كتب: محمد حبوشة
نعم الفنان الكبير علي الحجار ليس نغمة شاردة في سماء هذا الوطن، بل إنه يعد رقما صعب في الغناء المصري، ويأتي على رأس كوكبة من مبدعين حقيقيين أخلصوا للغناء بكافة ألوانه، وبالطبع على رأسها الغناء الوطني الذي يفجر الغضب ويحث على الثورة من فرط مشاعر إنسانية متدفقة تلامس نبض الكلمة والشاعر والناس المتخمة بالهموم والأحزان والأفراح في آن واحد، وظني أن على الحجار لاينتمي فقط للجيل الذهبى من الفن الراقى، بل حمل بين جونحه قيمة ومعنى وأحساس لمرحلة رسمت ملامح جيل بأكمله، تربى على كلماته وأغانيه، فقد أحب وهجر وشعر بوجع الفراق وعشق تراب الوطن في ليالي مفعمة بالحنين والغربة، وليس هذا فحسب بل إنه فتح بوابات الأمل في غد أكثر شراقا في سماء مصر المحروسة.
إقرأ أيضا : علي الحجار : وزارة الثقافة قررت تبني مشروع (100 سنة غناء)
وحتى الآن لا يتفق الكثيرون من مواليد الستينيات والسبعينيات مثلي على شيء بقدر اتفاقهم على أن صوت على الحجار كان هو الشيء الأكثر امتاعا لهم، بل يمكن وصفه ببساطة أنه كان وسيبقى صديقا وقت الضيق الذى يستطيع وحده أن يزيل من داخلنا أى حالة ضيق مهما بلغت حدتها، فقد كنا نجد فى صوت الحجار سلوانا لنا حين نخفق فى قصة حب من تلك القصص الفطرية التى اعتدنا أن نعيشها فى سنوات الجامعة وما بعدها، مثلما كنا نلتمس عنده فى أحيان أخرى الصبر على ما كنا نتعرض له من قهر عائلى أو اجتماعى، فقد كنا فى ذلك الزمن البعيد نردد دائما جملته الشهيرة من تتر مسلسل “الشهد والدموع”: “كلنا من أم واحدة أب واحد دم واحد بس حاسين باغتراب” التى أبدعها سيد حجاب بقلمه وصاغها بعشق عمار الشريعى بألحانه وفجرها الحجار بصوته فى قلوبنا مشاعر وأحاسيس نابضة بالحياة.
علي الحجار .. مراتب الأسطورية
ليلاتى فى الميعاد ده.. ينعاد عمرى اللى عدى.. وألقى الماضى اللى عاد ده.. ع الحاضر يستعدَّى.. والحزن فى قلبى ناخرُه.. والريح ناح فوق سطوحى.. ويا أبوى ع الليل وآخره لما أن تصحى جروحى.. حمل ومقدرش أداخره عنى وهتوج روحى.. أدعى لله تعالى يطفى شوقى وحنينى.. يا فجر يا جاى تعالى.. زيح حمل تقيل حنينى.. ليضيع كنزى اللى داخره.. ونوحى يا روحى نوحى.. ويا أبوى على الليل وآخره لما أن تصحى جروحى”، بتلك الرائعة التى كتبها الشاعر سيد حجاب، ووضع موسيقاها ياسر عبدالرحمن، حاز الفنان الكبير على الحجار مراتب الأسطورية فى غناء تترات المسلسلات الصعيدية، ويظهر إبداعه الحي فى إتقانه تقديم الملاحم الصعيدية بأسلوب متفرد، وكأنه يعيش الحالة الدرامية التى يحكيها البطل، حيث وهبته الطبيعة جمالا فى الأداء والصوت جعلت جماهير الصعيد تتراقص وتبكى على نغمات صوته، إضافة إلى إحساسه العالى بالكلمة والجملة الموسيقية.
إقرأ أيضا : علي الحجار : أنشد تكبيرات العيد بناء على طلب إذاعة الأغاني
عندما يرتفع صوت على الحجار بغناء تترات الأعمال الصعيدية، يصمت الجميع ليستمع إلى صوته الذى يترجم مشاعر الحب والحنين والشجن، وهو يشدو بروائعه “ذئاب الجبل، بوابة الحلواني، غوايش، أبو العلا البشري، الرحايا، شيخ العرب همام، جزيرة غمام، والليل وآخره وغيرها من روائع أكثر من 120 تتر غنائي توجته على رأس مبدعي الدراما التلفزيونية في زمن الفن الجميل الذي يعبر بصدق وموضوعية عن الحالة المصرية، حتى أن البعض كان يقبل على مشاهدة الملسلات من فرط إعجابه بصوت على الحجار في التتر الذي يلخص الدرامة في أوج عظمتها ورونقها الجميل في زمن أسامة أنور عكاشة، محمد جلال عبد القوي، يسر الجندي، كرم النجار، محمد فاضل)، وغيرهم من أسطوات فن الدراما التلفزيونية.
وجه على الحجار النحيل
ظهر على الحجار بوجهه الذى تبرز منه عظام الوجنتين وجسده النحيل ونظرته الجادة التى لا تترك أثرا على مشاهديه لا بالإيجاب ولا بالسلب، كان كل ما لديه صوته العميق في قراره الفاتن وجوابه المحلق في سماء الإبداع يشق صدر الشرق بعذوبة تثير فى النفوس شجونا لم نكن ندرى وقتها إنها موجودة داخلنا من الأساس، وكلمات أغانيه التى لا تشبه ما كان يغنيه المطربون السابقون بداية من ظهوره الأول فى ليلة رأس السنة لعام 1977 حين قدم أغنية “على قد ما حبينا”، من تأليف عبد الرحيم منصور وألحان بليغ حمدى، مرورا بأغنيات “اعذريني، متصدقيش، يا بنت يا بيضا، جفنه علم الغزل، دراي العيون، فى قلب الليل، صلينا الفجر فين، لما الشتا يدق البيبان، وغيرها من أغنيات تركت كل واحدة منه فى قلوبنا ذكرى تستعصى على النسيان.
جمعتنى أكثر من صدفة مهنية وعائلية بعلى الحجار بحكم صداقته للأديب الكبير الراحل “سامي فريد” – رحمه الله – والد زوجتي، ووجدته على الطبيعة أكثر أدبا وأرفع خلقا مما كان خلف الميكروفون أو على الشاشة، ولن أبالغ اذا قلت إن على الحجار لديه من الخجل ما يجعل وجهه يحمر حياء حينما يتجاوز بعض الصحفيين حدود الذوق واللياقة فى حديثهم معه، وربما كان ذلك يسبب له كثير من الإرباك، ومن هنا كنت شاهدا حيا على مشروعة الكبير “100 سنة غنا”، حيث عايشت إرهاصات هذا الحلم منذ أكثر من عشرين عاما، ووقتها لم تكن تستطيع قناة مصرية وقتها تنفيذ المشروع، مما جعل الحجار يسعى لتقديمه المشروع لوزارة الثقافة، وكان سيخرج للنور مرتين، الأولى في عصر وزير الثقافة فاروق حسني، الذي تحمس للأمر، لكن قبل التنفيذ بأسابيع قليلة خرج من الوزارة، والمرة الثانية على يد أنس الفقي، وزير الإعلام الأسبق، الذي تحمس هو الآخر للمشروع وكان سَيُقدم في برنامج تلفزيوني، لكن جاءت ثورة 2011 وأجهضت الحلم.
إقرأ أيضا : أهم حدث فني في 2022 : (يا أرضنا) أغنية تجمع (علي الحجار وبليغ حمدي)
حسنا فعلت وزيرة الثقافة الدكتورة نفين الكيلاني، بتبنيها لمشروع علي الحجار 100 سنة غنا، حيث التقت الدكتورة الوزيرة بالفنان الكبير علي الحجار داخل مكتبها بالمجلس الأعلى للثقافة، لمناقشة تبني مشورعه، الذي يهدف إلى إعادة تقديم الأغاني التراثية لكبار نجوم الطرب، وأكدت سيادة الوزيرة دعمها لـ مشروع الحجار، وتقديرها لمجهوداته الدائمة من أجل الحفاظ على تراث الفن المصري خلال الـ 100 سنة الأخيرة.
علي الحجار ووزيرة الثقافة
ومن جانبه، أعرب الفنان علي الحجار عن سعادته الكبيرة، بـ دعم وزيرة الثقافة له، حيث قال في أول تعليق له، بعد لقائه معها: معالي الوزيرة قالت لي إحنا عايزين نراضيك، بعد تعب 20 سنة عمال أهاتي أن حد يهتم بالموضوع، أنا شغال على مشروعي وعلى أغاني بليغ حمدي، أنا شغال على المشروع ده من 2002، مفيش سنة عدت غير لما أذكر الموضوع، وكنت في حفلاتي بقدم تاريخ الأغاني في مصر والمراحل وظروف مصر السياسة في وقت طرح الأغنية دي، كتر خيرها وزيرة الثقافة جبرت بخاطري.
لكن تبقى غصة في القلب جراء ما فعله الفنان مدحت صالح في التعدي على مشروعه، قائلا: مدحت صالح بالنسبة لي فنان كبير ومهم وأنا بحب منه أغاني كتير.. لكن فكرة 100 سنة غنا بتاعتي وهو عارف.. وهو بيطلع في برامج كتير بيقول علي الحجار أستاذي.. لدرجة إن في مرة منى الشاذلي بتقولي تحب يطلع مدحت صالح معاك.. قولتلها آه طبعًا.. وطلعنا وقال قدام كل الناس إنه كان بيقعد ورا السور عشان يتعلم مني وإني أستاذه.
وأضاف علي الحجار: مدحت عارف مشروعي وعارف إن الدراسة اللي عملتها هو ناقله بالظبط.. وطلعت في مرة قولت ده مع هالة سرحان.. واخد المشروع كوبي بيست.. ومن وجهة نظري المؤلف والملحن هما صانعي الأغنية والمغني هو مؤدي.. ياما مؤدي كويس أو مغني كويس أو مطرب، احنا مش اتنين عيال صغيرة في الشارع واتخانقنا مع بعض وبتصالحونا مع بعض.. الموضوع مش كده.. مدحت صالح من أول ما طلع بيغني لنفسه 5 أو 6 أغاني.. والباقي أغاني لمؤلفين وملحنين تانيين دي مش حاجة جديدة.. واللي عمله في الحفلة الأخيرة هي حفلته اللي عملها قبل كده.. مفيش جديد.. وقال هطور الأغاني وأعمل توزيع معاصر.. ومفيش حاجة حصلت زي ما كان بيعمل طول عمره في حفلاته.
وقال علي الحجار خلال مداخلة هاتفية في برنامج “الستات” مع الإعلامية سهير جودة ومفيدة شيحة: مدحت صالح بالنسبة لي فنان كبير ومهم وأنا بحب منه أغاني كتير.. لكن فكرة 100 سنة غنا بتاعتي وهو عارف.. وهو بيطلع في برامج كتير بيقول علي الحجار أستاذي.. لدرجة إن في مرة منى الشاذلي بتقولي تحب يطلع مدحت صالح معاك.. قولتلها آه طبعًا.. وطلعنا وقال قدام كل الناس إنه كان بيقعد ورا السور عشان يتعلم مني وإني أستاذه، احنا مش اتنين عيال صغيرة في الشارع واتخانقنا مع بعض وبتصالحونا مع بعض.. الموضوع مش كده.. مدحت صالح من أول ما طلع بيغني لنفسه 5 أو 6 أغاني.. والباقي أغاني لمؤلفين وملحنين تانيين دي مش حاجة جديدة.
علي الحجار في الحوار الوطني
ويقول علي الحجار في ذات الإطار: لما بعتولي في الحوار الوطني من أسبوعين قولت إن الفنان المصري هو اللي أرخ لحضارة مصر بالمعابد والمسلات اللي كتب عليها.. الفن مش للمتعة بس والفن رسالة..أنا مش عايز أطلع آخد فلوس من الحفلات والرحلات وخلاص.. عندي هدف أسمى وكبير جدًا.. وأنا عيل عندي 22 سنة كنت بختار رباعيات صلاح جاهين.. وكتر خيره بليغ حمدي كان عقدي معاه إني مغنيش لمدة 3 سنين غير له.. ولما لقاني بختار ارباعيات وسيد مكاوي وانتجه على حسابه قد إيه الراجل ده عظيم.
واختتم علي الحجار حديثه، قائلا: عايز مدحت صالح يتحرك ويطلع يتكلم ويبرأ نفسه من إنه أخد مشروعي.. وكلموني وقالولي إنهم كلموا مدحت صالح من أسبوع وبيقول هو علي الحجار ليه مكلمنيش، ويقول ليه يا مدحت بتعمل كده؟.. يا سلام يعني أنت واخد مشروعي وعايزني كمان أكلمك؟، إيه الجبروت ده؟ هو ديما بيقول إن علي الحجار أستاذي يكلم أستاذه بقى.. ومنتساواش ببعض على فكرة: محدش عنده 3000 أغنية محدش عمل 121 تتر مسلسل.. محدش عمل التنوع بتاعي.. مينفعش نقول انتو الاتنين.. أنا آسف والناس هتفهم ده غرور، لكن أنا بتكلم في حقائق.. اللي حصل من وزيرة الثقافة ريح قلبي جدا جدًا وطمننتني إن المشروع هيتعمل صح.. اللي حصل قبل كده مكنش مشروع.
أجمل ماقاله الحجارمؤخرا: أنه يشعر بالفخر ببلده مصر وأنها ولادة للمواهب والمبدعين فى كل المجالات وهى البلد التى تصنع نجوم الوطن العربى، أنه أطلق عبر صفحته على الفيس بوك “استيتوس” لاكتشاف الفنانون الموهوبين من الشباب فى فنون الغناء والتلحين والشعر على مدار شهر فقط وصل عددهم لأكثر من 10 آلاف موهبة يحتاجون من يرعاهم، وخلال حفلته الشهرية بساقية الصاوى يقدم أحد المواهب معه ويكمل لقاءاته بهم فى الصالون الشهرى، مؤكدا أن بينهم مواهب حقيقة ومحترفين، وأكد الحجار انه لاستعادة أوتار الوطن لابد من ان تتضافر كافة الجهود للدولة من أجل توظيف الفن لبناء الأوطان وتبنى المواهب فجبهة الفن يمكن لها أن تعيد تشكيل الوجدان وتكرس قيم حقيقة بعيدا عن الخبط والرزع والمفردات التى تهد القيم، مطالبا بضرورة عودة وزارة الإعلام وان تتكاتف وزارة الثقافة لاستيعاب هؤلاء الشباب والمواهب ومصر تستطيع بأبنائها.