كتب : محمد حبوشة
استطاعت الممثلة السعودية إلهام علي ، بفضل موهبتها الفنية أن تحفر لاسمها مكانا وتضع نفسها بقوة في خارطة واحدة جنبا إلى جنب مع نجوم الدراما العربية خلال فترة زمنية وجيزة، وعلى الرغم من ظهورها فنيا جاء في 2013، إلا أنها أصبحت الرقم الصعب والثابت بين الممثلات الشابات في الأعمال الخليجية الحالية، مشاركة فيها بأدوار البطولة المطلقة تارة، وأدوار مشاركة أحيانا أخرى لتصنع لنفسها نجومية قائمة على التحدي وإبراز القدرات الخاصة التي تمتلكها، كانت انطلاقتها الأولى نحو فن التمثيل من خلال خشبة المسرح، وكان التليفزيون بوابتها الملكية للعبور بأمان نحو صعود هاديء على سلم النجومية والشهرة بأمان، ومن ثم عبرت من خلالها لتكون الممثلة السعودية الأكثر ظهورًا في الأعمال الخليجية.
إقرأ أيضا : دهشة ناصر القصبي وإلهام على في نهاية (مخرج 7)
قلت قبل ثلاث سنوات من الآن، أن إلهام علي هى النجمة السعودية القادمة بقوة، وقد اعتبرها – آنذاك – بمثابة زهرة برية يستنشق الجمهور عبيرها الآخاذ بشغف من خلال أدوارها المتعدة عبر 18 مسلسلا حتى الآن، وقد استطاعت أن تلفت نظر النقاد إليها حتى أن كثيرين منهم قالوا إنها أصبحت اسما لايمكن أن يمر مرور الكرام في الساحة الفنية، فمنذ ظهورها ثبتت أقدامها بقوة الأداء وحسن التجسيد، حيث تندمج مع الشخصية على مستوى سيكولوجي عميق، بحيث تتناغم ذاتيتها الخاصة مع ذاتية الشخصية التي تؤديها، وكما لاحظت من خلال مشاهدتي لأعمالها المتنوعة أنها حين تدخل إلى الشخصية تنشط ذاتيتها الخاصة وتفتح مسامها نحو عواطفها وخيالاتها، ما يدعها تتدفق إلى السطح، بينما هنا تكمن بصمتها الخاصة في قدرتها الاستثنائية على التحول التام للشخصية بحيث لا يبقى أي أثر لذاتيتها، إنها براعة الانسلاخ من الذات والتحول نحو الدور المراد تشخيصه.
أداء إلهام علي
وعندما راقبت أداء إلهام علي عن قرب وجدتها تملك قدرات خاصة في التماهي مع الشخصية وهذا هو نهجها منذ البداية، فهى تميل أكثر نحو التكنيك والابتعاد عن الذات في خلق الشخصية والتي وصلت إلى ذروتها في مسلسلي (أم هارون، ومخرج 7، اختطاف) وغيرها من أعمال صارت علامات مهمة في الدراما الخليجية التي تتمتع بالجرأة الاجتماعية والإثارة والتشويق، لتؤكد إن عمل الممثل بالأساس قائم على بحث العلاقة بين الإنسان وتعبيره أكثر من العلاقـة بـين الممثل والدخول في الشخصية المفترضة، ونتيجة لسعي الممثل لإيجاد تلاقي الأخيلة والصور الإدراكية لتناقضها أحياناً وما يفرز هذا التناقض من تصادم ذاتي وتضاد إزاء الرغبات والأهداف. أثبتت إلهام علي أنها ممثلة سعودية شابة تحاول جاهدة في أدائها الارتقاء والسمو وتجاوز الواقع لشخصيتها غير العادية، وذلك بفعل أخيلتها وآليات إنتاجها التعبيري الأدائي الفني والجمالي، لتقف في النهاية بفضل موهبتها على أرض صلبة فوق خارطة الدراما الخليجية، ومن ثم شقت طريقها بهدوء إلى أن وصلت للنجومية بعد خبرة تراكمية نتاج مشاركتها في العشرات من الأعمال والمسلسلات، ولعلها توجت تلك الرحلة التي تمتد لعشر سنوات بمسلسلها الأخير (جريمة قلب) الذي انتهت حلقاته الثماني على منصة (شاهد) قبل أيام قليلة.
مسلسل (جريمة قلب) يعد من الدراما الاجتماعية التشويقية، ويتميز بضمه مجموعة من الممثلين السعوديين الموهوبين، وتقدم النجمة إلهام علي في هذا العمل شخصية (ريتال)، وذلك لكسر النمطية والظهور بصورة جديدة على الشاشة، بعد نجاحها في عمل سابق ذو قصة مختلفة تماما في العام قبل الماض، وهو مسلسل (اختطاف) من بطولتها وزوجها النجم السعودي الشاب الصاعد بقوة (خالد الصقر).
إلهام علي وتحدي (ريتال)
وتشكل شخصية (ريتال) تحديا حقيقيا للنجمة إلهام علي، حيث لا تشبه إلهام نفسها على الإطلاق، وقد درستها بشكل كبير من خلال القراءات المتأنية والتجهيز للدور بشكل دقيق وعلى أرض الواقع، وقد اجتهدت إلهام في الاطلاع على الجوانب الطبية للشخصية لمدة ثلاثة أشهر، فأثرت عليها وأدخلتها مرحلة من الاكتئاب لقسوتها، وتعتبر هذه الشخصية تحديا حقيقيا للنجمة التي أصبحت ذات أسلوب خاص في التصدي لأدوار (السيكو دراما)، حيث يوجد ثمة لعبة نفسية عالية، جعلتها تتعاطف معها، وفي الوقت نفسه تكرهها لأن الإنسانية أحيانا تكون ظالمة، وهذا من منظور الشخصية وليس من منظورها الشخصي.
والحقيقة أن (جريمة قلب)، بطولة إلهام علي، يطرح علامة استفهام حول ما إذا كان كل ما تراه العين هو الحقيقية فعلا أم ثمة شيء آخر خفي وراء الأقنعة؟، لذا تميز المسلسل في سرده الدرامي وتفاصيله الدقيقة بالقوة والقدرة على اختراق حدود الممنوع أو المسكوت عنه في الدراما السعودية الحديثة، ومن ثم فقد وفر فرصة لكوكبة من الممثلين الشباب الواعدين في المملكة العربية السعودية، كما يعد إضافة جديدة لمنصة (شاهد) في السعودية.
إقرأ أيضا : دهشة ناصر القصبي وإلهام على في نهاية (مخرج 7)
(جريمة قلب) مسلسل لافت للانتباه على مستوى القصة التي كتبها فاروق الشعيبي، ومعالجة السينارية لسما وسونا تانسي، والإخراج لهاكان أرسلان، والأداء التمثيلي لفريق متجانس من النجوم الشباب، وقد جاء كدراما تشويقية ترصد رحلة تسلق تقوم بها إلهام علي (ريتال/ إلهام علي)، مع صديقتيها (أبرار/ سارة الجابر، وسدرة/ لبنى عبد العزيز)، وفي أثناء هذه الرحلة تحصل جريمة قتل تقع ضحيتها (أبرار)، وتحمل ريتال نفسها المسؤولية، فتدخل في دوامة من عذاب الضمير وتنقلب حياتها رأساً على عقب، وتقرر التكفير عن هذا الأمر، لكن كشفت مفاجآت وصدمات غير متوقعة بعد ذلك أثبتت براءتها ووقعها فريسة لابنة خالها (سدرة) وزوجها (مازن/ محمد علي)، لتنتهي الأحداث بموت (مازن) على أثر حادث سير مدبر من جانب (سدرة) التي ألقت بنفسها من فوق نفس المنطقة الجبلية الذي دفعت فيها (أبرار) في بداية الأحداث.
نضج تجربة إلهام علي
وظني أنه بوصول إلهام علي إلى حالة من النضج في مسلسل (جريمة قلب) أصبح يراهن عليها الجمهور الخليجي بأنها ستكون إحدى أفضل الممثلات السعوديات لما تحمله من موهبة كبيرة، رغم أنها واجهت كثيرا من الصعوبات خلال مسيرتها الفنية، أغلبها بسبب عيشها في بيئة محافظة، بالإضافة إلى المفهوم الخاطئ عن العمل في مجال الفن، على أن هناك أسماء نسائية كثيرة سبقتها وفرضت احترامها على الجميع، وربما تعاني كثيرا جراء (الشائعات البغيضة)، لكن إصرارها على التحدي والعمل بقوة على تجاوزها، إلى جانب تقديمها كثير من التضحيات التي تأتي على حساب صحتها، وبعدها عن عائلتها طوال أشهر لتصوير عمل ما، كل ذلك يعكس روحا عذبة تواقة إلى فن جيد يعبر عن بيئتها ويقدم النموذج والقدوة للمرأة السعودية التي تعيش مناخا آخر من الحرية التي منحها إياها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رجل المرحلة الذي يسعى إلى النهضة والتحديث.
جدير بالذكر أن إلهام علي تخرجت من معهد الفنون المسرحية بالكويت، وكان أول عمل تمثيلي لها بعنوان (حنين السهارى)، حيث أبدعت بدورها من أول طلة، وحصلت على جائزة أفضل ممثلة صاعدة، وبدأت الحصول على شهرة كبيرة وذاع صيتها الأمر الذي مهد لها أن تدشن حياتها كممثلة حقيقية لتتوالى أعمالها الفنية التمثيلية في مختلف الأدوار والشخصيات، ويعد عام 2013 هو البداية الحقيقية نحو الاحتراف في مسيرتها الفنية – أي قبل 10 سنوات وهى بفضل اجتهادها مستمرة في مشوارها حتى الآن، علما بأنها بدأت حياتها في المسرح ثم انتقلت لتقديم برنامجها الشهير (مكسرات) على القناة الأولى السعودية.
كان لـ (الهام علي) تجارب تمثيلية أولية على نطاق منطقة دول الخليج، من خلال عدد من المسرحيات، أهمها (فندق المشاهير، وملينا يا زحمة، وخميس كمش خشم حبش)، وفي مطلع عام 2012 قدمت أيضا سلسلة من الأعمال البحرينية، ونالت إحدى الجوائز في المسرح، تم ترشيحها لعمل في دولة الكويت وانطلقت خليجيا منذ مطلع عام 2014 بعدد من الأعمال مثل (للحب جنون، ريحانة)، فضلا عن أنها شاركت في (مع حصة قلم)، مما ساهم بانتشارها خليجيا بشكل كبير، وإضافة إلى ذلك فكان لـ (إلهام) وجود سينمائي في فيلم (أمل) الذي افتتح مهرجان أفلام السعودية قبل 7 سنوات، أضافة لفيلم عبدالعزيز الشلاحي (المسافة صفر) الذي حقق العديد من النجاحات والجوائز.
إلهام علي .. بدايات قوية
هى إذن بدايات قوية وملفته للانتباه حتى أن الناقدة الكويتية (ليلى أحمد) وصفتها بأنها صاحبة أداء فني متفرد تعطي للتمثيل كامل جوارحها شكلا وموضوعا، تمثيلها صعب ممتنع سهل كالماء وعميق كالبحر، ومع كل هذه الأعمال المتتالية فإن تجربة العمل مع ناصر القصبي في مسلسل (مخرج 7) ساهم بانتشارها وانتشار اسمها بشكل كبير لجماهيريته الكبيرة خليجيا، وتقول حول ذلك في حسابها على تويتر ردا على رسائل التشجيع والإعجاب بأدائها: (بدأت مشواري منذ عام 2012، لم أشهد طول مسيرتي هذا الدعم والتشجيع)، وربما هذا هو منهج ثابت لدى الفنان الكبير والقدير أحد رواد صناعة الكوميديا في الخليج والوطن العربي (ناصر القصبي)، صاحب المسيرة الممتدة لأكثر من أربعين عاما واجه فيها صعوبات كثيرة، ربما عبد بها طريق ناعما لإلهام وغيرها من نجوم الشباب السعودي المبشر.
إلهام علي : اختطاف .. بين روعة الأداء وإحباط النهاية !
إجمالا ومن خلال متابعتي لمسلسلي (أم هارون ومخرج 7) في موسم رمضان 2020، اتضح لي أن إلهام علي، هى من نوعية الممثل الجيد والناجح الذي يعرف كيف يتصرف أثناء الأداء لشخصية ما، وكيف يصنع وماذا يفعل وكيف يؤدي بطلاقة متحدثا بصوته الطبيعي مكونا علاقة وجدانية مع الممثل الآخر، وكيف يرى ويسمع وكيف يجيب بشكل طبيعي بكلمات دوره وحواره، كما لو كانت كلماته وحواراته شخصيا، هذه التلقائية لمستها عن قرب في أدائها، وظني أنها قادمة من الإحساس العالي والصدق والإيمان في الأداء والانطلاق والتحرر من كل إعاقة وتشويه في خلق الشخصية وتجسيدها على جناح الاجتهاد وصولا إلى التعبير المبدع والمؤثر، من خلال جملة من الوسائل الإجرائية التي توصلها إلى ذلك.
إلهام علي بحسب رأي الشخصي اكتملت أدواتها الفنية والإجرائية صوتيا وجسديا وشعورياً، بحيث يمكن استغلالها من جانب المخرجين لأداء احترافي وتجسيد كافة الشخصيات – حتى المركبة منها – فهي تملك القدرة على تقديمها أو تجسيدها وتمثيلها، كما بدا ذلك في مسلسل (اختطاف – 2021) بعد أن اجتازت مرحلة الهواية أو الرغبة وأخذ قسطا كافيا يؤهلها لأداء أي دور من الأدوار وتجسيد أو تقديم أي شخصية بشكل فني مبدع ومعبر من خلال التمارين المكثفة والمستمرة والتي تعينها في القدرة علـى تبني الشخصية الجديدة والبحث والحرث لإبعادها وحيثياتها وعلائقها مع الشخصيات الأخرى ومـع الأحداث ودورها في الصراعات، وكل ذلك جراء امتلاكها الموهبة التي تتمثل في التخيل والاستذكار، كي تستطيع استرجاع الصور المختلفة عن الشخصيات المختلفة، وإلمامها بقواعد الأداء التمثيلي (الإلقاء) من ناحية الصوت، والسيطرة على النفس، والقدرة على تقمص شخصيات الآخرين، كما لو كان أحد هذه الشخصيات قولا وعملا.
وفي النهاية لابد لبوابة (شهريار النجوم) أن تقدم تحية خاصة لتلك الموهبة السعودية التي زاد وهجها وتألقها بداية من موسم رمضان 2020، وبذلك تكون قد دشنت مرحلة جديدة في حياتها المهنية، مع أطيب الأماني لها بتحقيق كل طموحاتها في الفن والحياة.