البلدين منها فيلم (القدس) الذى قدم عام 1968، إخراج (فلاديمير تاماري)، إنتاج (رابطة الخامس من حزيران)، يصور الفيلم فى 15 دقيقة القدس قبل العدوان وبعد العدوان وأثر ذلك على هذه المدينة المقدسة.
كما قدم عام 1970 فيلمين الأول بعنوان (معرض موسكو الدولي للصناعات) إخراج (ماتيريال روسي)، مونتاج حسن رضا، مدة العرض 10 دقائق، وهو مادة فيلمية مدتها 10 دقائق عن الجناح المصري بمعرض موسكو الدولي للصناعات، والفيلم الثاني لنفس المخرج بعنوان (معرض موسكو الدولي للأزياء) عن الأزياء المصرية والعارضات فى المعرض الدولي للازياء فى موسكو.
100 عام على مولد لينين
فور وفاة الزعيم جمال عبدالناصر قدم المخرج فؤاد التهامي مظاهر الحزن على وفاة الرئيس فى روسيا، سواء من الروسيين أو العرب والمصريين المقيمين فى روسيا، من خلال فيلمه (الوداع فى موسكو)، تصوير أحمد عبدالفتاح وجنادي ساكنيف، مونتاج عادل منير، وفي عام 1970 كان هو عام الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد الزعيم السوفيتي (لينين) قائد أول ثورة اشتراكية فى التاريخ ثورة روسيا عام 1917 ، وبهذه المناسبة أقيم أسبوع الفيلم السوفيتي بمناسبة مرور 100 عام على مولد لينين من 20 إلى 26 أبريل 1970 بسينما أوبرا بالقاهرة، وعرض فيه مجموعة من الأفلام التى تتحدث عنه، وهى (لينين فى أكتوبر) إخراج ميخائيل روم، (قلب أم) إخراج (مارك دونسكوي)، و(لينين فى عام 1918) إخراج (ميخائيل روم)، و(لينين فى بولندا) إخراج (سيرجي يوتكيفييتش)، و(قصص عن لينين) إخراج (سيرجي يومكييفييتش)، و(إخلاص أم) إخراج (مارك دونسكوي)، و(6 يوليو) إخراج (يولي كاراسيك)، كما عرضت مجموعة من الأفلام القصيرة هى (يوم خالد، كنا نتمشى مع ايليتش، وقفة أكتوبر، موسكو إلى الرفيق لينين).
روسيا متطورة فى الرسوم المتحركة
تعتبر روسيا متطورة جدا فى الرسوم المتحركة، وقد انعكس ذلك فى السينما التسجيلية، حيث قدم المخرج (فلاديمير ليخكي) فيلمين الأول (انتبه)، تصوير محمود عبدالسميع، وهو فيلم قصير جدا رسوم متحركة ومدته ثلاث دقائق، إنتاج الوكالة العربية للسينما يصور مشكلة اللاجئين الفلسطنيين، عن طريق مسرح القفاز مستخدما الأيدي كرموز للاجئين فى مختلف حياتهم، وذلك من خلال قطعة حجر تتقاذفها أيادي ترتدي قفازات ملونة، وتلقى كل يد المشكلة على الأخرى، وتدخل يد واقعية بلا قفاز وتنظر إلى المشكلة ونرى صورة للأطفال والخيام وتنزل كلمة (انتبه) بعدة لغات.
كما قدم نفس المخرج فيلمه (الحد) ويعالج مفهوم الحرية وذلك من خلال كائنين لهما شكل الطائر والإنسان، أحدهما يتفوق على الأخر فى القفز، فيضع الآخر قفصا على زميله ليحد من تفوقه فإذا بقفص كبير يغطي الاثنين، فتحد الكائنان معا لإزالة القفص فيتحرران ويقفزان معا من جديد.
ثمرة التعاون بين مصر وروسيا
يعتبر فيلم (مرحبا بالنيل) هو أشهر الأفلام التسجيلية التى كانت ثمرة التعاون بين مصر وروسيا، والذى تولى إخراجه رائد الأفلام التسجيلية صلاح التهامي، والمخرج السوفيتي (ليف دانيلوف)، ويصور الفيلم رحلة النيل من منابعه حتى يصل إلى البحر ويفقد جزءا من مياهه، مع عرض للحضارة التى قامت على شاطئيه والمشروعات الكبيرة مثل السد العالي، ويقدم الفيلم صورة التعاون المصري الروسي فى بناء السد العالي مع عرض لكفاح مصر السياسي منذ قيام ثورة 1952 وانتصاره فى بورسعيد وتمكنه فى النهاية من بناء السد.
الفيلم سيناريو (فؤاد التهامي، فيجورفسكي)، تصوير (حسن التلمساني، جورجي زيمستوف، عماد فريد، سيرجي ميدنسكي)، مدة العرض 50 دقيقة، إنتاج المؤسسة المصرية العامة للسينما بالتعاون مع الاستديو المركزي للأفلام التسجيلية بموسكو.
(الشياطين) و(سونيا والجنون)
تعود السينما المصرية مرة أخرى للأدب الروسي وتقدم عام 1977 فيلمين للأديب دوستوفيسكي، الأول (سونيا والمجنون)، والثاني (الشياطين)، وهو الفيلم الوحيد للرواية في السينما المصرية جاء بالاسم ذاته، أعده وكتب له السيناريو والحوار الأديب (محمود دياب) فى تجربة لم تتكرر كثيرا فى السينما المصرية، وقام ببطولته (حسين فهمي، نور الشريف، محمود عبدالعزيز، محيي إسماعيل، نورا، حياة قنديل)، وفي عام 1985 تلجأ السينما المصرية إلى رواية أخرى من تأليف (دوستوفيسكي) الذي نال نصيب الأسد على الشاشة المصرية، وتقدم له (الأبله) دون أن يذكر ذلك المخرج الراحل مدحت السباعي، الذى كتب على تترات فيلم (الجريح) كتبه وأخرجه مدحت السباعي، وبطولة (فريد شوقي، محمد صبحي، محيي إسماعيل، ليلى علوي)، وفيه يعود البطل إلى الوطن بعد رحلة العلاج من الصرع بلا أموال ليجد أن والده باع كل ممتلكاته، ومع الوقت يكتشف أنها مكيدة دبرها أحد الطماعين ويبدأ مشواره ضدهم، فيتزوج من حبيبته لكن الدنيا بالطبع لا ترحم طيبته.
عمر الشريف ودكتور زيفاجو
ونحن نتحدث عن الأدب الروسي والفن لايمكن أن ننسى أن رواية (دكتور زيفاجو) للأديب (بوريس باسترناك) التى أوصلت نجمنا المصري عمر الشريف إلى العالمية وجعلته مطلب لشركات الإنتاج العالمية بعد نجاحه الكبير في تجسيد شخصية دكتور زيفاجو.
وبعد كل ذلك التعاون الثقافي والفني بين مصر وروسيا، هل يعود الإنتاج المصري الروسي فى الفن خلال الفترة المقبلة كما كان فى الستينات والسبعينات؟.. سؤال تكمن إجابته فى يد المسئولين من البلدين، خاصة في ظل نمو علاقات التعاون السياسي والعسكري حاليا.