عمرو دياب يبدأ مرحلة التجريب الغنائي على جناح (ابن زيدون)!
كتب : أحمد السماحي
منذ يومين طرح المغني الشهير عمرو دياب أغنية جديدة بعنوان (والله أبدا) كلمات وألحان عزيز الشافعي، توزيع عادل حقي، ميكس وماستر أمير محروس، أبيات الشعر الأندلسي في بداية الأغنية من قصيدة (أضحى التنائي) للشاعر الأندلسي الكبيرابن زيدون، ومنذ طرحت الأغنية انقسمت الآراء عليها على مواقع التواصل الاجتماعي وموقع (اليوتيوب) ما بين مؤيد ومعارض، المعارضين أكدوا أنه (مافيش أغنية!) وسألوا ساخرين هى فين الأغنية؟!، وتوالت التعليقات السلبية والمحبين للهضبة انقسموا أيضا فيما بينهم لفريقين، الفريق الأول اندهشوا، وبعد اندهاشهم قالوا: (رجعتنا نندهش تاني يا هضبة، زى زمان، ونفكر هى الأغنية حلوة ولا ومع الوقت هنعرف أنها تحفة؟!)، والفريق الآخر قالوا: (أغنية بتجنن وغريبة علينا، بس صوت وإحساس ومشاعر عمرودياب مش طبيعي بالفعل إنك هضبة سفير السعادة، وحزن عمرو فيها فوق الخيال، وخلي الباقي يتعلمو منه!).
عمرو دياب والتجريب
بعيدا عن الفريقين، نقول أن عمرو دياب خاض بداية من هذه الأغنية مرحلة التجريب الغنائي في مشواره، والتجريب فن قائم على حرية المزج بين الأنواع الموسيقية، من دون الاحتكام إلى القوانين الكلاسيكية التي تجعل المستمع قادرا على تصنيف الموسيقى وبالتالي انتقاءها على أساس مزاجه لحظة الاستماع، هى بشكل ما طريقة جديدة للزج بكل ما في ذهن الموسيقي أو وملحن الأغنية وموزعها إلى طاولة المستمع ما سوف يضع لاحقا مسؤولية التحليل على عاتق المستمع أيضا، لذلك ظل التجريب جدليا وصعبا على الطرفين، المنتِج والمتلقي، فهو في حاجة إلى طاقة كبيرة من أجل الخلط، وطاقة أخرى كبيرة معاكسة من أجل التفكيك، أو من أجل تلقي كرة موسيقية صلدة قد ترتطم بوجه المتلقي في أي لحظة، وعليه مواجهتها بفهمها ككتلة واحدة.
عادة ما يكون التجريب في البداية غريب على المتلقي، وبسببه يحدث انقسام في الأراء كما حدث بالضبط في (والله أبدا)، لكن هذا الإنقسام في النهاية لصالح عمرو دياب والأغنية، لأنه استطاع التفكير خارج الصندوق، يمكن أن يكون هذا التفكير قاصرا، أو تجريب مراهق، لكنه في النهاية استطاع تحريك البحيرة الراكدة في مشواره، حيث كان الجمهور في السنوات الأخيرة بدأ يشعر بالملل والتكرار من تشابه الشكل الموسيقي للأغنيات التى يقدمها عمرو دياب، والتى تحقق نجاحا ملموسا فور طرحها لكن سرعان ما تأتي الأغنية الجديدة له لتنسي الجمهور ما سبق وقدمه!.
عمرو دياب.. أضحى التنائي
بدأ عمرو دياب الأغنية بأثنين من أبيات قصيدة (أضحى التنائي) للشاعر الأندلسي الشهير ابن زيدون، وقد وقع اختياره على البيت الأول والسابع، وقد أنشد ابن زيدون هذه القصيدة في شبابه عندما هَام بولادة بنت المستكفي، وتوثقت علاقته بها مدة من الزمن، ثم ساءت العلاقة بينهما، فهجرته ولّادة ومالت عنه إلى الوزير ابن عبدوس، فنظم ابن زيدون هذه القصيدة يستعطفها فيها معبرًا عن مشاعره تجاهها وعن لهيب المعاناة التي تجرّعها إثر الفراق الذي حدث بينهما.
لفتت قصيدة (أضحى التنائي) انتباه كثير من المطربين في الماضي فقاموا بغنائها، حيث تعتبر من القصائد التى قام بغنائها عددا كبيرا من المطربين مثل المطربة المصرية نادرة، والمطربة اللبنانية نور الهدى، والمطرب والملحن المغربي أحمد البيضاوي، والمطربة المغربية فدوى المالكي وغيرهم.
عمرو دياب والبيت السابع
بدأ عمرو دياب أغنيته بالبيت السابع من قصيدة (أضحى التنائي) الذي يقول: (والله ما طلبت أهوائنا بدلا منكم، وما انصرفت عنكم أمانينا) حيث يقسم ابن زيدون بالله أن قلبه لن يتعلق بحبيبة آخرى، ولم تتحول أمانيه عن حبها.
ثم يعود الهضبة ويغني البيت الأول من القصيدة والذي يقول : (أضحى التنائي بديلا من تدانينا، وناب عن طيب لُقيانا تجافينا) حيث يتحدث الشاعر هنا عن التوجع والتحسر على ما صار إليه حاله، فقد تغير من قرب بينه وبين محبوبته إلى بعد وابتعاد يتزايد مع الأيام، ولقد تحول القرب بعدا، وصار اللقاء جفاء، وهو أمر يشقيه ويعذبه، وقد استخدم الشاعر ألفاظا جزله في التعبير عن مدى وطول البعد، وقوة الشوق، حيث استخدم حروف ممدودة يمتد فيها النفس ليعبر عن ألمه.
عمرو دياب والله أبدا
بعد هذين البيتين استلم راية الشعر الشاعر والملحن عزيز الشافعي فكتب :
والله أبدا، والله أبدا
نسينا المر، وما نسيناش الحلو منكم
مين أحلى منكم، وبيسألونا لما يسألونا عنكم
نقول حبايبنا، حبايبنا
ومهما يحصل بينا ولا نستغنى عنكم
والله أبدا
هنا يستكمل الشافعي باقي الأغنية بأبيات عامية، ويؤكد كما أكد (ابن زيدون) أن حالة البعد، والهجر، لا يمكن أن تنسى الحبيب حبيبه الذي أذاقه المر، ورغم هذا لم يستطع نسيانه، ونسي المر الذي شربه من حبيبه، ولم يعد يتذكر إلا اللحظات الحلوة التى كانت بينهما.
بعدها يعزف فاصل موسيقي طويل تتعدى مدته الدقيقة و20 ثانية، لم نتعوده في أغنياتنا ثم يعود عمرو دياب للغناء فيقول:
على أمل لقانا صبحنا ومسانا
عايشين معانا، يستغربونا إزاى البعد ما قسانا
نقول حبايبنا بتوع زمان، ولا الزمان يفرق معانا
والله أبدا، والله أبدا
وهنا يؤكد الحبيب أن البعد لم ينسيه حبيبه القديم، مهما مر الزمان، واختلفت الفصول والمواسم، فهو في حالة وفاء دائمة ومتواصلة مع حبيبه، بعد انتهاء عمرو دياب من الغناء يبدأ فاصل موسيقي طويل مدته حوالي دقيقتين ونصف.
توزيع ليس له علاقة باللحن
لحن عزيز الشافعي الأغنية من مقام (نهاوند دو) وهو مقام يشير إلى الرقة والفرح والبهجة، كما يمكن عزفه أحيانًا في حالات الحزن، وهو من المقامات الشرقية الأساسية في تلاوة القرآن الكريم والإنشاد والموسيقى، وقد أجاد الشافعي استخدامه ووظفه بشكل متميز للغاية في الأغنية، واستفاد منه في موضوع الأغنية، وجعل الهضبة يغني بشكل متميز، أما توزيع عادل حقي، فهو توزيع حر ليس له علاقة باللحن، وأعتقد أن هذا كان مقصودا حتى تكتمل حالة التجريب في الأغنية، وقد نجح عادل حقي في تقديم توزيع مختلف يذكرنا بالموسيقى الأندلسية.
الكوبليه الأخير
التجريب الذي لجأ إليه عمرو دياب في هذه الأغنية بكل سلبياته وإيجابياته، تجربة تحسب له، ورغم مراهقة التجربة، لكنها خطوة أولى في طريق الألف ميل، نتمنى أن يستمر فيه كل فترة، حتى يجدد دمائه الفنية، ويكتب لنفسه الخلود الفني.