كتب : أحمد السماحي
ميشيل المصري ، هو أحد أسطوات الموسيقى في مصر المحروسة، الذين أبدعوا تحديدا في التوزيع الموسيقي وتلحين التترات والتأليف الموسيقي، والموسيقي في مصر كموسيقى من غير غناء مظلومة ولا تجد من يهتم بها ويقدمها بإلحاح لجمهور المستمعين سواء من خلال حفلات عامة، أو من خلال برامج متخصصة تقدمها للجمهور، والموسيقى لا يمكن شرحها بكلام منشور، إنها حالة من حالات البهجة العظيمة تغسل الإنسان، وربما تعيد صياغته على نحو أكثر صحة، وهذه الحالة تزداد عمقا عندي بشكل شخصي حينما أسلم نفسي للموسيقي، حيث تقوم الموسيقى عبر تجلياتها بتعميق إحساسي بإنسانيتي، والإنسان في عصرنا الراهن كثيرا ما يكون في أمس الحاجة إلى تعميق هذا الإحساس ليحميه من حالة الفوضى الغنائية المنتشرة هذه الأيام.
ميشيل المصري وعبدالوهاب
المتابع لمشوار ميشيل المصري، يجد أنه تعرض لظلما كبيرا من قبل أجهزة الإعلام المختلفة، حيث سجنوه في تتر مسلسل (ليالي الحلمية)، حتى أنه أصبح مرادفا لاسمه، رغم تقديمه لأعمال لا تقل روعة عن (ليالي الحلمية) مثل (يا عم آدم، مين ما يحبش فاطمة، لا إله إلا الله، الظلال، عائلة الحاج متولى، حارة القرود) وغيرها من الأعمال التى تشرق روحا وفكرا موسيقيا لافتا.
وزع الموسيقار ميشيل المصري ألحانا لكثير من الملحنين الكبار مثل (محمد عبدالوهاب،وبليغ حمدي، كمال الطويل، حلمي بكر)، ومن الأغنيات التي وزعها لعبد الوهاب (بعمري كله حبيتك، وأنده عليك، وفي يوم وليلة)، ووزع أيضا الأغنيات التى أعادها المطرب (محمد ثروت) من تراث محمد عبدالوهاب.
ميشيل المصري وبليغ حمدي
كما وزع ميشيل المصري أعمال كثيرة لبليغ حمدي مثل (أغاني مسلسل أوراق الورد، بودعك، وعدي على الغربة، مجلتليش ليه، سكوته عذاب، طالت الغربة، وحشتني يا مصر، رغم البعد عنك) وغيرها، كما تعاون مع صديقه ورفيق مشواره المطرب محرم فؤاد، حيث وزع له أغنيات فيلم (الملكة وأنا)، ومن أهم أعمال ميشيل المصري في التوزيع الموسيقي أيضا ألبوم (اعذريني) لعلي الحجار، والذي طرح عام 1981، حيث وزعه كاملا عدا أغنية (مش عابر سبيل)، التى لحنها ووزعها محمد الشيخ، وظهر في هذا الألبوم حس ميشيل المصري الدرامي المميز من خلال توزيعاته للأغاني وكأنها مشاهد سينمائية، باستخدامه الدقيق لآلات مثل الفلوت والكَوَلة في بعض الأغاني، واستخدام الوتريات بشكل عام في كل أغنيات الألبوم.
ميشيل المصري وندى
هذا الأسبوع قررنا في باب (غلاف ألبوم) أن نتوقف مع واحد من ألبومات ميشيل المصري الموسيقية وهو (ندى) الذي تضمن بعض أعماله الموسيقية التي ألفها للأفلام والمسلسلات، إضافة إلى قطع موسيقية أخرى، وتكون من 15 قطعة موسيقية وهى (131 أشغال، دخان، الشيطان يغني، مقدمة ونهاية، حلاوة الروح مقدمة ونهاية أيضا، ليل وخونة، ندى، شخبطة، آخر كلام مقدمة ونهاية، سعادة مقدمة ونهاية، شقاوة، ألف مبروك)، ولا يحتاج السامع لموسيقى ميشيل المصري لفطنة كبيرة كي يكتشف أنه يسمع موسيقى تتصل بالفكرة التى تمثل جوهر الفن المتمثلة في الروحية المفعمة بالصدق.
ومن خلال الاستماع إلى موسيقى هذا الألبوم تكتشف تمكن ميشيل المصري من فنه وتقنياته وأدواته، ومؤلف موسيقي متمرس، كأنه يخاطب ذهن المتلقي ووعيه أساسا، ولا يترك للأحاسيس أن تفلت من عقالها إلا عند مفترق لحظة تأملية أو مقام.
مشوار ميشيل المصري
بدأ ميشيل المصري رحلته الاحترافية عام 1953 بالالتحاق بفرقة السيد محمد الموسيقية التى كان يطلق عليها (الفرقة الكبيرة)، بدأ فيها عازف كمان ثم عازف كمان أول، ثم سافر إلى إمارة الكويت (لم تكن قد أصبحت دولة بعد) كان له تأثير كبير في إثراء الحياة الموسيقية هناك حين أسس فرقة إذاعة الكويت عام 1959، ومثلما أثرى وأثر في الحياة الموسيقية الكويتية أثرت هى الأخرى فيه، إذ اطلع على موسيقى من نوع آخر، وعلى إيقاعات الخليج شديدة الجمال والتعقيد تى أصبح خبيرًا بها، ما ساعده على العمل ملحنا وموزعا مع كبار مطربي الخليج، مثل (محمد عبده وطلال مداح) وغيرهما.
وبعد عودته إلى مصر بدأ عام 1970، تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام، ومنها (أنا وزوجتى والسكرتيرة، لمن تشرق الشمس، وتمضي الأيام، والغيرة القاتلة)، وفي 30 يونيو 2018، رحل ميشيل المصري عن عالمنا في صمت يشبه صمت القبور، لم يشعر أحد بوفاته.