بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
من المنازل التي كنت أحبها منزل الباشا الذي كان يستقبلني بالروب الحريري حيث أصل لشقته الكلاسيكيه بالزمالك، بدون موعد مسبق كعادتي، فلقد قال لي أن الشقه شقتي، أتحدث عن الفنان الذي أحببته كمال الطويل، بمجرد دخولي إلى الشقة، يحضر لي العصير الذي أنا في أشد الحاجة إليه، ويحضر لنفسه فنجان القهوة.
كعادتي في هذه الفترة كان ذهابي إلي كل أصدقائي من الفنانين وعلى رأهم كمال الطويل، من أجل الهروب من جحيم حجرتي في السيدة زينب، في حاره متفرعه من شارع زين العابدين، أو من حجرتي في بين السرايات، حيث كان موقعها تحت السلم، وبدون مطبخ ولا حمام، إذا أردت استعمال دورة المياه أقوم بإيقاظ سكان الشقه التي أمامنا لأستعمل دورتهم!.
إقرأ أيضا : كمال الطويل : تساقطت القنابل على القاهرة فولدت (والله زمان يا سلاحي)
حياه لا يتحملها أحد، ولا يعلم عنها أحد، حتي أن الأستاذ كمال الطويل كان يسألني: (ركنت عربيتك فين؟)، فلا أرد! وأدعي أنني لم أسمع السؤال، كان كمال الطويل يرتاح لي جدا، ويحبني جدا، ويفرح بي كلما قمت بزيارته، ليحكي لي كل شئ حتي عن طفولته فيقول لي: تصدق يا إبراهيم أن المظاهر هى اللي بتتحكم في البشر!
فأرد عليه : إزاي؟!
فيقول كمال الطويل: وأنا صغير كنت أشطر واحد في حصص الموسيقي، أيام ما كان فيه حصص موسيقى، ومع ذلك لما حبوا يختاروا رئيس لنا، أو مايسترو مننا كأطفال اختاروا حد غيري!
فأرد عليه: إزاي برضوا؟
فيقول: دا اللي حصل!
وأسأله: وأيه السبب؟
كمال الطويل والموسيقى
فيقول كمال الطويل: السبب إن الواد البليد اللي اختاروه ده كان غني وعنده بدلة، يعني هما اختاروا البدلة كمايسترو!، ويظل يحكي لي عن طفولته، وفي أحد المرات قال لي: أنت ما كلمتنيش أبدا في إني ألحنلك حاجه لذلك عندي ليك مفاجأة، اتفقت مع عبدالحليم حافظ تكتبله أغنية، وخدت منه 50 جنيه ثمن الأغنية، ولو انبسط من الأغنية، هاقله المبلغ اللي إبراهيم أخده دا عربون!.
ثم قال لي كمال الطويل ضاحكا: اتهيألي أنك قد انك تكتب لحليم؟
قلت له: قدها جدا، وحضرتك فرحتيني.
من بين السرايات كنت أصحو من النوم لأذهب للإذاعة، حيث لي في كل محطه أكثر من برنامج، أعود من الإذاعة على حديقة الأندلس، ومعي سندوتش طعمية، وعلبة سجائر، وعلبة كبريت، وأظل هناك أكتب في الأغنيه إلي أن أعود لصديقي الموسيقار (محمد نوح)، و بقية أصدقائي في كافيتريا (سوق الحميديه) بباب اللوق.
إقرأ أيضا : تعرف على لحن كمال الطويل الذي اختار كلماته صالح جودت وأعجب به سائق التاكسي
ظللت علي هذه الحالة، فترة طويلة، مختفيا عن كمال الطويل، الذي ظن أنني هربت من حمل هم الكتابة لحليم، والحمد لله أنني كنت قد رفضت أخذ المبلغ قبل أن أسلمه الأغنية، حتي لا يظن أنني قد هربت بالمبلغ إذا تأخرت عليه، ذهبت لزيارته ومعي الأغنيه كاملة، وعنوانها (فوق المحطة)، سألني الأستاذ كمال الطويل: يعني ايه فوق المحطة؟!، يعني قابلت حبيبتك علي المحطه من فوق؟!
فقلت له: لأ.. قابلتها في المحطة من تحت.
فيرد كمال الطويل: طيب ماتخلي عنوانها (في المحطة) عموما يالا سمعني، أخرجت الأغنيه من جيبي لأسمعها له، بعد سماعها أقسم لي أنها ستكون أجمل أغنية غناها حليم في حياته، ثم أضاف: بس طويله قوي يا إبراهيم!
فقلت له: هاختصرها.
فقال لي كمال الطويل: لأ وحياتك، سيبها زي ما هي، أنا عندي حل تاني، عبد الحليم يغني منها حته، وأنا أغني منها حته، وأنت كمؤلف تكمل بقيت الأغنية هو دا الحل الوحيد، وتنطلق ضحكته لتساع المكان.
كمال الطويل وحليم
أسمعها لعبد الحليم حافظ الذي سأله: هو عنده كام سنة؟!
فقال له الطويل: كذا وعشرين.
قال له حليم : طيب اتأكد أن هو اللي كاتبها، لأن ده مش أسلويب شاعر صغير في السن.
إقرأ أيضا : تعرف : كيف أنقذت زوجة (كمال الطويل) أغنية (يا واد يا تقيل) من السقوط ؟!
ويرد عليه كمال الطويل: دا مش جديد علي الوسط الفني، دا الشاعر اللي كتب لمحمد نوح (مدد مدد.. شدي حيلك يا بلد) و كل أغنيات نوح، تصدق يا حليم كل ما يكون معايا ضيف أجنبي وعايز يتعرف علي الموسيقي المصرية آخده على (شاليمار)، أو (لاروند) في الهرم يسمع محمد نوح، وبرغم أن الضيف ما بيعرفشي عربي، يخرج مذهول من المستوي اللي سمعه.
قال له حليم: علي بركة الله، ربنا يوفقك في اللحن، عايزك تمليني الكلمات أعايشها.
ويمليه كمال الطويل الكلمات التي تقول:
فوق المحطه.. وقفنا بنداري الدموع
كان كل شيء حوالينا م العالم حزين
صوت الكلام، لون الإيدين
كانت عنيكي الحلوه زي دموع قمر..
بتهزها ريح الٱلام
كانت شفايفك طير ضعيف
خانه السفر مجروح، ومش قد الكلام
يا عيني على الأيام ..
وأحلام الحبيبه والحبيب
………………………
دق الجرس..
مديت إيديا المرعوشين
دق الجرس..
من تاني صوته حزين حزين
واتحركت بيكي المحطوة..
وقفت في الشباك ..
أشاور ليكي..
كنتي بحور دموع
وياك رعايه الله
ساعتها..
انطفت آخر شموع
………………………
ووصلت بعيوني الحزينة..
للمدينه بدون شراع أو مركبه
طيفك معايا ..
في العيون البصه ليا بدون كلام
في كل إيد.. تتمد ليا بالسلام
في السكه.. في القمر الغريب..
في الصمت.. في كل القلوب الطيبو
وكتبتلك..
بحلم أعودلك بعد ما ضحك القدر
وغزلت شالك بالسهر
آن الأوان.. راجع إليكي خلاص..
بنجمة حب من حضن السنين
راجع إليكي بدبلتين
راجع إليكي يا قمر
راجع إليكي من السفر
………………………
دقيت و دق القلب فوق بابك ..
فتحتي.. مات على لساني الكلام
ونطقت بصعوبه السلام
رديتي بصعوبه السلام
صوتك غريب
لونك غريب
حتى طريقة بصتك
وعرفتي يومها قصتك
ومشيت وقلبي يا غاليه كان نازف..
وعازف لحن ثاني بدون وتر
دبلت طيورنا بعد ما اخضر الشجر
وقع القمر بينا ونام
زي الكلام إليكي القمر
أنا مش هاقول أبدا يا أحلى الذكريات..
إنت السبب
أصل السبب هو القدر
وقدرنا كان.. في نهايه المشوار غريب
يا عيني ع الأيام..
وأحلام الحبيبه والحبيب.
وللحديث بقية..