مراد منير: (المغامرة) تعيدني إلى المسرح بعد 10 سنوات من الابتعاد
كتب: أحمد السماحي
مراد منير مغامر.. مسرحي مبدع، هو ملك الفرجة المسرحية بل منازع، قدم لنا العديد من العروض المسرحية التى لا تنسى، والتى حققت مشاهدة جماهيرية ضخمة، وكتابات نقدية مهمة، وفي هذه العروض كانت له رؤيته الجمالية الخاصة المستمدة من ثقافته ورؤيته.
والجمال الفني عند مراد منير يتحقق بالتزام الصدق الفني من ناحية، والإخلاص لرسالة الفن من ناحية أخرى، ومسرحياته يمكن إدراجها ضمن ما يمكن تسميته بأدب المسرح، ليس لأنها تعتمد في معظمها على أعمال أدبية معروفة وإنما باعتبارها أدبا في ذاتها، فإذا كان الأدب هو الارتفاع بمستوى التعبير فإن مسرح مراد منير يعتبر أدبا من هذه الزاوية.
وكثير من عروض مراد منير طهرت نفوسنا، وعالجتنا من أوجاع الفشل، وملأتنا بالمرح والبهجة، وجعلتنا قادرين على مواصلة الكفاح في الحياة بروح متجددة بالإشراق، مفعمة بالأمل، لكل هذه الأسباب سعدت جدا بخبر عودته للمسرح بعد حوالي عشر سنوات من آخر أعماله (زيارة سعيدة جدا) التى قام بتأليفها وإخراجها على مسرح (الهناجر) وقام ببطولتها (انتصار، محمد محمود، عزة بلبع) وغيرهم .
عودة مراد منير ستكون من خلال مسرحية (المغامرة) المأخوذة عن مسرحية (مغامرة رأس المملوك جابر) للكاتب السوري الكبير سعدالله ونوس، والتى سيفتتح بها رسميا مسرح (السامر) بعد إغلاق استمر لنحو 31 عامًا، حيث افتتحته وزيرة الثقافة نيفين الكيلانى ومحافظ الجيزة أحمد راشد، منذ يومين، والمسرحية أحد النصوص المتوهجة الثرية لسعدالله ونوس التى مثلت التجارب الإبداعية له ثورة في المسرح العربي.
مراد منير والمغامرة
شهريار النجوم دق باب المخرج المبدع مراد منير لمعرفة تفاصيل عودته للمسرح والجديد الذي يقدمه في مسرحية (المغامرة)، والتى سبق وقام بإخراجها أكثر من مرة فقال: مسرحية (المغامرة) تشهد عودتي للمسرح بعد حوالي عشر سنوات من الابتعاد، وستكون أول عرض يعرض على مسرح (السامر) الذي تم افتتاحه رسميا منذ أيام، وستعرض بعد انتهاء فعاليات مهرجان المسرح القومي المصري، وسيقوم ببطولة العرض أعضاء فرقة السامر، ومعهم الفنان جلال العشري.
وأضاف مخرج الملك هو الملك: الجديد في العرض اننا سنقدمه بالعامية المصرية وكعرض شعبي، يحمل كل طقوس وتقنيات المسرح الشعبي من ألعاب وأغاني شعبية، تتناسب مع مسرح السامر، وجديده تماما على المسرح المصري.
مراد منير وسعد الله ونوس
عن سر التوأمه بينه وبين نصوص سعد الله ونوس ومراد منير، قال : لقد أخرجت لسعد الله ونوس ثلاثة مسرحيات من بين 15 مسرحية قمت بإخراجها، وهذه المسرحيات الثلاثة هى (الملك هو الملك) بطولة صلاح السعدني، وفايزة كمال، ومحمد منير، و(مغامرة رأس المملوك جابر) بطولة أحمد بدير، و(الأيام المخمورة) بطولة سمية الألفي، وخالد الصاوي.
والحقيقة أن سعد الله ونوس شبهي، والتقيت معه فكريا وإنسانيا، وربطت بيننا صداقة وطيدة منذ تعرفت إليه واقتربت من عالمه، حيث قابلته في سوريا وجلست معاه أكثر من مرة، الأولى عام ، 1984، والثانية عام 1988 أثناء التحضير لمسرحية (الملك هو الملك)، حيث كان الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم في سوريا وكنت حابب أن يكتب لي أغنيات المسرحية، واستغليت الفرصة وقابلت (سعد الله ونوس) وفرح جدا بأن (نجم) سيكتب أغنيات (الملك هو الملك).
وفي عام 1989 عرضت مسرحية (الملك هو الملك) في سوريا، وحققت نجاحا ساحقا، ففوجئت الساعة السادسة صباحا بدق على باب غرفة (الفندق) الذي كنا ننزل فيه، ففتحت الباب، فوجدت (سعد الله ونوس) أمامي ووجهه مليئا بالفرحة ويقول لي: (إنه لم ينم وطول الليل يسير في شوارع سوريا غير مصدق النجاح الكبير الذي حققته المسرحية التى عرضت في 14 دولة من بينهم سوريا، ولم تحقق النجاح الكبير الذي حققته من خلال عرضك)، بعدها ربطت بيننا صداقة جميلة وكان عندما ينزل القاهرة يزورني في بيتي، وعندما أذهب إلى دمشق أزوره في بيته.
وبعد رحيله يقول مراد منير، عملت أنا وصديقي المطرب الكبير محمد منير، احتفالية في القرية التى شهدت ميلاده، والجميل في عروض ونوس أنه يسعى إلى مسرح يوحد بين قاعة المشاهدة ومنصة العرض، ويلغي الفواصل الوهمية (الجدار الرابع) ويستضيف الجمهور ليمارس نشاطا فكريا تأويليا على المسرحية نصا وعرضا، لذلك يجتهد في إضفاء الألفة على نصه.
مراد منير والمهرجان القومي
عن اعتذاره عن لجنة تحكيم الدورة السادسة عشر من المهرجان القومي للمسرح والتى ستقام بداية من يوم 29 يوليو الجاري قال مراد منير: تم اختيارى عضو لجنة تحكيم فى المهرجان القومى السادس عشر، وصدر قرار وزارى بذلك، وفي الوقت نفسه اختارت لجنة البيت الفنى عرض إبني يوسف مراد منير (ياسين وبهيه) للتسابق فى المهرجان، وكان أمامى اختيار من إثنين إما أنا أو إبنى، وحرصا على النزاهة اخترت أن أعتذر، وأبلغت محمد رياض رئيس المهرجان اعتذارى عن عضويه لجنه التحكيم متمنيا التوفيق والنجاح للجميع، هذا كل ما حدث بالضبط.
مغامرة رأس المملوك جابر
من المعروف أن مسرحية (مغامرة رأس المملوك جابر) مسرحية فريدة التجأ فيها سعد الله ونوس إلى تقنيات المسرح الملحمي التغريبي لأنه كان يرى في العناصر الأساسية للمسرح الكلاسيكي حدا من الوعي الفردي والشخصية المجتمعية، وهو ما دفعه إلى إحداث ثورة على التقنيّات واستنباط وسائل جديدة يكون تأثيرها فكريا وعقليا لا عاطفيا نفسيا، فمركز الاستقطاب في المتفرج يتمثّل في العقل والوعي، لا القلب والعاطفة.
ترصد (مغامرة رأس المملوك جابر) قصة تاريخية، حاول فيها (ونوس) إعطاء بعض التفسيرات لطبيعة العلاقة بين السائس والمسوس من خلال تناول موضوع الصراع على السلطة بين خليفة بغداد ووزيره، إذ يحاول الوزير الاستعانة بجيوش الأعداء لنصرته، ويستغل (المملوك جابر) موقف عدم استطاعة الوزير إرسال رسالة إلى العدو فيقترح عليه أن يكتب الرسالة على رأسه بعد أن يحلق شعره، ويذهب الحارس في مهمته تحدوه أحلام كثيرة بالثروة والجاه والجواري، لكنه يكتشف بعد فوات الأوان أن الوزير طلب من العدو قطع رأس حامل الرسالة، وبهذا تنتهي هذه المغامرة الانتهازية إلى الفشل، واستطاع (ونوس) من خلال هذا العمل أن الانتهازية لن تؤدي بصاحبها إلا إلى الفشل والموت ، بينما يظل الشعب هو الذي بيده كل شيء، وهو الذي سينتصر في النهاية.
وقد حرص ونوس في مسرحيته (مغامرة رأس المملوك جابر) على تمريرفكرة تنتهي إلى أهمية العمل الجماعي السياسي، إذ لا جدوى من العمل الفردي كمطلب للخلاص والإنسان غير المسيس ستستغله السلطة وتسحقه كما حدث للمملوك جابر الذي اراد أن يتحرر من عبوديته بطريقة الخيانة وتحقيق مآربه غير مراع لمصالح الجماعة ومصير البلاد، فكان الثمن أن ضيع رأسه!