بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
في الخامس والعشرين من يونيو الماضى مرت الذكرى الخامسة عشر لوفاة الكاتب والمفكر والناقد الكبير الأستاذ سامى خشبة، دون أي احتفال أو إحتفاء بذكراه، حتى جريدة الأهرام لم تنتبه لتلك الذكرى، وهو الذى كتب بها سنوات طوال وملأ صفحاتها فكرا وثقافة ، وكان نائبا لرئيس تحريرها ومسئولا عن صفحتها الأولى يومين كل أسبوع، جراء عمله في الديسك المركزي، إلى جانب كتابته لمقال في شئون الاستراتيجية والفكر العالمي المعاصر احتل نصف صفحة أسبوعيا.
ولم يتوقف الأمر عند سامي خشبة على جريدة الأهرام فقط بل تجاهل الوسط الثقافي ذكرى الرجل الذى لم يكن صحفيا مخضرما فقط، بل مفكرا له اسهاماته الهامة في نقد الثقافة وفي قضية تحديث المجتمع المصرى، وله كتاباته النقدية في الأدب والمسرح ومنها كتابيه (شخصيات من أدب المقاومة، وقضايا المسرح المعاصر)، كما أصدر موسوعتين هما (مفكرون من عصرنا ومصطلحات فكرية)، وفي مجال الترجمة نقل إلى العربية عدة كتب في الفلسفة والنقد ومجموعة من المسرحيات، وإلى جانب ترجماته الهامة رأس تحرير مجلة الثقافة الجديدة و بعض سلاسل الكتب
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب : كشف حساب لجنة المسرح
وفي منتصف التسعينات شغل سامي خشبة منصب رئيس البيت الفني للمسرح بوزارة الثقافة، فأنار مسرح الدولة بعروض مازلنا نذكر معظمها، و في عهده حصل عرض مصري لأول مرة على الجائزة الكبرى في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبى، وهو عرض (الطوق و الإسورة) عن قصة الكاتب الكبير يحيى الطاهر عبد الله، ومن إعداد الدكتور سامح مهران ومن إخراج المخرج الكبير ناصر عبد المنعم، ولكن يبدو أن مقولة (آفة حارتنا النسيان) صحيحة تماما.
هكذا عرفت سامى خشبة
ولقد عرفت الأستاذ سامى خشبة فى منتصف السبعينات، عندما تولى تحكيم إحدى مسابقات المسرح بجامعة عين شمس مع الناقدة الكبيرة الأستاذة سناء فتح الله، وكنت مشاركا في تلك المسابقة أثناء التحاقى بالدراسات العليا بكلية التربية بعرض (الرجال لهم رؤوس) للكاتب الكبير محمود دياب، والتي مُنعت رقابيا ولم تقدم على مسارح الدولة، ولكن الرقابة – في ذلك الزمن – كانت تسمح لمسارح الجامعة بتقديم النصوص الممنوعة لليلة واحدة دون أدنى اعتراض، وبرغم فوز العرض بكل الجوائز الأولى في التمثيل والديكور والإخراج إلا أنه في التقييم النهائي كان العرض في المركز الثانى فأصابنى الإحباط، فكيف يفوز عرض بكل الجوائز الفردية ولا يفوز بالجائزة الكبرى، و خاصة أننا – كطلاب في الجامعة – كنا نعرف أن العرض الفائز بالمركز الأول – والذى لم يحصل على أي جائزة فردية – أخرجه مخرج محترف تحت اسم أحد الطلاب الذين لم تكن لهم سابقة في الإخراج. ولكن مقال للأستاذ سامى خشبة بجريدة المساء – وقت أن كان يعمل بها – أزال إحباطى واعتبرته أكبر من كل الجوائز، فلقد بدأ المقال بأنه بعد أن شاهد عرضى اتصل بالكاتب محمود دياب ليبلغه أنه شاهد (الرجال لهم رؤوس) كما يحب دياب أن تُقدم، وعلى مساحة صفحة كاملة بالجريدة مضى يثنى على العرض تمثيلا ويشرح مواطن الجمال في إخراجه، ولم يكتب عن عرض آخر من عروض المسابقة.
مر على تلك الواقعة ما يقرب من عشرين عاما توقف خلالها الاستاذ سامى خشبة عن الكتابة في النقد المسرحى بالصحف بعد أن انتقل الى جريدة الأهرام، ولم ألتق به خلال تلك السنوات برغم أننى قدمت عروضا عديدة لعل أهمها (أهلا يا بكوات)، كما مرت خلال تلك السنوات أحداث كثيرة اصطدمت خلالها بأكبر القيادات في وزارة الثقافة فكانت نتيجة الصدام إنهاء ندبى إلى المسرح القومى وعودتى إلى وظيفتى بالبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، فاصطدمت بالمسئول عنها ونتيجة للصدام أجبرنى ذلك المسئول على تقديم إجازة بدون مرتب كلما أخرجت للقطاع الخاص، في سابقة لم تحدث مع أي مخرج غيرى، بل وصل الأمر إلى عدم الموافقة على قطع الإجازة بدون مرتب بعد انتهائى من الإخراج، فأظل بلا مرتب لمدة ستة أشهر بسبب عرض أخرجته في شهرين، ثم تم تحويلى للتحقيق بتهمة الإخراج للمسرح القومى – برغم أنه مسرح حكومي – بدعوى أننى أخرجت بدون تصريح من السلطة المختصة، وهكذا صارت جريمتى الإخراج المسرحى .
شكوى عاصفة لوزير الثقافة
كتبت شكوى عاصفة وطويلة لوزير الثقافة أروى فيها قصة الصراع بينى وبين تلك السلطة، وكيف أنها باتت تتصيدنى، و تصر على تطويع القوانين لإيذائى والتنكيل بى، فنشر جزء من شكواى الصديق الناقد محمد الرفاعى على صفحات مجلة (صباح الخير) تحت عنوان شكوى المخرج الفصيح، فتم تحويلى للتحقيق – لا أعرف للمرة الكم – بتهمة التصريح للصحف بدون إذن السلطة المختصة، و في نفس الوقت تم تحويل شكواى من مكتب الوزير الى رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، وفي أول لقاء بينى وبينه مضى في تهديدى بسبب قسوة شكواى وما نُشر عنها في صحف كثيرة فقلت له أنى لا أختبأ خلف أحد وعندما أهاجم أنشر كلامى بنفسى وبتوقيعى وانصرفت غاضبا .
بعدها بأيام بدأ بالمصادفة هجوم صحفى ضخم وقاس على رئيس البيت الفني للفنون الشعبية لقضية أخرى لا علاقة لى بها، إذ تعمد إهانة رموز فنية في مجال الفنون الشعبية، واستمر الهجوم عليه أسابيع طويلة وأفردت له صفحات كثيرة وشارك في حملة الهجوم نجوم الوسط الفني، حتى صارت قضية رأى عام، كان فيها موقف هذا المسئول ضعيفا، ورأى السيد رئيس قطاع الإنتاج الثقافي أنى لم أشارك في تلك الحملة من قريب أو بعيد برغم أنها كانت فرصة لتصفية الحسابات ولكنى تعمدت الابتعاد، فأكبر لى هذا الموقف و قرر إعادة ندبى إلى المسرح القومى بقرار منه – فيما يشبه الفصل بين القوى المتحاربة -، لكن كل هذا لم يمنع اصطدامي بوزير الثقافة شخصيا بسبب أحد عروضى التي رأى فيها نقدا للدولة في عرض مسرحى حكومي أو حسب مقولة أحد المقربين منه: (بتعمل عرض يشتم الحكومة بفلوسها؟)، ولكنها سمة المسئولين دائما، يعتبرون أي نقد (شتيمة).
سامى خشبة والراسخين
كانت سنوات صعبة مليئة بالمعارك التي لم أقصدها ولم أسع إليها، وفي وسط تلك الأنواء جاء صوت من خلال التليفون يقول: أنا أسمى سامى خشبة، قلت: أهلا بيك يا أستاذ سامى، ألف مبروك تعيينك رئيسا للبيت الفني للمسرح، قال بصوته العريض: أنت عندك استعداد تتعاون معايا ؟، قلت له: بالطبع، قال: عندك ايه مشروعات؟، قلت له: عندى نص عاوز أقدمه للمسرح القومى ومضيت أحكى له عن النص، قال: بس أنا ناوى أخلى القومى للراسخين، ضحكت قائلا: ما أنا منهم، ثم استكملت في جدية: يا أستاذ سامى، بعيدا عن قضيتى هذه كلمة حق يراد بها باطل، فالمسرح القومى قدم أول نص مسرحى كتبه يوسف إدريس، وأول نص لألفريد فرج، وأول نص للدكتور فوزى فهمى، وأخرجه له الأستاذ كرم مطاوع وهو في الثلاثينمن عمره، أما أنا فلقد قدمت على المسرح القومى مسرحية (عجبى) منذ 10 سنوات، وبعدها (حكايات صوفية) في أول مهرجان تجريبى عام 1988، وبعدها بعام قدمت (أهلا يا بكوات) التي عرضت لمدة ثلاث سنوات، وفي عام 1994 قدمت (منمنات تاريخية) لسعد الله ونوس، وكلها عروض شهدت نجاحا نقديا و جماهيريا، فكيف يتم حرمانى الآن من الإخراج للمسرح القومى؟.
قال سامي خشبة في هدوء: عندك حق يا ابن الحلال (وتلك كانت لزمة لديه)، طب انت من وجهة نظرك ايه المشاكل اللى في البيت الفني؟ وايه طريقة حلها؟، اقعد اكتبهم كده وكلمنى بالليل في البيت.
وانتهت المكالمة بعد أن أعطانى سامي خشبة أرقام تليفوناته المباشرة في المكتب والمنزل.
و للبقية حديث آخر…