تحية كاريوكا تجري حوارا صحفيا جريئا مع جليل البنداري !
* كتبت ” سوق على مهلك” لشادية في رثاء مذيع مشهور
* أحيانا استعمل المشرط لكي أحلل عملا فنيا
* لا أطيق منظر رجل يغني حتى لو كان عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ
* أكتب النقد من خلال الأخبار والتحقيقات التى أكتبها
* عبدالوهاب بلغ ذروة الدراما فى لحنه لقصيدة “لاتكذبي” لكامل الشناوي
إعداد : أحمد السماحي
طلب الكاتب الصحفي “أنيس منصور” رئيس تحرير مجلة “الجيل” عام 1961 من الفنانة تحية كاريوكا أن تعتزل الرقص يوما واحدا وتخلع بدلة الرقص، وتترك الصاجات وتلبس فستان شيك، وتمسك الورقة والقلم وتضع النظارة على عينيها، وتجري حديثا صحفيا للمجلة مع زميلها الكاتب المشاكس والشاعر اللامع “جليل البنداري”، واشترطت ” كاريوكا” على “منصور” أن ينشر الحوار دون حذف كلمة واحدة، وينشره كما كتبته، ورسمت اللقاء الرسامة – آنذاك – “سناء البيسي”، حيث وجد ” البنداري” أن شلفطتات “البيسي” أحسن من أن يرى الناس صورته، وقال لسناء البيسي هذه أحسن صورة “فوتوغرافية” التقطت لي، أرجو أن تستخرجي منها دستتين لأوزعها على المعجبات، وإليكم نص حوار تحية لجليل البنداري …
تحية :كم يبلغ عمرك؟
جليل : عشرين سنة
تحية بتهكم : ميلادية ولا هجرية !
جليل : 20 سنة نقد
تحية : تقصد 20 سنة طولة لسان!
جليل : ده بعض ما عندكم!
تحية : اخرس
جليل : إذا كنت ستمثلين دور الصحفية فيجب مراعاة الأدب فى الحديث.
تحية : لكن هذا لا يمنع أن أبدي رأيي فيك بصراحة
جليل : وأنا أيضا
تحية : اتفقنا
………………………………….
تحية : حدثني عن حالتك الإجتماعية؟
جليل : هذا تدخل في حياتي الخاصة
تحية : طب ما أنت تتدخل في حياتنا
جليل : أحيانا عندما تؤثر تصرفات النجوم على انتاجهم الفني
تحية : هذا ليس من شأنك كناقد وصحفي؟
جليل : بل من شأني
تحية : هل من شأنك تجرح شعور الآخرين؟
جليل : أنا لا أجرح شعور الناس، ولكن الطبيب إذا أراد أن يعالج إنسانا فإنه يطلب أن يحلل دمه، وأنا أحيانا استعمل المشرط لكي أحلل عملا فنيا.
تحية : من الذي يقرك على هذه النظرية؟
جليل : هذه ليست نظرية، إنها مبدأ معروف فالفنان الذي يعرض عمله وانتاجه على الجمهور، يصبح فى حوزة الجمهور، ويصبح أيضا من حق النقاد والجمهور أن ينتقدوا أعماله وتصرفاته، وأنا حين أقول أن “تحية كاريوكا” تجيد “هز البطن”، فلا يعتبر هذا الكلام قذفا أو سبا، بل يعتبره القانون مدحا، لأن المعروف عن تحية أنها راقصة وتحترف “هز البطن”، أما إذا تكلمت عن سيدة أخرى غير الفنانات وقلت انها تجيد الرقص، فإن القانون يعتبر هذا سبا وقذفا، ويصبح من حقها أن تقاضيني.
تحية : هذا المبدأ لم تأخذ به المحاكم؟
جليل : بل أخذت به المحاكم، وآخر قضية كسبها “عبدالوهاب واحسان عبدالقدوس وصلاح عبدالصبور من محمد البحر” ابن المرحوم “سيد درويش” عندما تعرضوا له، وقالوا أنه كان يتعاطى المكيفات.
تحية : وما دخل هذا في فن “سيد درويش”؟
جليل : كل المؤرخين والباحثين الذين تناولوا حياة وفن سيد درويش بالدراسة لم يغفلوا تصرفاته الخاصة.
………………………………….
تحية : ولماذا تمتنع عن الحديث فى حياتك الخاصة؟
جليل : أنا مش نجم
تحية : أنت صحفي
جليل : لكن حياتي الخاصة لا تهم الناس
تحية : أنا غير مقتنعة
جليل : لأنك غبية!
تحية : وأنت أغبى لأنك لم تستطع أن تقنعني بوجهة نظرك
جليل : من غير أباحة!
تحية : طب فهمني وجهة نظرك
جليل : الفرق بيني وبينك إنك نجمة وصورتك دائما أمام الناس، أما أنا فأكتب من وراء الكواليس، أنت تلتقين بالناس وجها لوجه، أما أنا فلا ألتقي بهم إلا عندما أخلو مع القلم والورق.
تحية : ولكنك كاتب مشهور ومن حق الجمهور أن يعرف كل شيئ عن حياتك الخاصة؟
جليل : من قال لك أني مشهور؟
تحية : على الأقل مشهور بقلة الحيا مش أنت جليل الأدب؟
فضحك جليل وقال : أنا ” أبيح” ولست قليل الأدب أو قليل الحيا
تحية : ما الفرق بين الأباحة وقلة الحيا؟
جليل : الأبيح لا يضر الغير، أما قليل الحيا فيضر الغير ويؤذي المجتمع!
تحية : ما الذي جعلك تشتغل ناقدا سينمائيا؟
جليل : أنا بدأت حياتي كاتب قصة
تحية بسخرية : عاوز تقول أنك بدأت حياتك أديب؟
جليل : على كل حال أنت عرفتني من قلمي
تحية : وأنت عرفتني منين؟
جليل : من الصاجات وهز البطن
………………………………….
تحية : لو لم تشتغل صحفيا كنت تتمنى تكون ايه؟
جليل : جراح بيطري
تحية : اشمعنى؟!
جليل : علشان أخفف آلام الطيور والحيوانات الخرساء
تحية : ماهو الحيوان الذي تشعر بعاطفه نحوه؟
جليل : القرد
تحية : لماذا؟
جليل : لأن كلانا رسالته الترفيه عن الناس
تحية : هذا صحيح لأن وجودك أكبر دليل على صحة نظرية داروين
جليل : وأنت تعرفين داروين منين؟
تحية : من الكتب يا “جليل الأدب”
جليل : ومن الذي علمك القراءة والكتابة؟
تحية : النقاد!!
تحية : ليه بطلت تكتب أغاني؟
جليل : الحياة في الغنوة ألذ من كتابتها
تحية : معنى كده أنك بتحب؟
جليل : طبعا طول ما انتي ما تبطليش شهرة ورقص أنا مش ح أبطل حب
………………………………….
تحية : ماهي الأغنية التى كتبتها من قلبك؟
جليل : كل أغنية كتبتها لها عندي ذكريات ولها قصة
تحية : زي ايه
جليل : زي أغنية ” سوق على مهلك” لشادية، كتبتها في يوم وفاة المذيع المشهور “عبدالوهاب يوسف” وكان صديقي جدا، فجاء جزء كبير منها رثاء في ” عبدالوهاب يوسف”.
تحية : أي جزء؟
جليل : الجزء الذى أقول فيه :
على ايه تجري كفاية علينا
العمر بيجري من حوالينا
كان في عينينا وملو ايدينا
وبعد دقيقة مش فى ايدينا
تحية : أيهما أهم الكلمات أم النغم؟
جليل : الكلمات
تحية : هذه مسألة يختلفون عليها
جليل : لا خلاف ولا حاجة، الفكرة والكلمة إذا سبقتا اللحن أصبحتا هما الأصل، وما يقال فى الكلمة يقال في النغمة.
تحية : من أحسن مطرب؟
جليل : أنا لا استمع إلى المطربين الرجال !
تحية : لماذا؟
جليل : لأنني لا أطيق منظر رجل يغني
تحية : حتى لو كان عبدالوهاب؟
جليل : حتى عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ.
………………………………….
تحية : هل رأيت فيلم ” وإسلاماه”؟
جليل : طبعا
تحية : ما رأيك فيه؟
جليل : يذكرني بالسائخ الأمريكي الذى يتباهي بالطربوش فى شوارع القاهرة
تحية : أريد أن أعرف رأيك فيه كناقد ؟
جليل : هذا الفيلم علمني أشياء كثيرة وأرجو أن يكون منتجه “رمسيس نجيب” قد استفاد من هذه التجربة أيضا، فالفيلم من حيث الشكل مقبول ورائع، أما من حيث الموضوع فقد كان ينبغي أن يتولي كتابة السيناريو، كاتب عربي يحس بإحساس الشعب فى هذه الفترة من عمر مصر، فالكاتب الأمريكي “روبرت أندروز” لم يحاول أن يصور لنا لقطة واحدة فى بيت من بيوت الشعب، واقتصر على استعراض المواقف التاريخية من خلال القصور وعرش شجرة الدر، لكن ما رأي المصريين فى هؤلاء المماليك؟ والسؤال ما الذى يهمني كمشاهد من اعتلاء المملوك عرش مصر، لقد خرجت من هذا الفيلم أن فكرة الإستعانة بكاتب أمريكي هى فكرة خاطئة مائة فى المائة، فكاتب السيناريو هو خالق وباعث الحياة في القصة، ولقد رأيت “روبرت أندروز” يقيم فى أثناء كتابة هذا السيناريو فى “هيلتون”، ولو خرج إلى الشوارع ودخل بيوت الناس لدراسة طباع وأخلاف وخفة دم المصريين لأعاد كتابة السيناريو من جديد، ورغم كل هذا فإن الفيلم يعتبر نقطة تحول فى السينما العربية، فاني لم أري فيلما بهذه الروعة من قبل.
تحية : من أحسن نجوم هذا الفيلم؟
جليل : كلكم كنتم على مستوى رفيع ما عدا واحدا
تحية : من هو ؟
جليل : أحمد مظهر
تحية : ما رأيك فى تمثيلي لدور ” شجرة الدر”؟
جليل : أنت راقصة عظيمة !!
تحية : يا ” جليل الأدب” أنا بسألك عن دوري كممثلة؟
جليل : وممثلة عظيمة أيضا
………………………………….
تحية : من أحسن ناقد؟
جليل : كمال الملاخ
تحية : لماذا؟
جليل : لأنه كتب فى سنة 1954 نقدا اكتشف فيه خطأ تاريخيا وقع فيه جميع كبار المثالين والرسامين الذين رسموا “آدم وحواء” من قديم الزمان إلى اليوم.
تحية : ماهو الخطأ الذي اكتشفه؟
جليل : قال انهم جميعا رسموا “آدم وحواء” بسرة، والمفروض أن يكون “آدم” قد خلق بدون سرة، وكذلك حواء التى خلقت من ضلوعه، وهكذا وقعوا جميعا فى هذا الخطأ التاريخي الذى لم يلتفت اليه ناقد من قبل كمال الملاخ.
تحية : ما أهم نقد كتبته هذا العام؟
جليل : أنا أكتب النقد من خلال الأخبار والتحقيقات التى أكتبها.
تحية : ليه ؟
جليل : علشان يقروه
تحية : وما أهم خبر؟
جليل : خبر انتهاء عبدالوهاب من تلحين أول أغنية لأم كلثوم
تحية : لماذا تهتم بالخبر أكثر من النقد؟
جليل : الأخبار معلومات يستفيد منها القارئ، أما النقد فهو رأي قد يكون مفيدا، ولكن من المؤكد أنه لا يستفيد منه أحد، والناقد المحترف تجده دائما يصف كل عمل فني بأنه ردئ وفاشل، وهو يخشى أن يصف أي عمل بأنه جيد وناجح حتى لا يتهم بالإعلان، وهذه هى عقدة النقاد المحترفين.
تحية : ما اتفه نقد قرأته؟
جليل : النقد الذى كتبه صديقي “عبدالفتاح البارودي” لأغنية عبدالوهاب الجديدة “لا تكذبي” فقد تساءل فى نقده نفس السؤال التقليدي الذي يقوله فى كل نقد أين أرسطو؟ أو أين المجال الدرامي فى هذه الأغنية؟، والمعروف أن عبدالوهاب بلغ ذروة الدراما فى لحنه لقصيدة “كامل الشناوي” المشهورة عندما وصل إلى هذين البيتين :
فرأيت انك كنت لي قيدا
حرصت العمر إلا أكسره فكسرته
ورأيت أنك كنت لي ذنبا
سألت الله ألا يغفره فغفرته
………………………………….
تحية : أي مهنة تختارها لاولادك، الصحافة أو الفن؟
جليل : سأترك لهم حرية الإختيار
تحية : لو كانت لك ابنة ممثلة هل كنت تكتب عن حياتها الخاصة؟
جليل : ما دمت قد سمحت لنفسها بالتمثيل، فمن حقي أن أكتب عنها
تحية : وإذا تصرفت تصرفا يسئ إليك؟
جليل : فى هذه الحالة أكتب قصة حياتها بالرصاص، وليس بالقلم الرصاص.
مجلة الجيل العدد ” 514″ الصادر 30 / 10 / 1961