بقلم: محمد شمروخ
لا أعرف إلى من أو إلى ماذا تشير هذه الجملة جمهور السوشيال ميديا، فهل هناك جماعات على صلة ما ببعضها البعض تتواطأ فيما بينها لاتخاذ موقف موحد مع أو ضد قضية أو ظاهرة أو حدث؟!
فماذا يعنى مثلا أن جمهور السوشيال ميديا يرى أو يقول؟!
أتراه هو الضمير الجمعى المعبر عن مواقف واذواق الناس؟!.
أم أنه المدعى العام الأخلاقي المكلف بالحفاظ على قيم وثوابت المجتمع ويحمى أمنه مما يهدده ويحافظ على أجوائه من التلوث؟!.
إقرأ أيضا : رواد السوشيال ميديا يفضحون (سوق الكانتو) ويتهمونه بالسرقة من مسلسل (Peaky Blinders)
هذه الأسئلة تتوارد كثيرا على ذهنى حيال كل مشكلة تثار على مواقع السوشيال ميديا على شبكة الإنترنت، لكنى أخرج بنتيجة تشير إلى أن ما يكتب من بوستات وتويتات هو من وحي انفعالات لحظية ما تلبث أن تتبخر مع فتور الحدث بمرور وقت لا يشترط أن يكون بالطويل، أو بوقوع حدث آخر يلفت الانتباه.
ولكن العجيب أحيانا أنه لا يشترط وقوع أمر جديد، إذ قد يستدعي ما يسمى بجمهور السوشيال ميديا من التاريخ، واقعة ما ثم يثير حولها أحاديث الثرثرة التى غالباً ما تختلط بالشوائب العالقة المعتادة من تزوير أو تحوير ببث معلومات مغلوطة عمداً أو من غير عمد، إذ أن (الثرثرة السوشيالميدية) لا تقف كثيرا تحت وطأة شهوة الجدل أمام الفروق ما بين الكذب والحقيقة والأوهام والوقائع.
وخلال الأسبوع الماضي مثلاً اشتعلت حسابات السوشيال ميديا وهبت كرياح موسمية محملة بأتربة السخرية على فيلم (رد قلبى)!
فمن خلال بوستات وتعليقات السوشيال ميديا ، يبدو أن هناك هجوماً شنيعا على تجربة يوليو بالتحسر على أيام الملكية السعيدة أيام كان الدولار بريال والجنيه بسبعة وتسعين قرش ونص، وقت ما كانت الموضة تنزل القاهرة قبل باريس، وكانت بريطانيا مدينة لمصر بمليون أسترليني!
وتتردد الجملة الملازمة لنهاية الفيلم (آه لو كان البرنس علاء نشن ع الضابط على ابن الجنايني ونشه برصاصة من مسدسه).
ولم يقف الأمر عند هذا، بل تجاوز السخرية على السوشيال ميديا إلى مناقشات جدية بالاعتراض الحانق على طرح فكرة زواج على ابن الجنايني من إنجى بنت البرنس، كذلك عبد الواحد الجانينى الذي كان يعيش في بيت كبير في أرض البرنس وتمكن من تعليم ابنيه وتربية ابنة اخت زوجته من خير البرنس، وأيضاً لما أهدى على وردة إلى إنجى، اقتطفها من جنينة أبيها.
إقرأ أيضا : خصوصيات الفنانات ومعارك السوشيال ميديا
لكن لم أعبأ بسخرية السوشيال ميديا حتى لو كانت مكررة وسخيفة، بيد أن المزعج حقا هو نسب كل شر إلى ما بعد يوليو 1952، في الوقت الذي يتم فيه الترويج للفترة السابقة لذلك التاريخ، بأنها فترة وردية في عمر مصر.
هؤلاء ينسون حقائق لا يمكن إنكارها سبق ان كتبت عنها مجملا في السطور التالية:
23 يوليو.. صحيح ولكن؟!
صحيح الموضة كانت بتنزل في القاهرة قبل ما تنزل باريس، ولكن 99% من المصريين كانوا حفيانين!
صحيح مصر كانت مداينة بريطانيا بمليون إسترليني، ولكن أهيف جندي بريطاني كان أقوى من وزير الحربية المصري!
صحيح الجنيه الدهب كان بـ97 قرشا، ولكن أغنى فلاح مصري يادوب يتعشى مش!
صحيح مصر كانت بتحكم السودان، ولكن السفير البريطاني كان يحكم البلدين!
صحيح كانت الجامعات العالمية تحتفي بالطالب خريج الجامعة المصرية، ولكن 99.999 من المصريين كانوا لا يعرفون الألف من كوز الذرة!
صحيح اليابان بدأت معانا، ولكن 99.999% من المصريين لا يعرفون أين تقع اليابان!
صحيح كانت الأخلاق أفضل من الآن، ولكن الدعارة كانت مرخصة في كل أنحاء مصر والبلطجية يحمون العاهرات علنا!
صحيح اللحمة كانت رخيصة، ولكن 99% من المصريين لا يأكلون اللحم إلا في العيد!
صحيح وسط القاهرة كانت كالعواصم الأوربية، لكن كانت أرقى الأحياء الشعبية والقرى هي التى فيها حنفية عمومية!”.
سخرية السوشيال ميديا
وما أرى سخرية السوشيال ميديا من على ابن الجناينى إلا تعبيرا عن عقد النقص عند كثيرين ممن يقسمون الناس إلى درجات إنسانية بسبب طبيعة أعمالهم وهى لعمرك ثقافة فاسدة، فالمجتمع الصالح لا يقيس قيمة الإنسان بطبيعة عمله، مادام عملا شريفا لا يفسد به في الأرض ولا يتطاول به على بقية خلق الله.
فالريس عبد الواحد الجناينى لم يكن لصا ولا حاكما مستبدا وأجداده سبقوا آباء البرنس والد إنحي، إلى هذه الأرض الطيبة.
إقرأ أيضا : سفهاء السوشيال ميديا ومشايخ الغفلة يتصارعون لتبرئة قاتل (نيرة) !
ومهما كان من نجاح جدهم الأعلى محمد علي باشا، إلا أنه رغم الإقرار بعبقريته في تأسيس مصر الحديثة والخروج بها من تحت ركام هائل من التخلف الحضاري وإعادتها كقوة إقليمية لها وجودها المؤثر في المنطقة، إلا أنه لم يستطع هو وابناؤه الحفاظ على ما تحقق، كذلك لا مفر من إنكار أنه قام بدون أى وجه حق، بتوزيع الأراضي المصرية على خاصته من عائلته وكبار رجال دولته الذين لم بكن من بينهم مصري واحد، بل طارد زعماء المصريين.
ولعلنا نعرف ما فعله في المؤرخ العظيم عبد الرحمن الجبرتي ونفيه للشيخ عمر مكرم، هذا مع ضرورة الإذعان بأنه كائن دموى مخادع عديم المروءة إزاء ما وقع منه في مذبحة القلعة الشهيرة، حتى حروبه ضد الوهابيين، لم تكن إلا صفقة بينه وبين السلطان العثماني مع استشعار خطر الدعوة التى سعت للسيطرة على الحجاز الذي يستمد منه خليفة إسطنبول شرعيته كحامى حمى مقدسات المسلمين.
محمد على وجمهور السوشيال ميديا
وأقول لجمهور السوشيال ميديا: محمد على كان يحتقر المصريين ولم يلجأ لتعليمهم إلا اضطرارا، لأنه لن يستطيع استيراد شعب بشروطه الخاصة، حتى عندما أنشأ الجيش المصري، منع المصريين من الترقية إلى رتب الضباط.، ومحمد على قضى في مصر ما يقرب من نصف القرن، لم يبذل فيها جهدا ليتعلم اللغة العربية التى يتخاطب بها كل الشعب المصري!.. فهؤلاء المفتونون بمحمد على لهم أن يقولوا فيه ما شاؤوا، لكن افتتانهم لن يغير من احتقاره لآبائهم وأجدادهم شيئا!.
لكنها أخلاقيات الاستعباد، عندما يقتنع الذليل بحق الذي أذله في إذلاله، ولا ننكر أن هناك أخطاء وصلت إلى الجرائم بل والكوارث وقعت من ثوار يوليو، لكن لا يمكن حيال ذلك أن نمجد نسل رجل اغتصب حقوق أهل مصر، حتى الليبرالية التى يوهمون أن مصر مرت بها، فبصرف النظر عن خروق الليبرالية النظرية والتطبيقية وخداعها للشعوب بوهم المجتمع الحر المفتوح للجميع، إلا أن هذه الفترة لم يستطع المصريون اختيار حزب الأغلبية الكاسحة للحكم، إلا سبع سنوات فقط موزعة على 29 سنة ما بين صدور دستور 1923 وحتى قيام ثورة يوليو.
أول وزارة شعبية منتخبة من صميم الشعب ترأسها سعد زغلول، لم يتحملها الملك فؤاد أكثر من بضعة شهور، وكان ابنه فاروق بالمرصاد لخليفته النحاس باشا ما بين الإقالة أو الإجبار على الاستقالة، فأي ديمقراطية وأي ليبرالية تلك التى تلغى الدستور وتعطل البرلمان وتزور الانتخابات.
يا جمعهور السوشيال ميديا: قل في على ابن الجناينى ما يحلو لك، لن أجادلك كثيرا، لكن ليس من حقك أن تحقر من شأنه أو شأن أبيه ، فأى شريعة تلك التي ترفض زواج بنت الأمير من ابن الجناينى، سوى شريعة التمييز والعنصرية والطبقية القائمة على نهب ثروات الشعوب والاستكبار عليها بما جنت من خيرها!
إياك أن أسمع ذلك التبرير البغيض بما يسمونه الكفاءة أو الدرجات، فأنت إذن لم تقرأ ولم يشرح لك أحد ما هى معانى ودلالات الكفاءة والدرجات في الشريعة الإسلامية، أنت إذن تهرف بما لا تعرف!، لكنها ثقافة التمييز والتعالي على البشر التى تحاول خنق الحقائق وتحريف الشرائع.
وفي النهاية أريد أن أنبه إلى خطأ شائع يتناوله البعض من جمهور السوشيال ميديا باعتبار أن ثورة يوليو ممتدة في الأنظمة الحاكمة لما بعدها وهذا تمام الخطلان واكتمال البطلان!، فلا يمكن وضع سياسات جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك، تحت تصنيف واحد، بل إن جمال عبد الناصر نفسه كان في الخمسينات غيره في الستينات وغيره في النكسة وغيره ما بعد النكسة!.
لقد سخر البعض من على عبد الواحد عندما اقتطف وردة من جنينة البرنس ليهديها لحبيبته إنجى، لكنهم نسوا أن الوردة زرعها أبوه في أرض أجداده ولن يغير انتماء الأرض لأصحابها أن اغتصبها يوماً آباء البرنس!.