بقلم الإعلامي: علي عبد الرحمن
تعد ظاهرة الطوابير على كل شئ، ظاهرة مصريه تراها في مواقع كثيرة بسبب زيادة السكان أحيانا ولقلة المعروض أيضا، ولميل أهل مصر للاصطفاف والتنظيم أحيانا،ولغياب التنظيم واللجوء إلى التنظيم الشعبي أحيانا أخري، ورغم إختفاء بعض الطوابير إلا أن بقاء بعضها أو امتدادها إلى مواقع أخرى لم تكن ذات صلة بالطوابير يتنافي تماما مع شعارتنا المرفوعه في ظل الجمهورية الجديدة التي ترسم حياة كريمه لمواطنيها، وتسعي لتحسين مستوى المعيشة وإعلاء حقوق المواطنة وميكنة كل الخدمات في عصر التحول الرقمي.
وقد وضعتني ظروف المرض ورحلة البحث من خلال الطوابير عن الأدوية بين الصيدليات واختفاء المستورد منها نظرا لمنع استيراد بعض السلع والأدوية بسبب الحاجه إلى العملة الأجنبية ولإتاحة الفرصة أمام المنتج المصري أحيانا، وأصبح البحث عن دواء مستورد أمرا فيه معاناة كثيرة، ولكن أن تبحث عن دواء مصري فلاتجده فلا أجد أنا مبررا لذلك، وكنت أبحث عن أدوية مصرية بين صيدليات القاهرة وفشل مسعاى، ولأن المريض لابد له من علاج فقد نصحوني دكاترة الصيدليات بالتوجه إلي صيدلية الإسعاف بشارع رمسيس في وسط البلد، لأنها ملك الشركه المصريه لتجارة الأدويه، التي تقوم بتوزيع الأدويه على الصيدليات، حيث أن لديها مخزون من كل الأدويو.الطوابير لا تسثني الذكور من النساء
الطوابير طويلة للذكور والإناث
وسريعا توجهت إلي هذه الصيدلية، وكنت أثق أني سأدخل صيدلية أسأل عن أدويتي سريعا وغالبا سأجدها لأنها مصرية الصنع، ولم أصدق مارأيت حين وصلت للصيدلية، حيث وجدت الطوابير طويلة للذكور والإناث، وتخيلت أنها تخص ماكينة الصرف الآلي أمام الصيدلية، ولكن لما التحمت بأهل الطوابير وبدأت أستفسر عنه جاءتني إجابات صادمة وإجراءات أكثر صدما، وهى أننا أمام طابور صرف الأدوية، وهذا الطابور للرجال، والثاني للسيدات، وأخذت دوري في الصف احتراما للنظام ولمن سبقوني.
وبدأت أجمع المعلومات من أهل الطابور واستأذنتهم لتصويره فوافقوا فورا وطالبوني بتصعيد الأمر للمسئولين لأنه ليس هناك مبرر لذلك أبدا، واكتشفت أن طابوري هو الطابور الثاني في سلسلة طوابير صيدلية الإسعاف، فالطابور الأول عليك أن تقف فيه حتي تصل لشاب تسأله أولا عن أدويتك: هل هى موجوده أم لا، وعند الإجابه بـ لا عليك بالانصراف خائبا الرجاء، أما لو كانت الإجابه بـ نعم فعليك إحضار الروشتة وصورة البطاقه والخروج من الطابور لتصويرهم حتي تسلمهم للصيدلية، وعندما يكتب لك بدعاء الصالحين الوصول إلي شباك الصيدلية وعندها سيعطيك الواقف علي هذا الشباك الثاني ورقة صغيرة مكتوب عليها مبلغ الأدوية، ثم تغادر الطابور الثاني إلى ثالث الطوابير وهو طابور الدفع لتعود بعد دعوات أهلك ومرضاك الطيبين بإيصال صغير لتأخد دورك في طابور رابع للإستلام.
هذه المهمة تستغرق كحد أدني ساعتين من الوقوف والتنقل بين الطوابير وانت تتصبب عرقا ولاتقوي على الوقوف علي أقدامك، علاوة على أن الطابور في شارع رمسيس الرئيسى بعوادمه وكلاكساته ورطوبته، وجزء كبير من أهل الطوابير هم المرضي ذاتهم، ودار حديثنا لقتل الوقت بين أصدقاء الطابور، لتجد من هو من الأسكندرية أو مطروح أو أسوان أو مدن القناة والوادي أو محافظات الدلتا والصعيد، ومنهم من جاء فجرا، ومنهم من جاء ليلا وذلك لحجز مكان متقدم في الطابور، ومنهم من أرجعوه بلده ليأتي بأصل الروشتة أو أصل بطاقة المريض، رغم أن معظم الأدويه ليست مدرجة في جداول ممنوعة، فبعضها للجهاز الهضمي وبعضها لمرضي القلب وبعضها قطرات للعين والأنف وبعضها للعظام وللأطفال.
الطوابير رغم توفر المنتج
أي أنه ليس هناك مبرر لأصل البطاقه وتصويرها في رحلة بحث عن ماكينة تصوير!، والسؤال هنا: لماذا هذه الشركه المالكه لاتفتح فروعا لصيدليتها في بقاع الوطن لعدم تعذيب المرضي وأهلهم؟، وإذا كان هذا الإقبال على أدويه هذه الصيدلية فالفكر الاقتصادي يحتم عليها فتح فروع طالما المنتج متوفر والزبائن بالطوابير، وفي حالة رفض فكرة فتح الفروع مثلا، ونستمر في تعذيب مرضانا وأهاليهم!: لماذا لاتتعدد شبابيك التعامل مع المواطنين، ولماذا لانختصر الطوابير الأربع في طابور واحد، ولماذا لاتوفر هذه الصيدلية مقاعد بلاستيك أو خشب لراحة المرضي طول ساعات الطوابير؟، وماذا يمنع الصيدلية وشركتها المالكة من توفير ماكينة تصوير بالأجر بدلا من بهدلة الوقوف في الطابور والخروج منه للبحث عن مكان به ماكينة تصوير ثم العودة وقد يتكرر ذلك لتصوير مستندات أخري؟.
ومن يحاسب الشركه المالكه ومن يعنف صيدلية الإسعاف ومن يشعر بمعاناة المرضي وأهلهم في السفر وفي الطوابير، ومن يحقق للمواطن المريض كرامته؟، ومن يتم سؤاله عن هذه المعاناه في ظل الحياة الكريمة؟، ومن يحاسب هؤلاء لتعارضهم مع تشديد القيادة السياسية على التسهيل على المواطنين وخصوصا المرضي؟، ومن وراء هذا السلوك غير الإنساني؟، وإلى متي ستستمر معاناة المرضي وأهلهم في الطوابير بصيدلية الإسعاف؟، ولماذا اختفي إعلام الشعب من هذا المشهد المهين؟، وأين مسئولي هذه الشركة؟، وأين نواب الشعب؟، وهل هذه مسئولية وزير قطاع الأعمال الذي تتبعه الشركة، أم هى تتبع جهة أخرى؟، أم هى مسئولية وزير الصحة؟، أم مسئولية من؟.
الطوابير والحياة الكريمة
وأين الحياة الكريمة؟، وأين تحسين مستوى المعيشة؟، وأين التيسير علي المواطنين؟، وأين عصر التحول الرقمي؟، وهل ندخل الجمهورية الجديدة بـ الطوابير أمام أفران العيش، وطوابير الفراخ، وطوابير الميكروباص، وطوابير التطعيمات، وطوابير دفع الرسوم بالمدارس والجامعات والجهات الحكومية، وطوابير الشهر العقاري، وطوابير الأحوال المدنية، وطوابير وحدات المرور، وطوابير البنوك وماكينات الصرف، وطوابير المساعدات والإعانات، وطوابير المطاعم؟.
وأخيرا طوابير المرضي لصرف الدواء من صيدلية حكومية؟!، رجاؤنا التحرك نحو هذه الصيدلية وطوابيرها، إرحموا أصحاب المرض المزمن، إغنوهم عن السفر والمعاناه لصرف دواء مصري لمرض عادي، لأدوية ليست مجدولة وكفانا طوابير، وليكن شعار الحياة الكريمة وتحسين سبل المعيشة والتيسير علي المواطنين وعصر التحول الرقمي للخدمات وإيصالها لطالبيها، وعهد الجمهورية الجديدة الواعدة.
ليكن كل ذلك نهاية للمعاناة والطوابير ومشقة الصرف، ونهاية لهذا الروتين المتجذر في ثقافة البعض المغيب عن ملامح عصرنا، حتي يصبح للمواطن عموما وللمريض بالأخص كرامة لا يتم إهدارها وراحة لا تقتلها السفريات والطوابير، وتقديرا يحجب التعسف معه في سفر وطابور وتصوير ووقوف بالساعات.. إنها منظومة متكامله متداخله لايمكن إصلاح بعضها وترك البعض الآخر.. يرحم الله أهالينا وييسير علي مرضانا وينور بصيرة مسئولينا ويحقق شعارتنا مع واقعنا.. وتحيا دوما مصر.. آمين.