عبداللطيف التلباني النغم الحالم الذي تعرض لظلم كبير (1/2)
* صعب أن تصادف أذنك أغنية له، ولا يمكن أن تجد فيلما من أفلامه يعرض، ومستحيل أن تجد مسرحية تبثها إحدى القنوات المصرية!
* كان والده شيخ من رجال الدين، وقد رباه تربية دينية، ونشأ على خلق قويم
* عمل موظفا بوزارة الأوقاف بجوار دراسته، واستمع إليه رئيس إذاعة الإسكندرية حافظ عبدالوهاب في حفلة من الحفلات الجامعية
* كانت أول أغنية قدمها بعنوان (خليني على بالك) من تأليف محمد مكيوي، وألحان محمد غنيم
كتب: أحمد السماحي
عبداللطيف التلباني، أو النغم الحالم كما أطلق عليه، واحد من أجمل الأصوات المصرية التى تعرضت لظلم كبير جدا جدا، فأحيانا لأسباب معلومة واضحة، وأحيانا لأسباب أخرى مجهولة وغامضة، حيث نجد فى أكثر من بلد عربي أكثر من صوت غنائي مظلوم، وعبداللطيف التلباني صاحب الحنجرة العذبة المليئة بالشجن واحد من هؤلاء المظاليم، فرغم عذوبة صوته وتعاونه مع أساطين الكلمة واللحن ونجاحه في عصر العمالقة عندما كان النجاح صعبا وتقديمه لمئات من الأغنيات الناجحة وعشرات من الأفلام والمسرحيات، لكن كل هذا لم يشفع له ولم يحجب عنه الظلم.
والظلم يتمثل في نسيان عبد اللطيف التلباني طول الوقت، فصعب أن تصادف أذنك أغنية من أغنياته تبثها الإذاعة المصرية سواء الحكومية أو الخاصة، ولا يمكن أن تجد فيلما من أفلامه يعرض على الفضائيات، أو حتى في التليفزيون المصري، ومستحيل أن تجد مسرحية من مسرحياته السبعة التى قام بإنتاجها على حسابه الخاص في حقبة السبعينات وبداية الثمانينات تبثها إحدى القنوات المصرية!.
الشيئ الوحيد الذي يمكن أن تصادفه في ذكراه أن تجد برنامج إذاعي يتحدث عنه، ويذيع أغنية أو أثنين من أغنياته الشهيرة التى تتكرر في كل المناسبات التى تتكلم عن عبداللطيف التلباني وهى (برج الجزيرة، اللي روحي معاه، أفرحوا يا حبايب)، ونفس الأغنيات الثلاثة يمكن أن تزيد واحدة أو تقل تجدها في أي برنامج يعرض في التليفزيون المصري في ذكرى رحيله، لو تذكروا!.
الوحيدة التى تتذكره بانتظام شقيقته (أحلام التلباني) التى خصصت صفحة على موقع التواصل الإجتماعي تعرض فيها بعض من صوره، وتسجيلاته الغنائية المتوفرة عندها أو التى يرسلها إليها أحد المعجبين بفن عبداللطيف التلباني، ولو ظللنا نعتمد على السيدة (أحلام) فإن تراث هذا المطرب سوف يضيع نهائيا فمهما كانت الذاكرة الإنسانية أصيلة ورائعة ووفية فإنها لا تكفي للاحتفاظ بتراث فني عظيم، والإنسان مهما طال به العمر فإنه لا يمكن أن يكون خالدا على هذه الأرض.
وعبداللطيف التلباني قدم فنا جميلا، ولم يكن في إحساسه تجهم ولا كآبة ولا جفاف، بل أن فنه يمتلئ بكل ما في الشعب المصري من خفة دم وحرارة وحيوية، ويعبر عن عواطف إنسانية مرتبطة كل الارتباط بالواقع والحياة العملية، كان مطربنا الراحل الذي نحيي هذه الأيام الذكرى الـ 34 لرحيله، حيث رحل عن حياتنا يوم 10 يوليو 1989 يمتلك صوتا واسع المساحة جعله يتنقل بين المقامات المختلفة بيسر وسهولة، ومكنه من غناء أصعب الألحان بكل عذوبة وتقديمها للجمهور بطريقة السهل المممتنع.
عبد اللطيف التلباني ابن الشيخ
المتابع لمشوار عبداللطيف التلباني يجد أن مشواره الفني لم يكن سهلا، ولم يكن الطريق مفروشا بالورد، لكنه كان مليئا بالأشواك التى أدمت قدميه، لكن إيمان المطرب بموهبته وما يمتلكه من إصرار هذا ما أهله لأن يتجاوز الصعوبات كافة ويصل إلى النجومية، وينافس بقوة نجوم الصف الأول الذين سبقوه بسنوات طويلة.
ولد عبد اللطيف التلباني في قرية (العزيزية) مركز منيا القمح، محافظة الشرقية، عام 1936، وكان والده شيخ من رجال الدين، وقد رباه تربية دينية، ونشأ على خلق قويم، وبدأ ممارسة الغناء كهاوٍ منذ الصغر وكان يغني لرفاقه في المدارس الابتدائية، والثانوية، وكان مدرس الموسيقى ــ وكما جاء في بعض المجلات القديمة ــ يمسك العود وهو يغني لموسيقار الأجيال أغنيته الشهيرة في فترة الأربعينات (يا لوعتي يا شقايا!).
مفترق طرق عبد اللطيف التلباني
عشق عبد اللطيف التلباني صوت الموسيقار محمد عبدالوهاب، وكان يجد متعة في الاستماع إلى صوت محمد فوزي، ويشجيه صوت الموسيقار فريد الأطرش وغيرهم من عمالقة الغناء، وبعد انتهائه من الثانوية العامة كان عليه أن يختار ما بين تقديم أوراقه بمعهد المعلمين ببورسعيد ليتخرج مدرسا، أو كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، ووقع في حيرة شديدة بين المعهد والكلية، وبعد تفكير طويل عمل (قرعة) لتحدد له الكلية أو المعهد، وجاءت النتيجة لصالح كلية الحقوق جامعة الإسكندرية.
عبد اللطيف التلباني مطرب الجامعة
حزم عبداللطيف التلباني حقيبته وترك قرية (العزيزية) وسافر إلى الإسكندرية، وفي كلية الحقوق بدأت تتفتح هوايته، وسمعه زملائه الطلبة والأساتذة فكان مطرب كل الحفلات الجامعية، كان يغني أغنيات مطربه المفضل محمد عبدالوهاب، ويستمتع بإعجاب زملائه الطلبة وهم ينصتون له وهو يغني (كل ده كان ليه، والنهر الخالد، ودعاء الشرق) وغيرها، ونظرا لصعوبة الدراسة في كلية الحقوق، حول إلى كلية الآداب قسم (آثار) ليتفرغ أكثر للغناء خاصة بعد أن ذاع صيته في مدينة الإسكندرية وأصبح يغني لمعظم العائلات في أعيادهم وأفراحهم مجانا.
وفي هذه الفترة كان عبداللطيف التلباني يعمل موظفا بوزارة الأوقاف بجوار دراسته، واستمع إليه رئيس إذاعة الإسكندرية حافظ عبدالوهاب، في حفلة من الحفلات الجامعية، فقرر أن يقدمه من خلال إذاعة الإسكندرية، وتقدم للاختبار، وكانت لجنة الاختبار برئاسة رئيس الإذاعة ومؤسسها حافظ عبد الوهاب، وعضوية عبد الحميد الحديدي والشاعر والإذاعي والفنان أحمد خميس، ووافقت اللجنة على اعتماده مطرباً في الإذاعة، ونال اهتمام مدير الإذاعة حافظ عبد الوهاب، وأعطاه الرعاية والاهتمام التي سبق أن أعطاهم لعبدالحليم حافظ، أوبعد نجاحه في اختبارات الإذاعة غنى لكثير من ملحني الإسكندرية مثل (محمد غنيم، محمد الحماقي، جلال حرب، حلمي أمين) وغيرهم.
عبد اللطيف التلباني ومحمد مكيوي
كانت أول أغنية قدمها عبداللطيف التلباني (خليني على بالك) من تأليف محمد مكيوي، وألحان محمد غنيم، ثم (بلاش على الماضي نتكلم) كلمات محمود الأمبابي، ألحان محمد المصري، و(جمال الدنيا) كلمات علي حسن حموده، وتلحين محمد أبو سمارة، وأغنية (من عندك حبة) كلمات كامل الأسناوي، ولحن محمد الحسيني و(شراع الحب) كلمات حسن علي محمود، ولحن حلمي أمين، و(بريء يا حبيبي) كلمات محمد علي أحمد وألحان جلال حرب، وغيرها من الأغنيات، كما اشترك بالغناء مع محمد الصغير والمطربة رقية توفيق في الصورة الغنائية (باب التوبة) من تأليف عبد السلام أمين وتلحين إبراهيم عبد الله.
في الحلقة القادمة:
نتابع مشواره مع عمالقة الكلمة واللحن، ونتعرف على سر رحيله المفاجئ!