كتب : أحمد السماحي
رحل أمس الأربعاء شوقي حجاب، رحل عم شوقي ـ كما كنت أناديه ــ رحل الشاعر والمخرج والسيناريست المبدع، الذي أمتعنا بالعديد من الروائع الغنائية التى رافقتنا بحب في طفولتنا وهدهدت صبانا، وقبل كل هؤلاء رحل صديقي الإنسان المعطاء الذي كنت (أفضفض معه) فيسمعني وينصحني بحب، منذ سمعت هذا الخبر المشئوم الذي أنقض على كالصاعقة، لم تصدق أذناي ما سمعته، ولم يستطع عقلي استيعاب الخبر، خاصة أننا كنا متواعدين أن أذهب لزيارته اليوم الخميس في مستشفي (زايد التخصصي)، وأرسل لي رسالة صوتية على (الواتس) يطمئني عن حاله، ويبلغني رقم الغرفة التى يقيم فيها وهى (504)، وقال لي: (هاتي صديقنا المشترك محمد حبوشة وتعالى زورني أنت وحشتني، لأن واضح أني هطول هنا شوية!).
شوقي حجاب يشعل مواقع التواصل
منذ سمعت الخبر حتى الآن لم تبرح صورة شوقي حجاب خيالي بوجهه الصبوح، وابتسامته الهادئه، أنني أراه على صفحات التواصل الاجتماعي التى تحولت خلال الساعات الماضية إلى سرادق عزاء، فما إن تم الإعلان عن وفاته حتى سيطر الذهول على كل مريديه وأصدقائه، ما بين مشاعر حزن ووجع على الفراق، وما بين عدم تصديق البعض للخبر، واتفق الجميع على مواقفه النبيلة تجاه كل من عمل معه أو لجأ إليه، ونعاه الجميع بكلمات رثاء حزينة، واسترجعوا ذكرياتهم معه، وذكر مواقف لا تنسى جمعتهم به.
لا أريد أن أصطنع الألفاظ مبالغة في المجاملة، وانسياقا وراء عمق الحزن الذي يغور في أعماقنا، فأقول أننا فقدنا رجلا لا يمكن أن يجود الزمان بمثله، ولكنني وأنا ألجأ إلى ضبط النفس والأتزان في التقدير، رغم كل عوامل الأسى، أقرر في صدق وأمانة أنه لابد أن ينقضي زمن طويل، طويل جدا قبل أن يجود الزمان برجل يجمع كل المواهب التى نبكيها ونجلها ونحدث عنها أبناءنا، فعم شوقي حجاب كان يمتلك عدة مواهب صعب أن تجتمع في شخص واحد، خاصة في هذا الزمان الضنين بمواهبه.
شوقي حجاب و10 شارع نجيب الريحاني
طوال السنوات الثلاثة الماضية طالبنا من خلال (شهريار النجوم) المسئولين عن صناعة الدراما المصرية، الالتفات إلى شوقي حجاب، والاهتمام بأعماله التى كتبها والجاهزة على دوران الكاميرا، وطلبنا وطلب هو بخروج هذه الأعمال للنور، ونشرنا أكثر من صرخة له، لكن لا حياة لمن تنادي!، كان آخرها عندما تحدث عن مسلسله (10 شارع نجيب الريحاني) – البيت الذي يسكنه – وهو عمل درامي ضخم يتكون من 45 حلقة، ويتناول أحداث مصر السياسية والإجتماعية والثقافية بحلوها ومرها منذ ستينات القرن الماضي وحتى أحداث يناير 2011، من خلال مجموعة من مشاهير ونجوم المجتمع المصري من فنانيين ومثقفين تعايشوا وتحققوا معا في هذا العنوان، وهو 10 شارع نجيب الريحاني، ومن خلال هذه الشخصيات الفنية والثقافية نرى مصر الستينات والسبعينات والثمانيات وحتى 2011.
لم يكن مسلسل (10 شارع نجيب الريحاني) هو العمل الوحيد في درج مكتب شوقي حجاب فكان لديه أكثر من مسلسل، وجاهزين على كلمة (أكشن) دور!، كما كان لديه برنامج رمضاني قصير بعنوان (المصحصحاتي) الهدف منه إثارة الوعي وإنارته في زمن نحتاج فيه إلى وعي ومعرفة ونضج وخيال لا يثيرهم ولا ينيرهم إلا الشعر، والبرنامج في الأساس غنائي يتخلله بعض الأداء (الريسيتاتيفو)، وقائم على المزج بين الشعر والغناء، وفكرته جديدة تماما ومختلفة تماما عن كل البرامج التى تقدم حاليا.
شوقي حجاب صاحب بقلظ
معروف أن مبدعنا شوقي حجاب هو مؤلف أهم وأشهر الشخصيات العرائسية والكرتونية التى تفاعل معها ملايين الأطفال منها (بقلظ، أرنوب، فرافيرو، عم قاموس، عم شكشك، كوكي كاك، دقدق، بسبس هو) وغيرها، وكتب العديد من (التترات) لبرامج الأطفال الشهيرة مثل المسلسل الأسباني المدبلج (فرافيرو) والذي كتب له أيضا أغنياته، كما كتب برنامج (عصافير الجنة) الذي كانت تقدمه سلوى حجازي، وبعد وفاتها قدمته (نجوى إبراهيم)، وكتب مسلسل للفنان الكوميدي أحمد الحداد بعنوان (البرغوت النونو)، وتبعه بمسلسل (براغيتو).
كما كتب شوقي حجاب برنامج (العربي الصغير) الذي قدمته عفاف جلال في البداية ثم سهام صبري، وأمينة صبري، هذا فضلا عن المسلسل الشهير (كوكي كاك) بطولة إيمان الطوخي ومحمود الجندي ولحن كل أغنياته عمار الشريعي، وأكمله بجزء ثان بطولة هالة فاخر ووائل نور، وكان معه أيضا عمار الشريعي، كما أنه صاحب الفيلمين الوحيدين للأطفال وهما (فانتازيا الخيوط) إنتاج التليفزيون المصري عام 1977، و(السندباد الأخضر) إنتاج الثقافة الجماهيرية عام 1983، وصاحب أكثر من 40 كتابا ما بين الشعر والقصة معظمها للأطفال، فضلا على كتابته وإخراجه لمئات من الأغنيات المصرية معظمها للأطفال.
شوقي حجاب وعزيزة وأم صلاح
شوقي حجاب انتهى قبل رحيله من كتابة أول أوبرا شعبية بعنوان (عزيزة) وتتحدث عن ضرورة تعليم المرأة، وحرية المرأة عندما تكون مثقفة وواعية في اختيار مستقبلها وحياتها، ويقوم الموسيقار الكبير (منير الوسيمي) حاليا بوضع الألحان لها، وستقدم هذه الأوبرا قريبا على مسرح البالون، وسيقوم بإخراجها المخرج الكبير الدكتور (عبدالله سعد) المتخصص في إخراج هذا اللون من الأعمال الغنائية.
كما انتهى شوقي حجاب من كتابة مسرحية اجتماعية عن والدته بعنوان (أم صلاح) التى أنجبت للبشرية مجموعة من المبدعين الذين خدموا مصر بكل حب وأمانة وشرف في كافة المجالات منهم شقيقه الأكبر (صلاح حجاب) أكبر معماري في العالم العربي الذي بنى المحكمة الدستورية، وفندق سميراميس، ومبنى الأهرام الجديد، ومدينة السادات، وغيرها من الأبنية المهمة.
كما أنجبت شاعرنا الكبير سيد حجاب، الذي أبدع العديد من الروائع الغنائية التى كانت تحمل مفردات جديدة لم يسبقه إليها أحد، وترك بصمة واضحة جدا صعب أن تمحوا في (تترات) المسلسلات، وأغاني الأطفال، وأنجبت والدته أيضا (سعاد حجاب) التى تزوجت من محمد القويسني حفيد طلعت باشا حرب، و(وداد حجاب) الفنانة التشكيلية المتميزة التى أنجبت (وليد طاهر) الرسام العالمي، هذا فضلا عن مجموعة من لواءات الجيش المهمين، و(أم صلاح) ترمز لكثير جدا من النساء المصريات والعربيات.
وخلال الأيام القادمة ستخرج للنور أغنية للأطفال من كلماته بعنوان (كتكت كتكوتة) أختارتها المطربة عفاف راضي من بين 20 أغنية كانت عنده من تلحين عمار الشريعي لم تظهر من قبل للنور.
شوقي حجاب والتكريمات
تم تكريم شوقي حجاب بالعديد من الأوسمة والنياشين من مصر والعديد من الدول العربية، كان من أهمها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2020، كما حصل العام الماضي 2022 على الدكتوراه الفخرية من منظمة الأمم المتحدة للفنون (unarts)، كما تم تكريمه في مؤتمر ومهرجان الموسيقي العربية في دورته الـ 31.
مفاجأة (شهريار) مع شوقي حجاب
من المفاجأت التى نعلن عنها من خلال (شهريار النجوم) أنني والزميل محمد حبوشة، قمنا بإجراء حوار مصور طويل مع شاعرنا ومبدعنا شوقي حجاب قبل دخوله المستشفي بأسابيع قليلة، من إخراج المبدع أحمد الفايد، وهذا الحوار المصور لم يخرج للنور حتى الآن، وسنعرضه قريبا جدا.
في النهاية وداعا شوقي حجاب أيها الصديق الكريم المبدع الذي أحببته من كل قلبي، ولا يد لي في ذلك، فكل من عرفك لا يملك ألا أن يحبك، لأنك أحببت كل إنسان ونجدت كل ملهوف، ومسحت دموع كل محزون، ولم تؤذ أي مخلوق، لقد كنت حنونا عطوفا فطالما ارتاحت على صدرك الرءوس المتعبة، وداعا آخر الحكائين الظرفاء في زمن الفن الجميل، وداعا صديق الكبار والصغار، وداعا صاحب العطاء المثمر حتى آخر نفس في حياته المليئة بالإبداع الذي لايفنى، ولطالما تظل عالقا في مخيلتنا إلى الأبد شجرة وارفة الظلال قادمة من عمق ريف مصر كي تلقى علينا كل يوم صباحات ندية مفعمة بالأمل.
