بقلم : بهاء الدين يوسف
احرقي المنزل أو Burn the House Down.. من أهم الميزات التي يمكن لأي شخص الحصول عليها عبر متابعة الأعمال الدرامية للمجتمعات المختلفة هى القدرة على تكوين فكرة عامة أقرب للانطباع عن ذلك المجتمع أو ذاك، وهى ميزة للمشاهد والعمل الدرامي في آن واحد وأظن أنها واحدة من الأسباب التي دفعت في وقت سابق لتصنيف الفن باعتباره من أهم وسائل القوة الناعمة لأي دولة حيث يمكنه التأثير في المتلقين وإعطائهم انطباعات معينة عن ذلك المجتمع قد تكون ايجابية أو سلبية حسب وعي المسؤولين في الدولة التي تقدم الدراما وجودة عناصر العمل الفني من كتاب ومخرجين وممثلين.
هذه المرة شاهدت المسلسل الياباني احرقي المنزل أو Burn the House Down الذي أنتجته شبكة نتفليكس وعرض بالفعل في العام الحالي، وهو مسلسل مكون من 8 حلقات فقط بعكس المسلسلات العربية وخصوصا الرمضانية منها التي تخضع لعمليات شد ومط تفوق ما تحصل عليها السيدات بعد وصولهن لسن اليأس، من اجل توصيل المسلسل إلى 30 حلقة بالعافية.
قصة المسلسل الياباني احرقي المنزل، تدور حول شابة تذهب للعمل كمديرة منزل لدى أسرة ثرية ترعى (ميتاراي)، حيث تستقبلها الزوجة وهى سيدة خمسينية يبدو عليها التعالي والعجرفة بينما الزوج الغائب دائما هو طبيب مشهور يملك مستشفى ضخم في طوكيو، وخلال الأحداث نكتشف أن تلك الشابة هى ابنة الطبيب المشهور من زوجته السابقة التي طلقها قبل 13 عاما عقب اندلاع حريق ضخم في منزلهم تم تحميلها هي المسؤولية عنه.
ولأن الفتاة (انزو) تسعى لاثبات براءة أمها من افتعال الحريق قررت انتحال اسم صديقة له والعمل مديرة منزل للاقتراب من السيدة (ماكيكو) الصديقة السابقة لأمها والزوجة الحالية لأبوها الطبيب الثري حتى تبحث عن أي دليل يربطها بالحادث الذي نتج عنه اصابة (أم انزو) بفقدان للذاكرة وتنقلها من مستشفى حكومي لآخر في غيبة كاملة لطليقها الذي تزوج صديقتها السابقة ونقلها إلى المنزل بعد إعادة تأهيله مع ولديها وتجاهل طليقته وبناته نهائيا.
أحداث احرقي المنزل
خلال أحداث احرقي المنزل، يقع نوع من التقارب بين (انزو وكيتشي الأبن الأكبر لماكيكو) الذي يعيش في غرفته منعزلا لمدة زادت على 10 سنوات بينما تدعي أمه التي تظهر في المسلسل مهووسة بالنجومية عبر عرض الأزياء والمواقع التواصل الاجتماعي أنه يعمل خارج اليابان، بينما الابن الأصغر (شينجي) يدرس بكلية الطب ليدير مستشفى العائلة فيما بعد.
تستمر أحداث احرقي المنزل، وتنجح (انزو) بالتعاون مع شقيقتها الصغرى يوزو وصديقتها التي انتحلت اسمها (شيزو تاماواتشي) كما تلقت بعض المساعدة من (كيتشي) الناقم على أمه، وتحدث مواجهة بين الإبنة وزوجة الأم التي تعترف بإشعال الحريق أمام الزوج وولديها وشقيقة (انزو) وأيضا كبيرة الممرضات في مستشفى (ميتاراي) المتعاطفة مع الزوجة السابقة المريضة، لكن تتطور الأحداث في الحلقة الثامنة والأخيرة حيث يبادر (كيتشي) لتسليم نفسه باعتباره مشعل الحريق في حين تبذل أمه جهدها لتحمل المسؤولية وتخليصه منها، لكن في النهاية يظهر أن الابن الأصغر شينجي هو من أشعل الحريق بشكل غير متعمد لكنه خاف أن يبوح بذلك وعاش 13 عاما مع الإحساس بالذنب دون أن يمتلك الجرأة للاعتراف بخطئه.
أكثر ما يلفت الانتباه في مسلسل احرقي المنزل، أن مخرج العمل (يوشيرو هيراكاوا) وهو أحد ألمع المخرجين اليابانيين سواء في السينما أو التليفزيون كان حريصا بدرجة ملفتة على تصوير عادات وتقاليد المجتمع الياباني مثل الحرص المرضي على النظافة والانحناء أمام الغير تعبيرا عن الاحترام والاعتذار عن أي سلوك غير مهذب حتى لو كان تجاه مدبرة المنزل التي تعادل في مصر (الخادمة)، وهى مشاهد بسيطة لكنها كفيلة حسب اعتقادي لخلق حالة من الانبهار بثقافة المجتمع الياباني لدى كل من يشاهد المسلسل.
مؤلف احرقي المنزل
أما مؤلف احرقي المنزل (موياشي فوجيساوا) فقد وقع في فخ سذاجة البناء الدرامي والقفز فوق المشاهد التي تحتاج تكثيفا في التفاصيل الصغيرة، لكن في المقابل استفاد العمل من ذلك في تصوير المجتمع الياباني بشكل شبه مثالي، حيث أن أكبر فضيحة تحرص أي سيدة يابانية على إخفائها أنها لا تنظف منزلها وتطبخ لعائلتها بنفسها مهما كان مستواها الاجتماعي، في حين أن امتلاك خادمة أو أكثر تقوم بكل أعمال المنزل يعد مصدرا للفخر لدى العديد من السيدات في مجتمعاتنا العربية.
كما تألق الكاتب ومخرج احرقي المنزل، في تصوير المدى الكبير الذي بلغه المجتمع هناك في التأثر بمواقع التواصل الاجتماعي وكيف أن هناك العديد من الأثرياء والمشاهير تحولوا إلى عبيد لتلك المواقع وزوارها.
باختصار: رغم أنك قد لاتقتنع بقوة الدراما ومنطقية الأحداث وتصرفات الأشخاص في مسلسل احرقي المنزل، إلا أنك لن تخرج منه دون أن يترك فيك انطباعا قويا إن لم يكن بالقصة والأبطال فعلى الأقل بالانبهار بالمدينة الفاضلة التي خلقها اليابانيون ليعيشوا فيها، والتي يحدث فيها أن الفتاة التي تدمرت حياتها وحياة شقيقتها وأمها لاتريد ممن دمرتهن إلا الاعتذار لوالدتها والاعتراف بالخطأ!