بقلم: محمد حبوشة
الفنان الحقيقي هو من يملك الإحساس بالخوف على فن بلده، وتنهمر دموعه عندما يضيق صدره لما يرصده من حالة العبث بالفن، لذا تبدو لي دموع الفنان الكبير والقدير محمد صبحي غالية على الجمهور المصري والعربي المحب لفن الأستاذ محمد صبحي، ولذا تفاعل الجمهور معه حين بكي قائلا: (أنا حزين ولا أتسول، أنا بشتغل وبكسب.. بشتغل لوحدي وحاسس إني في سجن كبير وللأسف أنا مظلوم إني مسجون)، وقال الفنان محمد صبحي، من خلال مداخلة مع الإعلامي (سيد علي) ببرنامج (حضرة المواطن) الذي يذاع على قناة الحدث، (إنه خلال كل العقود بداية من عشرينيات القرن الماضي كانت هناك أعمال توصف بأنها إسفاف لكنها لم تكن السائدة في زنزانة انفرادي)، واستكمل حديثه: (أنا طلبت حد معني من الجمهور أو الدولة يضع قائمة بكل عباقرة مصر من أول القرن الماضي حتى اليوم، معقبا: (والله العظيم هنتكسف).
إقرأ أيضا : محمد صبحي : لا أسمح لأحد أن يزايد على وطنيتي، ولابد من عودة الرقابة
وطالب محمد صبحي، بضرورة وجود وزير إعلام له سياسة إعلامية وليس هيئات، موضحا: (مش لازم القنوات تجري على التريندات والتفاهات) مؤكدا: (أنا مهموم بالثقافة والفن على أنها معول ممكن أن يبني أو يهدم)، مؤكدا في كلامه (انا ليست لي مشكلة ولا عايز أمثل ولا عايز اشتغل، أنا شغال في حتة لوحدي وعلي جنب والناس هى اللى بتيجي، ولكن أنا آسف بدافع عن ريادة بلدي ووطني ومش المفترض أفهم في كل حاجة، واتعرض على وزارة الثقافة 4 مرات وأدنت الدولة في ترشيحي لأني لا أصلح وزيرا للثقافة، فيه غيري احسن مني كان ينفعوا).
ولفت محمد صبحي: (النهاردة وزيرة الثقافة شوف كام سنة واحنا مشوفنهاش ولا طلبت الفنانين تقعد معاهم ولا تخاطبهم علشان تعرف ايه مشاكلهم، احنا خلاص بنعمل دليفري وبنفذ غصب عننا ما يريد أعدائنا ان احنا نغيب ونعمل أعمال تافهمة، هل من مصلحة عدوننا اننا نعمل تعليم عظيم؟، هل من مصلحة عدونا اننا نعمل فن راق يسمو بالوجدان؟ هل عدونا يتمنى لنا النجاح؟ ايه اللى بنعمله ده؟)، وتابع قائلا: (يا اخواننا عيب احنا مش صغيرين احنا تعبنا واتعلمنا من اللى أحسن مننا واتربينا علي ايد اللى أحسن مننا، فيه مشكلة بطالب ان يكون هناك وزيرا للثقافة وللإعلام يحملون خريطة حقيقية وهدف حقيقي عايزين يحققوه).
كلام الفنان الكبير والقدير محمد صبحي موجع للغاية، لأنه ضغط على العصب العاري في حياتنا الفنية التي تغوص في المتاهات، وتقدم الردئ من الفن الذي لايليق بمصر الجديدة التي نريدها، ويبدو أن هذه التصريحات تهدف إلى إشارة أن الوضع الحالي في الوسط الفني يشهد تغيرا سلبيا بزيادة الأعمال الإسفافية أو ذات المحتوى الذي يطلق عليها (جريئة) بينما هو الواقع تسعى لهدم القيم في المجتمع والترشيخ للعشوائية والعنف والبلطجة في سبيل مخاطبة غوائية الشارع المشحون بالغضب جراء الأوضاع الاقتصادية الضاغطة.
محمد صبحي يعرف الداء والدواء
ظني أن الفنان الكبير محمد صبحي يعرف الداء ويستطيع تقديم الدواء لو أتيحت له الفرصة، وخاصة في مجال الدراما التلفزيونية التي تشهد أوأ عصورها على الإطلاق إلا ما ندر من أعمالها الوطنية، لذا فإنه عندما عرض عليه تولي رئاسة لجنة الدراما بالمجلس الأعلى للإعلام، رفض رفضا قاطعا، حيث قال وقتها: (إن ملف الدراما شائك وإن هناك احتكارا يصاحبه محاولات إقصاء لعدد من الفنانين وعدم الالتفات لعدد آخر من قبل جهة الإنتاج صاحبة اليد العليا فى تنفيذ الخريطة الدرامية، وشدد على أن الملايين التى أنفقت فى شراء قنوات فضائية لو أنفقت على ماسبيرو لكان أفضل بكثير، وأن هناك قنوات تعمل بهدف تغييب العقل وإلا لماذا فتحت إرسالها لساعات طويلة للحديث عن أزمة فستان ارتدته فنانة؟، وأضاف أن الدولة تحتاج إلى قناة ترسل من خلالها رسائلها التى تريد توجيهها بدلا من حالة التشابه الحالى الذى فرضته بين القنوات.
يرى محمد صبحي، أن وظيفة لجنة الدراما للأسف تحولت إلى وظيفة رقابية، وقد أستطيع كفنان أن أصرح بأننى ضد الإسفاف والابتذال فى الدراما التليفزيونية، ولكن من خلال منصبه الذي عرض عليه كرئيس للجنة الدراما أنه منوط بالدفاع عن شرف المهنة من فن وفنانين ويجب أن أمنع الاحتكار سواء من الدولة أو القطاع الخاص، وأن أكون ضد الشللية والإقصاء، وأن أخاطب فى الفنان كيفية أن يبدأ تصوير مسلسل لم يكتب منه سوى حلقتين فقط، وأن تعود القواعد لما كانت عليه وعدم البدء فى تصوير أى عمل إلا بعد كتابة حلقاته كاملة، ويتم تقديمه لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية حتى يكون لديها تصور مكتمل، لأن هذا المنهج خاطئ تماما ولم أضطر للعمل به فى أى مسلسل خلال مشوارى.
إقرأ أيضا : في عيد ميلاد محمد صبحي الـ 75.. نكشف سر اختياره لتجسيد شخصية (إخناتون)
وتطرق محمد صبحي – وقتها – إلى قضية شائكة تتعلق بالتصوير على الهواء مباشرة الذي يراه يخدش شرف المهنة، والإبداع لا يكون بالارتجال، وأى مسلسل لم تكتمل كتابته سيتم تأجيله للعام المقبل، وهناك عدد كبير من الفنانين (قاعدين فى بيوتهم) سواء إقصاء وأنا صريح، أو لم تنظر لهم جهات الإنتاج، فى الوقت الذى تشارك فيه ممثلة واحدة فى 7 و8 أعمال، ولذلك من الضرورى العمل خلال مرحلة انتقالية ولتكن عامين أو ثلاثة يحق فيها للممثل أن يتعاقد على عملين على الأكثر خلال العام، وهو أمر جيد ماديا وفنيا، لترك فرصة لممثلين آخرين لتحقيق مبدأ العدالة والتوازن.
محمد صبحي: لدينا أعمالا تافهة
وتساءل محمد صبحي في ذلك الحين: من له الحق فى تحديد عدد المسلسلات لهذا الموسم وعدم تجاوزها حاجز الـ 15 عملا، أنا ضد ذلك تماما، لأنه سوق فى النهاية يحكمه العرض والطلب، وكان لزاما أن تتسع قاعدة الأعمال لتصل إلى 100 عمل يخرج منها 40 فكرة، ومسلسلات جيدة، وأخرى تافهة، وهو ما كان يحدث فى مصر على مدار سنوات، فوجود أعمال قيمة تسجل فى التاريخ تطرد المنتج الردىء، لكن فكرة المنع والمصادرة مرفوضة، ويجب أن نطلب من الفنان تغيير جلده، وكدولة إذا كنت تبحث عن التصدى لأعمال رصينة ومحترمة وتشرف مصر يجب أن تدفع وتنتج، ولكن أن تقوم بتخصيص منتج بعينه يضع فى يده الـ 15 مسلسلا ويمارس عمليات الإقصاء على الفنانين ويسمح بتكوين شلل ويخلق حالة احتكار، تلك ممارسات خاطئة، وعلى الدولة ممثلة فى الهيئة العليا للإعلام أن تمنح العمل الجيد 10% من إجمالى ميزانيته فى سبيل عودة ريادة مصر مرة أخرى، والنتيجة ستكون انزواء صاحب الأعمال التافهة.
ولعلنا نذكر أن الفنان الكبير محمد صبحي، كان أول من نادى بصنع إعلام للدولة، بعد أحداث 25 يناير بشهر واحد، وضرورة أن يكون هناك وزير للإعلام، ومازال من أنصار ذلك، وأن يكون هناك وزير له رؤية، وأن يكون للدولة قناة واحدة تبعث برسائلها وتقول فيها ما تشاء، لكن أن تقوم الدولة بوضع يدها على القنوات كلها هو نوع من أنواع الاحتكار غير مرغوب فيه، وغير مطلوب، ويجب النظر إلى نتيجة ما تم تقديمه حينما حدث ذلك، نعم أنا ضد أى إعلامى يثير الجماهير و(يفترى) على الدولة ونظامها صحيح، (بس مش علشان أمسك حرامى أموت الحارة!)، بالتأكيد هناك خطاءون فى الإعلام، لكن ما حدث أكبر خطأ وقعت فيه الدولة ستشعر به بعد عامين أو ثلاثة، كان يكفى أن تتبنى قناة متحدثة بالانجليزية والفرنسية موجهة للعالم إلى جانب الأولى والثانية.
محمد صبحي يتساءل؟
وتساءل محمد صبحي – آنذاك – أيضا: ما المبرر من شراء 51 % من حجم القنوات المصرية وتحويل محتواها ليصبح متشابها، يتكون من برنامج طبيخ وتخسيس وفاشون وبرنامج للمنازعات فى كل القنوات، ولكن أين الصوت الذى يقول إن البلد عظيم ولكن ينقصه كذا وكذا؟، (إنتم مش عاوزين ده بلاش)، هناك عدد كبير من الشركات تم تجميدها، حينما يكون هناك شركة بعينها تمتلك 9 قنوات لن تفتح السوق لغيرها من جهات الإنتاج لعرض أعمالها، وهو احتكار، ويجب أن يكون للجنة الدراما دور فى مساعدة جهات الإنتاج لتقديم أعمال عظيمة وأن يكون لها مكان للعرض، وكنا فى الماضى حينما يتم إنتاج مسلسل ويعرض على قناة وترفضه لتكلفته المرتفعة نذهب إلى وكالة إعلانات وتقوم بتسويقه وتفرضه على القناة، لكن الآن القنوات والإعلانات فى يد واحدة، وهو ما لم يتحدث فيه أى فنان من قبل، ولو كانت الدولة وضعت تلك المليارات وأنفقتها على ماسبيرو لكان أفضل بكثير.
وفي النهاية لابد لي من الإشارة إلى محمد صبحي فنان راسخ في الوجدان والذاكرة بما قدمه من أعمال شكلت وجداننا، وكم بكينا وضحكنا في مسرحياته ومسلسلاته وأفلامه ، وأهم ما يميزه ويجعله في منطقة خاصة لدي الشعوب العربية كفنان كونه مثقفا ثقافة موسوعية، فقد قرأ في التاريخ والأدب والدين والفقه والسياسة والفن والاقتصاد وعلم النفس والاجتماع ، وغيرها من العلوم والفنون، واختار لنفسه طريقا ثابتا في الحياة الفنية علي امتداد أكثر من خمسة عقود من زماننا هذا، و مارس الفن مخرجا وممثلا وكاتبا ومنتجا، وقام بالتدريس وأصبح له منهج باسمه هو منهج محمد صبحي.. أرجوكم اسمعوه جيدا فإنه يملك حل المعضلة في إنتاج أعمال فنية تليق بمصر الجديدة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.