بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
يواصل بنا قطار المكاشفة الرحلة.. قاطعا محطات سينما الخيال والخيال العلمى في دول الخيال.. للأسف غير مسموح لنا حتى الآن بركوب هذا القطار سوى في عربات البضائع الخلفية.. بأسمالنا البالية المتربة.. جلوسا على أرض تتناثر عليها فضلات البضائع.. وقد تفضل علينا بتلك الرحلة الركاب في الأمام والجالسين بثقة في مقاعد وثيرة مكيفة.. وكلما تقدمنا محطة وشاهدنا ما يحيط بها من عمران الخيال أدركنا كم هى الأرض التي قدمنا منها جافة الخيال.. متشققة باليبس.. وأنها صالحة فقط لعيش ثعابين الجمود وآفات التخلف الحضارى حتى حين.
ولنطل الان برؤوس متردد واعين مسترقة من داخل عربة الشحن على ثلاث محطات سينمائية متتابعة.. مجترين في أفواهنا المرارة وفي عقولنا الحسرة.
فيلم (السماء تمطر هامبورجر)
وقصة الفيلم للكاتب المتخصص (جودى باديت)، وهنا نتابع كيف يتمكن الخيال من خلال فكرة بسيطة أن يسيطر على أفكارك وأحاسيسك، وأن يجعل من مقعدك أمام الشاشة مقعدا في مركبة تطير بك إلى عالم آخر.
في جزيرة السردين.. حيث يعشق أهلها أكل السردين بكل أشكاله مشويا ومقليا ومغطى بالصلصلة في صينية.. يجف البحر فجأة.. ليجد (فيال) وهو أحد الشباب المبتكرين في الجزيرة فرصته.. فقد ابتكر بمساعدة أبيه آلة انتجت شريحة عملاقة من الهامبورجر، وحينما أراد أن يقدمها أمام سكان الجزيرة كان اليوم غائما.. وفي ذات اللحظة التي انطلقت فيها شرارة التشغيل للماكينة أرعدت السماء واتصل البرق بالشرار، والتحمت السحب ليبدأ انهمار المطر.. وكان المطر هذه المرة شطائرا من الهامبورجر ملأت أركان المدينة.. تلقف الناس شطائر الهامبورجر في نهم لفترة طويلة حتى أنهم عافوها بعد ذلك.. وقد أدرك (فيال) ذلك فطور من ماكينته حتى أصبح المطر مصحوبا بفطائر بيتزا بالبيض.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: فقر الخيال أم خيال الفقر في الدراما المصرية (2)
وعندما اكتشف سر التغيير أصبح في كل يوم يقدم أطعمة جديدة متنوعة.. بالإضافة إلى الأصناف المختلفة من الحلويات والمشروبات.. حتى أصبحت شوارع المدينة كمقالب القمامة بأكوام بقايا الطعام المختلفة.. وبمزيد من تطوير (فيال) لماكينته بدأت أمطار كرات الآيس كريم تنهمر على المدينة.. بدأ الأطفال في أكلها.. وباستمرار انهمار أمطار كرات الآيس كريم أصبحوا يتزلجون عليها من مسطحات بالشوكولاتة إلى مسطحات بالمكسرات والفانيليا.. ومع التهام سكان الجزيرة للمأكولات أصبحوا ضخاما.. متدلى الكروش.. يطلبون المزيد من الطعام.. ليتساقط مطر المكرونة وتغرق الشوارع والميادين وأوجه المحلات والبيوت بكميات هائلة منها.. ولتتلطخ جميعها بالصلصلة التي كانت مفصولة عن المكرونة.. ظن (فيال) أن بالماكينة عيبا حاول إصلاحه ليقع في خطأ أكبر على أثره تصير حجم المأكولات عملاقة.. فالكعكة الواحدة تبلغ في قطرها برج إيفل.. والشطيرة الواحدة تهدم أي بيت تسقط فوقه.. وتنهال الأطعمة شلالا عظيما مدمرا يغرق تحت ثقيلة بعضا من أهالي المدينة بينما هو يدفع البيوت تحت ثقلها ويسقطها في البحر الذى بدأت المياه تعود إليه.. في النهاية وبمساعدة والده وبعض الشخصيات الأخرى ينجح (فيال) في إيقاف أمطار الطعام.. ويعود أهل الجزيرة إلى أكل السردين.. وتعود الحياة الطبيعية المبهجة إلى الجزيرة مرة أخرى..
صدمات ذهنية متتالية.. سواء برؤية مالا نتوقعه من كميات وأحجام ومصدر الطعام.. أو بالصور المتوالية أمامك لتكسر حدود المنطق التي تسجن العقل.. أو من فلسفة طبيعة حياة الانسان وحصوله على الطعام.. لذا ينتهى الفيلم وقد تغير بداخلك شيء ما.. ولم تعد بعد الفيلم كما كنت قبله.
فيلم (تقليص الحجم – downsizing)
والفيلم صافرة إنذار عن ظاهرة الاحتباس الحراري.. قد تبدو الفكرة جافة.. وهنا يأتي الخيال الساحر بعصاه ليعالج هذا الجفاف.. ويحوله إلى فيلم غاية في الإثارة والتشويق ورج الذهن البشرى بعنف..
داخل معمل أبحاث في النرويج يصل (د. يورجن) إلى طريقة تصغير حجم الخلية البشرية 2000 مرة.. ونفاجأ في إحدى المؤتمرات العلمية الدولية بعالم صديق (د. يورجن) يتحدث على المنصة عن مخاطر الاحتباس الحرارى وأثر ذلك على نقص الطعام امام البشر.. بينما هو يتحدث كانت أمامه علبة مغلقة فتحها لنفاجا بداخلها بدكتور (يوجن) واقفا في كامل أناقته وقد أصبح طوله 10 سنتيمترات، ويكشف للحضور عن اكتشافه وعن مستعمرته الجديدة التي يسكن فيها من تطوعوا وصغر حجمهم بالفعل، ويدخل إلى المنصة منضدة صغيرة بعجلات يدفعها شخص بينما على سطحها 36 رجل وامرأة وطفل من سكان المستعمرة يلوحون بسعادة للجمهور مع دعوتهم للحاق بهم في المستعمرة.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب : الخيال .. هو أفق الأمة في الدراما المصرية !
يجتاح الخبر الميديا.. وعبر الخيال يزداد المتقدمين في تسارع رهيب حتى أصبح في المستعمرة 3% من سكان الأرض.. فنى العلاج الطبيعى (يون) وزوجته يفكران في خوض التجربة، وزادت قناعتهم بخوضها عندما التقوا مع أصدقاء المدرسة الثانوية ليجدوا من بينهم صديق وصديقة تزوجا وقدما من المستعمرة بحجمهما الجديد.. ليحدثوهم بسعادة عن الثراء الذى أصبحوا فيه بعد معاناة سابقة من المصاريف.. فقطعة بسكويت واحده تكفيهم الآن لأيام.. وجرام دهب واحد بـ 70 دولارا غطى بالمشغولات الذهبية ذراع زوجته وصدرها، بل و500 دولار فقط كانت كافية لأن يبنى لنفسه قصرا صغيرا كلعبة.. قصرا فخما بكامل تفاصيل الرفاهية.. وأن الـ 3% من سكان الأرض وهم عشرات الملايين بأحجامهم المتناهية الصغر أصبحوا لا يستهلكون استهلاك سكان مدينة صغيرة.
هنا يقرر (يون) وزوجته التقدم لإجراء عملية التقليص على جناح الخيال للتخلص من المصاريف.. يدخل (يون) أولا إلى غرفة العمليات ويتقلص حجمه.. وكان شرطا أن يزيل عنه كل شعر جسده لأن الشعر لا يتقلص.. وعند افاقته يفاجأ بزوجته تتصل به لنراها على الخط الآخر في المطار في حجمها الطبيعى، وقد أزالوا عنها شعر رأسها وشعر حاجب واحد قبل فرارها وهى تصرخ باكية أنها لن تستطيع الاستمرار في هذه التجربة بعد أن شاهدت شكلها في المرآة كمرضى السرطان.. ينفجر (يون) بالغضب وشعوره بالخيانة مع استحالة عودته إلى حجمه الطبيعى.. ليبدأ في العيش وحيدا في العالم الجديد.. حيث يتعرف على العديد من شخصيات المستعمرة ومنهم فتاة فيتنامية مناضلة سياسية تم حبسها، وفي السجن وقد أجروا لها العملية قسرا ليتخلصوا منها الى الأبد.. ومع تزايد ظاهرة الاحتباس الحرارى يفنى البشر ولا يتبقى سوى سكان المستعمرة اللذين يتم الاعتناء بهم غاية الاعتناء كونهم أصبحوا الآن بذورا للبشرية الجديدة.
فيلم (آفاتار – Avatar)
للمخرج المتخصص بـ الخيال العلمى جيمس كاميرون.. (و أدى العيش لخبازه و لو اكل نصه) .. تدور الأحداث عام 2154.. داخل قاعدة عسكرية.. حيث بعض الجنود داخل حاويات إلكترونية تمسح على عقولهم لتمكنهم من الاتصال عن طريق الدماغ بسكان عوالم أخرى.. عوالم موازية لغزوهم عسكريا.. يتم اختيار الجندى (جاك) لإرساله إلى غابة خاصة جدا.. سكانها أقرب إلى البشر لكنهم ذوى ذيول و أوجه حادة ذات أعين واسعة وقدرات بصرية و حسية خاصة.. يجد (جاك) نفسه في الغابة التي يرفض سكانها أي قادم جديد.. فهم يريدون الحفاظ على بكارة عالمهم وفطرتهم الطيبة.
وفي الخيال يقابل جاك فتاة الغابة (فيتيرى) التي ترفض وجوده في البداية وتصده عن اللحاق بها و تنهره آمرة إياه بالعودة من حيث أتى.. لكن مع إلحاح (جاك) وإبداء رغبته العميقة في الانضمام إلى عالم الغابة تقوده إلى أبيها الذى يعرف أن (جاك) قرين لشخص في عالم آخر.. و يتوسم فيه خيرا … فيطلب من ابنته (فيتيرى) أن تدربه كى يصبح واحدا من أفراد الغابة .. فتبدا في تدريبه على مبارزة مخلوقات غريبة وعلى ركوب التنانين الطائرة، ويبدأ في صراع جانبي مع أحد أفراد الغابة الأقوياء الذى يريد الارتباط بفيتيرى منذ فترة طويلة.. ارتبط القرين (جاك) بالغابة وأهلها.. غير أنه يجد نفسه فجأة وقد عاد إلى حاويته الإلكترونية داخل القاعدة العسكرية بأمر من الكولونيل قائد المحطة، والذى اتخذ قراره بغزو الغابة و قد تعرف على أسرارها من عقل (جاك) وقد أعد للغزو قوات ضخمة من الآليات الإلكترونية أشبه بدبابات عملاقة عجلاتها أعلى من أسطح البيوت.. وبالفعل تنطلق في الغابة نيران المعدات لتحرق المساحات الخضراء وتحطم الأشجار وتهدم البيوت.. ليتصادم القرين الكولونيل هناك مع قرين (جاك) الذى عاد ليساعد أهل الغابة في حربهم ضد الكولونيل.. فهم لا يعرفون من الحرب سوى بدائياتها بينما (جاك) يعرف جيدا ثغرات الآليات التي يقودها الكولونيل.. يشعر القرين الكولونيل بمدى المقاومة الشرسة التي يقودها (جاك) ضده في الغابة فيفصله في الواقع عن الحاوية الإلكترونية ليستعيد القرين جاك ويفصله عن الغابة تماما.
ومن خلال الأحداث نجد (جاك) يتنقل بين الواقع والواقع الموازى في الغابة ليقود أهلها في حرب شرسة ضد القرين الكولونيل وقواته.. حتى إنه يستطيع النيل منه في النهاية وينتصر وأهل الغابة عليه.. يقرر القرين جاك في النهاية أن يظل في الغابة وقد تزوج ب (فينترى) متخلصا من جاك الواقعى إلى الأبد.