هند رستم .. فاتنة الجسد والروح (1/3)
* عندما نشاهد أدوارها الأولى لاتلفت النظر لا بجمال ملحوظ ولابقدرات تمثيلية
* هند رستم لم تلفت أنظار المخرجين كأنثي طاغية طوال ثمان سنوات
* حسن الامام رأي فيها جسدا وروحا، وإمرأة بالغة الفتنة والجمال
* كانت تتمتع بجمال خاص، بعيدا عن الجمال الخارق لـ (ماري كويني، وراقية ابراهيم، ومديحة يسري، وليلى فوزي)
بقلم الباحث والناقد السينمائي : محمود قاسم
لم ينتبه أكثر من عشرة مخرجين إلي الفتنة الزائدة التي تتمتع بها هند رستم من خلال أكثر من عشرين فيلما عملت فيهم الممثلة الشابة في ادوار صغيرة خفيفة طوال السنوات الأولي من حياتها الفنية بدءا من عام 1946، إلا مخرج واحد هو حسن الإمام الذي رأي فيها جسدا وروحا، وإمرأة بالغة الفتنة والجمال، وصارت نجمته المفضلة، لتصبح بطلته لسنوات طويلة وهو الذي قدمها في صورة الفاتنة بداية من فيلم (الملاك الظالم)عام 1954.
يعني هذا بداية أن هند رستم لم تلفت أنظار المخرجين كأنثي طاغية طوال ثمان سنوات منذ 1946 ومنهم (أنور وجدي، ويوسف شاهين، ومحمد عبد الجواد، وكامل حفناوي، وحلمي رفلة ونيازي مصطفي) وأغلبهم استعان بها فيما بعد ليبرز أنوثتها بعد أن صارت نجمة، بل أن أحدهم تزوجها، ويبدو أنه لم يلتفت قط الي هذه الأنوثة، وهو (حسن رضا) الذي عملت معه في دور صغير في فيلم مجهول هو (العقل زينة).
هند رستم وحسن الإمام
بل أن حسن الامام نفسه قدم هند رستم في دور صغير عام 1952 في فيلم (قلوب الناس) والطريف أننا عندما نشاهدها في هذه الأدوار لاتلفت النظر لا بجمال ملحوظ أوبقدرات تمثيلية، بل أن حسن الإمام نفسه في فيلم (الملاك الظالم) استعان بها مرتين كي تغني بصوت مطربة اسمها نادية فهمي، وفي المرتين بدا كأنما المخرج نزع عن نجمته كل مالم يلفت النظر فجعلها ترقص، وهى ليست براقصة، واكتشف فجأة أن هناك كنزا كان مختفيا، أين؟ لا أحد يعلم!
وسرعان ماصارت بطلته المفضلة في العام التالي في أفلامه التالية: (الجسد، وبنات الليل، واعترافات زوجة)، وسرعان ماتنقلب هند رستم لتصير أهم نجمة فاتنة في تاريخ هذه السينما، لكن ماذا حدث؟ هل قام المخرج بعمل صنفرة تامة لنجمته الجديدة التي صارت بطلة للعديد من أفلامه طوال اكثر من اثني عشر عاما؟!.
إقرأ أيضا : هند رستم مرعوبة من (شفيقة القبطية) !
تعالوا بنا نتوقف منذ البداية مع هذه النجمة، التى كانت تتمتع بجمال مختلف عن الجمال الخارق السائد آنذاك الذي كانت تتمتع به نجمات هذه المرحلة خاصة (ماري كويني، وراقية ابراهيم، وإلهام حسين، ومديحة يسري، وليلى فوزي)، وقد نجح حسن الإمام ومن بعده يوسف شاهين أن يجعلا من الممثلة التي تأخر اكتشافها إلى (مارلين مونرو الشرق)، فهناك تشابه واضح بين التركيبة الجسدية بين الممثلتين المصرية والأمريكية وليس فقط فيما يتعلق بطبيعة الأدوار التي جسدتها كل منهما علي الشاشة، وقد مثلت هند رستم المرأة الشعبية في الكثير من أفلامها تلف جمالها في رداء شعبي، وتكاد تنجح في أن تجسد الأدوار الشعبية، بالإضافة إلى دور الفتاة المثقفة، والأرستقراطية .
فتنة هند رستم
الغريب أن عمر هند رستم في أدوار المرأة الفاتنة كان قصيرا للغاية لم يتجاوز السنوات الست، فمع بداية الستينيات بدأت في القيام بدورالأم لممثل كان يصغرها في الواقع بثلاث سنوات تقريبا وهو حسن يوسف الذي قام بدور ابنها في أفلام منها: (الحب الخالد، وشفيقة القبطية، وامرأة علي الهامش)، ولم يدرك الناس أن ملكة الفتنة في السينما المصرية قد ظهرت في هذا النوع من الأدوار المثيرة مرات معدودة لكنها ظاهرة، فتركت آثارها في الذاكرة، ومن هذه الأدوار: (انت حبيبي، وصراع في النيل، واسماعيل يس في مستشفي المجانين، وابن حميدو) وغيرها.
إقرأ أيضا : حجاج أدول يكتب : أقول : ابن حميدو العمل الصالح !
نحن لانتحدث هنا عن سيرة الفنانة هند رستم، لكننا نتوقف عندالتركيبة التي جعلت منها امرأة جميلة فاتنة، خاصة أن مكتشفها ساعد في أن يبرز فتنتها بالإضافة إلى موهبتها التمثيلية التي برزت في الكثير من أدوراها، وهى تخلع عن جسدها ثوب الفتنة في أدوار بارزة منها: (الأخ الكبير) لفطين عبد الوهاب 1958، و(باب الحديد) التي رقصت فيه بجلباب باعة الكازوزة فكانت أشد فتنة وجمالا من الكثير من عاريات في حدود المسموح به، أيضا دورها في (توحة) إخراج حسن الصيفي، الذي لم تخلع فيه ثوب صاحبة الفرن متعددة الأزواج في منطقة شعبية .
سيرة هند رستم
انتبهت السينما إلى فتنة جسد هند رستم، فتعامل مع صاحبته كبار المخرجين في النصف الثاني من الخمسينيات مثل يوسف شاهين في (أنت حبيبي، وباب الحديد) ثم صلاح أبو سيف في (لاأنام، وبين السماء والأرض)، وعز الدين ذو الفقار في (رد قلبي) وفطين عبد الوهاب في (ابن حميدو، وساحر النساء، و إشاعة حب) وعاطف سالم في (جريمة حب، وصراع في النيل).
أما حسن الإمام فقد قدمها بين عامي 1955 ولمدة عشر سنوات في تسعة أفلام منها (الراهبة، عواطف، وهو والنساء) وغيرها
هند رستم .. الملاك الظالم
يمكننا أن نبدأ بدور هند رستم في فيلم (الملاك الظالم) عام 1954، لحسن الامام حيث ظهرت في مشهد واحد، على قسمين هو دور مطربة وراقصة في حفل خطبة محامية وضابط وتغني أغنية (آه ياسلام علي الهوي)، ورغم أن الفاتنة هنا ليست في الواقع راقصة أو مطربة فقد رأي الناس وجها جديدا بشكل مختلف تماما، ولأنها ليست راقصة فقد تحركت عضلات وجهها وجسدها أكثر من اللازم ببدلة الرقص.
وبدت هند رستم قطعة من اللحم الجميل الفاتن، ولعل هذا المشهد جعل حسن الإمام يدفع بالممثلة الي القيام ببطولة ثلاثة أفلام تعتمد فيها علي الجسد، لن ولم تخل من ملمح إنساني، فالمرأة الفاتنة هى ضحية لجسدها الجميل، ما جعل الرجال يتهافتون عليها في أماكن عديدة، هى ليست مخيرة بل مسيرة إلى طريقها، يعشقها رجل أكبر سنا هو صاحب العمل الذي يلتحق به أبوها، كما أنه والد الشاب الذي امتلك قلبها و ذلك في فيلم (الجسد)، حيث رأيناها تغني وترقص بنفس الطريقة التي رأيناها في (الملاك الظالم) في أغنية تحمل كلمات (عشقت كتير مادوبنيش غيرك انت ودوبني).
هند رستم وبنات الليل
في فيلم (بنات الليل) قامت هند رستم بتجسيد شخصية ابنة ليل تحب شابا ينتمي إلى أسرة شعبية ورعة طلب منها الزواج، وأرسلها إلى والدية في ليلة الاحتفال بمولد السيدة زينب، وهناك يقوم الأبوان باستقبال الفتاة الجميلة دون أن يعرفا ماضيها، فتتنازع بين الخير والشر، وتقرر التوبة إلا أنها تعود إلى الكبارية مجددا بعد أن يتم اكتشاف حقيقتها، الكاميرا هنا تصور ذلك الوجه الذي أصبح فاتنا في كل أحواله (البكاء، والضحك، والرقص)، وصارت نجمة ذلك العام 1955، وهى تقوم بدور لم تنجح فيه ممثلة بالقدر نفسه .
إقرأ أيضا : حجاج أدول يكتب: ابن حميدو فيلم مفرح مبهج رائع!
نجح فيلم (بنات الليل) وقدم هند رستم كفاتنة جديدة تتقدم نحو صدارة شباك التذاكر صاحبة وجه مقبول، وجسد متميز، وموهبة في خدمة الوجه والجسد، وقد قارن النقاد والصحفيون بين الفاتنة القادمة إلى عالم البطولات وبين ملكات الجمال على الشاشة، مثل (ريتا هايوارث) التي مرت بمراحل فنية مشابهة، حيث أن الممثلة الأمريكية ظلت لسوات لاتلفت الأنظار إليها إلا بعد أن تعرضت لعمليات تجميل عديدة، إلا أني لا أجزم أن الأمر تم بالنسبة لهند رستم كذلك، ولكن أقول أن ماحدث بالنسبة لها كان أقرب الي الصنفرة لاأكثر، وأذكر أن دفتر إعلانات فيلم (الجسد) بدت فيه هند رستم أقرب إلى نموذج جيلدا المرأة الفاتنة التي جسدتها هايوارث.
هند رستم وفيلم (الجسد)
بمطالعة صور هند رستم في كراس فيلم (الجسد) نجد أنها أقرب إلى ريتا هايوارث، حيث أن مارلين مونرو كانت لاتزال في بداياتها، والكراس ملئ بصور للنجمة المصرية الجديدة ترتدي ملابسها علي طريقة جيلدا، تكشف نصف صدرها الأعلي، واسعا بالنسبة لعروس مصرية، وامتلأ الكراس بكلمات المديح القصيرة صاغها أبطال الفيلم كتبت علي لسان (حسين رياض، وفاطمة رشدي، ومختار عثمان) يرحبون بالوافدة الجديدة الي عالم الفاتنات السينمائيات.
كان هناك تشابه ملحوظ بين موضوعي فيلمي (بنات الليل، والجسد)، وأيضا وجود النجوم أنفسهم، ومنهم كمال الشناوي، ولذا تكرر ظهور الممثلة كأنها في الفيلم نفسه، مثل ارتداء ملابس مكشوفة، وأيضا ملابس الرقص، وهى دوما تتمايل وتغني وتتصرف على أنها المومس الفاضلة، وقد كتب حسن الإمام في مذكراته التي نشرتها مجلة الشبكة: (لم يكن إغراء هند رستم في التعري، بل في فهم فلسفة الإغراء، الاغراء عندها نظرة، والإغراء عندها اختلاجة وجه، والإغراء مفاهيم جديدة ابتعدت به عن سذاجة عرض الجسد، ما كانت تعقل بين العين المصرية في ذلك الحين).
هند رستم وأنت حبيبي
بالطبع نحن لسنا مع المخرج الذي مزج بين الفلسفة والرقص، لكن لاشك أن المخرجين الذين التقطوا هند رستم بعد ذلك حاولوا الاستفادة من الفتنة التي بدأت تشع من الممثلة، ولعل دور (مايسة) في فيلم (نساء في حياتي) لفطين عبد الوهاب عام 1957، و(أنت حبيبي) ليوسف شاهين 1957 هى صورة من الاستفادة من نجاح سابق للممثلة، فهي راقصة ترقص على إيقاع أغنية المطرب سواء في الملهي الليلي، أو في القطار المتجه الي الصعيد.
وتبدو بدلة الرقص هنا بالغة الإثارة على مثل هذا الجسد أكثر مما يحدث بالنسبة لراقصات محترفات في تلك الآونة، ومنهن (زينات علوي) مثلا، وقد رقصت الممثلة علي إيقاع ثلاث أغنيات هى (مرة يهنيني ومرة يبكيني)، و (يامجبل يوم وليلة)، ثم (زينة والله زينة).. أنها امرأة في حالة رقص، تبدو دائما لاهثة وراء فتنتها.