كتب : محمد حبوشة
انتشرت في الآونة الأخيرة حالة من فوضى تكريم النجوم مع ظهور العديد من المهرجانات والفعاليات الفنية التى تشهد تكريمات عدد من نجوم الفن، دون الخضوع لمعايير واضحة فى اختيار المكرمين، وهو ما يثير دائما ضجة فى الأوساط الفنية حول مدى أهمية تلك التكريمات وقيمتها الحقيقية، خاصة وأنها لم تصدر من بعض المهرجانات فقط، بل أيضا حفلات اليوم الواحد التى تقام خصيصا لتقديم مثل هذه الجوائز والتكريمات.
نحن بلا شك نعانى بالفعل من فوضى تكريم النجوم، والسبب واضح أن هناك مهرجانات جيدة تتبع الدولة يتم خلالها عرض أفلام والحكم عليها واختيار التكريمات بناء على ذلك، وهناك حفلات توزيع جوائز وهى السبب الرئيسى لكل هذه الفوضى،
إقرأ أيضا : سر عزوف الجمهور والنجوم عن مهرجاني (جمعية الفيلم، والكاثوليكي)!
فالسجادة الحمراء هى جزء كبير للغاية فى جميع المهرجانات، فطوال الوقت يسعى القائمون عليها لاستقطاب أكبر عدد من النجوم فى حفلات توزيع الجوائز من أجل صناعة ضجة إعلامية للمهرجان، دون النظر إلى محتوى المهرجان نفسه، ومدى أحقية هؤلاء الفنانيين للتكريم من عدمه، وللأسف لا يوجد أى قيود تمنع ذلك .
فوضى تكريم النجوم
كنت قد كتبت هنا من قبل عن فوضى تكريم النجوم من خلال 14 مهرجانا سينمائية تقام في مصر سنويا، والمدهش في الأمر أن فعاليات تلك المهرجانات تمتد من العاصمة – صاحبة الحظ الأوفر – وتصل إلى معظم المحافظات الساحلية، وينصب الاهتمام خلال أيامها على حشد وفود من الفنانين كأحد أنواع الاستعراض، ليبدو الافتتاح أو الختام جميلا ومبهرا وقد امتلأت قاعة الفنادق المضيفة عن بكرة أبيها، يلى ذلك (إصدار) تصريحات مملة ومكررة ويشتم فيها رائحة فساد مالي تزكم الأنوف، حيث يعقبها ثناء مموج على مجهود إدارة المهرجان، ثم تلتقط الفلاشات لحظات استلام 90% من الحاضرين شهادة تقدير أو جائزة، جرى العرف ـ عادة ـ أن يعرف متلقوها مسبقا ما ستؤول إليه الأمور في النهاية، إلا فيما ندر من جدواها.
إقرأ أيضا : المهرجانات تهدد الأمن القومي الغنائي في مصر!
والآن ظهرت نوعيات أخرى من فوضى تكريم النجوم مثل (دواير، نجم العرب، مهرجان الفضائيات العربية، همسة للآداب والفنون، مهرجان التميز والجودة، ديرجست، ميديل ايت فاشون، مهرجان (الأفضل مابين الأفضل)، تحت رعاية راديو في السكة، (مهرجان الحياة لدعم الدراما وتكريم المبدعين) في محافظة بور سعيد)، ولكن يبقى الأمل على المهرجان الذي يقام بمدينة العلمين الجديدة، الخميس المقبل الموافق 13 يوليو الجارى، والذي يعد أكبر حدث ترفيهى فى المنطقة العربية، ويتمثل فى النسخة الأولى من (مهرجان العلمين).
وآخر مهرجانات فوضى تكريم النجوم، مهرجان يدعي أنه الأضخم في مصر والوطن العربي والذي يجمع بين نجوم السينما والمسرح والغناء، والمؤلفين والشعراء والرياضيين، والفاشون وخبراء التجميل والصحفيين والإعلاميين ورجال الأعمال وأصحاب الشركات، والميكب أرتيست ومصممين الأزياء وأرقي العارضات المحترفات من جميع أنحاء العالم، كذلك شركات الإنتاج الفني والسينمائي والمسرحي ومن لهم بصمات فنية.
ومؤسسي المهرجان هم :الدكتورة الاعلامية رشا شوقي، مديرة المهرجان، والدكتور الاعلامى أسامة البدرى رئيس المهرجان، والأستاذ أحمد علي أفندي، لمستشار الفني والإعلامي بالمهرجان، وقد كتب هؤلاء النكرات إعلاميا وفنيا ومجتمعيا في إعلانهم عن المهرجان: سارع بحجز مقعد قبل إكتمال العدد ، أسعار اشتراك الحضور والتكريمات (1000 جنيه،1500 جنيه، 2000 جنيه،3000 جنيه)، مع مراعاة أن الأسعار تختلف طبقا لجودة التكريم، كلما زاد المبلغ كلما زادت فخامة ورقى التكريم، بالله عليكم ماهذا العبث واستجداء التكريم، وعلى أي أساس يتم الاختيار سوى على من يدفع أكثر؟!
إلى متى تستمرالمهزلة؟
وبعدما أن عمت فوضى تكريم النجوم بسبب الأزمات التي تعانيها والصراعات القائمة على تنظيمها يرتسم السؤال التالي: إلى متى تستمر هذه المهزلة؟!، وما جدوى كل تلك المهرجانات التي تسيئ في غالبها ليس للسينما أو الغناء أو الدراما التلفزيونية فحسب بل لصورة مصر عموما، ولا تنعكس بصورة إيجابية على السياحة التي يتشدق معظمهم بجذبها إلى البلد، ولا حتى تفيد أهل المحافظة التي تقام فيها على مستوى الترويج السياحي لها، غير أنهم يصدعوننا بتلك التصريحات التي تسبق الدورة الجديدة أو في أثناء افتتاحها أو حتى طوال أيام الفعاليات التي تتمتع بعدم الحرفية والمهنية في مسألة اختيار الأفلام، واختيار المكرمين على هامش الدورة، وحتى لجان التحكيم التي ترى وحدها في الغالب الأفلام التي تقوم بتقيمه في ظل عزوف الجمهور عن الحضور، كما نلحظ من خلال خلو قاعات العرض من المشاهدين.
وسؤال آخر يفرض نفسه بإلحاح: هل التزمت وزارة الثقافة بتطبيق القرار الذى منحها حق الإشراف الكامل ـ ماليا وإداريا ـ على المهرجانات؟ أم استمرت الحياة كما كانت قبل القرار؟، ومن ثم نسأل سؤال أكثر أهمية: هل تشرف الوزارة وتتابع المهرجانات حقا؟، هل تراجع أوراقها؟ لتتأكد من مصادر تمويلها وحجم إنفاقها؟، هل تأكدت اللجنة العليا للمهرجانات وأعضاؤها الذين لهم كل الاحترام، من ميزانيات المهرجانات، وتنفيذ قرار رئيس الوزراء بألا يتجاوز الدعم الحكومى 40% من هذه الميزانية؟
إقرأ أيضا : مهرجان القاهرة للدراما في دورته التجريبية الأولى (ع الزيرو) !
أغلب الظن أن وزراة الثقافة تحرص على إقامة مهرجانات فوضى تكريم النجوم رغم علمها أنها تدار بنظام (السبوبة) ليس من باب دعم القوى الناعمة، ولكن من باب الوجاهة التي تنتهي بحضور حفل الافتتاح وأحيانا الختام، والنتيجة الحتمية التي تستمر حتى الآن أن نزيف ملايين الميزانيات في زيادة مرعبة، رغم أنه لا يستفيد منها فقط سوى منظموها دون أي مردود ثقافي أو فني يصب في خانة القوى الناعمة المصرية المزعومة، والذي (يغيظك) أكثر أن غالبية القائمين على مثل تلك المهرجانات غير مؤهلين بالمرة لاسينمائيا ولا ثقافيا ولا حتى صحفيا للقيام بتنظيم مهرجان سينمائي يسحبون عليه في الغالب صفة الدولية بزعم أنه تارة يعني بالسينما الأفريقية، أوسينما المرأة، أو للسينما الفرنكوفونية، أو للفيلم العربى، أو النجم العربي أو التميز من وجهة نظر القائمين على المهرجان، وغيرها من ادعاءات كاذبة لا تمت بصلة للهدف الثقافي، أو جدوى إقامة مثل المهرجانات غير إقامة سجادة حمراء لعرض أزياء النجوم.
فوضى تكريم النجوم والوعي
صحيح أن المهرجانات السينمائية الغنائية والدرامية، جزء مهم من صناعة الثقافية، بالإضافة لدورها فى صناعة الوعى، وكونها جزءا من القوى الناعمة.. فوجودها وكثرتها دليل حيوية، ولا غنى عنها، لكن ذلك مرهون بأن تكون فاعلة ومنضبطة وتضيف للمشهد الفنى، لكن فى الآونة الأخيرة كثرت المهرجانات التى تنتسب للفن، لكنها فى الحقيقة أشبه بنشاط ديكورى لا تضيف شيئا للصناعات الفنية، حتى بات غالبيتها أشبه بـ (سبوبة) في فوضى تكريم النجوم، يديرها البعض طمعا فى الدعم الذى تقدمه وزارة الثقافة للمهرجانات التى يقيمونها، وأحيانا لتبادل المصالح والدعوات و(الفسح) مع مهرجانات شبيهة فى دول أخرى، وهو ما يدعو لإعادة النظر فى جدوى وقيمة وجود هذه الأنشطة بالأساس، خاصة مع غياب سياسة محددة ومنضبطة لكل مهرجان، بما يجعل له شخصية مميزة أو جاذبة، فضلا عن غياب الجمهور عن فعالياتها، هذا الجمهور الذى يعتبر المستهدف الأول من صناعة الفن والثقافة بشكل عام، فإذا غاب الجمهور وغابت السينما الجادة فما فائدة مهرجانات لا تقدم شيئا ذا فائدة، أو إذا كان ما تقدمه لا يشاهده أحد ولايحقق الهدف الذي أقيم من أجله؟!
ظني أنه آن الأوان لوقف تلك مهزلة فوضى تكريم النجوم بامتياز في (مصر الجديدة) التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي وأتبعها بتصريحات حول زيادة الوعي لدى المصريين من خلال التركيز على فنون هادفة تسعى في جوهرها لاستهداف النشأ والشباب، ومن ثم ينبغي تفعيل قرارات مجلس الوزراء في هذا الشأن وأيضا إعادة النظر من جانب وزيرة الثقافة، جراء تلك المهرجانات التي تسيئ لمصر أكثر مما تفيد وتسنزف ملايين يمكن توفيرها لدعم (مهرجان القاهرة السينمائي الدولى) الذي يمثل الكيان الرسمي والمهم للتعبير عن الفن السينمائي المصري الحقيقي، وأيضا مهرجان الجونة الذي أثبت جدية كبيرة في دوراته الأربع الماضية على مستوى الشكل والمضمون، فلا جدوى من نمو كيانات سرطانية تقام لخدمة حفنة من الأفراد لايعون قيمة مصر الثقافية والفنية في وقت نحن أجوج ما نكون فيه لكل قرش يصرف على الوعي الذي يقصده الرئيس السيسي، والذي يهدف منه أن تكون مصر أم الدنيا بحق.
ومع ذلك فإنني أرى في فكرة إنشاء كيان موحد تحت عنوان (اتحاد للمهرجانات) تابع لمجلس الوزراء لها وجاهتها التي تتفق مع إطلاق (مصر الجديدة)، حيث تتعلق بتنظيم الفوضى العارمة في مهرجات السينما والغناء والدراما التلفزيونية، وحتى الفاشون وغيرها من الفنون في مصر التي أصبحت تعتمد على الشللية وأصحاب المصالح تحت مظلة الدولة ممثلة في وزارة الثقافة التي لاتراقب ولا تحاسب أحد بعد انتهاء دورة الواحد من تلك المهرجات التي لا تهدف بالأساس سوى لخدمة أجندة من يقومون بتنظيمها وحصولها على دعم نقدي يذهب لجيوبهم فقط وهو ما يمثل نوعا من الفساد المقنع .. اللهم بلغت .. اللهم فاشهد!