تعرف على أغنية كمال الطويل التى لحنت وكتبت على صوت القنابل
كتب : أحمد السماحي
كمال الطويل واحد من أساطين التلحين في مصر، الذي قاد هو وزملاء جيله (محمد الموجي، بليغ حمدي، منير مراد) ثورة لحنية وغنائية ألهبت خيال المصريين بكل ما هو جميل ورائع، خلال الأيام القادمة وبالتحديد يوم الأحد القادم 9 يوليو نحيي الذكرى الـ 20 لهذا العملاق الموسيقى المتطور والمجدد الذي سحرنا بقوة موهبته، وأعماله الغنائية الخالدة خلود الأهرامات والنيل وأبوالهول.
إقرأ أيضا : تعرف على لحن كمال الطويل الذي اختار كلماته صالح جودت وأعجب به سائق التاكسي
من الألحان التى لا تنسى لـ كمال الطويل، والتى كانت أول لقاء يجمعه بسيدة الغناء العربي أم كلثوم أنشودة (والله زمان يا سلاحي) التى أصبحت النشيد الوطني لمصر لمدة 19 عاما وبالتحديد من عام 1960 وحتى 1979، هذه الأنشودة الخالدة كتبها عبقري مصر صلاح جاهين، ولهذه الأغنية حدوتة جميلة جدا سنتوقف عندها هذا الأسبوع، والأسبوع القادم نظرا لأنها تحمل ذكريات مهمة للغاية، يجب على الأجيال الحالية الإطلاع عليها، خاصة ونحن نقترب من الإحتفال بثورة 23 يوليو العظيمة التى كانت نور ونار على مصر المحروسة.
كمال الطويل يحكى
كمال الطويل حكى ظروف تلحينه لهذه الأغنية لأستاذنا الكاتب الصحفي الرائع الراحل محمد الدسوقي، فقال: بعد النجاح الكبير الذي حققته أغنياتي مع (محمد قنديل، وسعاد مكاوي، وفايدة كامل، وعبدالحليم حافظ، ونجاة) طلبت أم كلثوم أن تراني، وكان الوسيط أحمد الحفناوي، عازف الكمان الأول في مصر والعالم العربي، وأبرز أعضاء فرقتها، وفي اللقاء الأول بيننا استقبلتني سيدة الغناء العربي بأحسن وأجمل ما يكون اللقاء، وهنأتني بحرارة على نجاحاتي، فقلت لها: والله يا ست أنا أقوم بعمل ألحان بسيطة جدا بالنسبة لقدراتك الكبيرة والعظيمة!، فردت علي بدهشة واستفهام وسألتني: يعني ايه بسيطة يا كمال؟
إقرأ أيضا : تعرف : كيف أنقذت زوجة (كمال الطويل) أغنية (يا واد يا تقيل) من السقوط ؟!
فصمت وقبل أن يسخن الحوار، ويتكهرب الجو، احتوت كوكب الشرق بذكائها الموقف وقالت بثقة لا حدود لها: (شوف يا كمال كل الأغاني التى تلحنها لعبدالحليم، وقنديل، ونجاة، تقدر تعمل لي ألحانا مثلها، وسوف أكون سعيدة جدا بها، لاتشغل فكرك كثيرا، ولا تضع في ذهنك أنك تلحن لأم كلثوم)، أمام هذه الحجة القوية، والكلمات الجميلة المشجعة لم أجد ما أقوله لها إلا: (إن شاء الله)، وتركتها بعدما طلبت مني أن أتصل بها باستمرار وأن أسأل عنها دائما.
كمال الطويل وأم كلثوم
ويستكمل كمال الطويل ذكرياته فيقول: بعد هذا اللقاء الجميل والمشجع بقيت لفترة طويلة من الزمن خائفا من الموقف، ثم بعد فترة من الزمن نزعت من رأسي حكاية التلحين لأم كلثوم، لقناعتي بأنني لو لحنت لها فلابد أن يكون تلحيني شيئا جديدا ومختلف عن كل ما قدمته أم كلثوم في السابق، بقيت على موقفي وقناعتي هذه إلى أن حدث العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، عقب قيام الزعيم جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس حدث العدوان فتفجر الغضب.
واشتعلت الحياة والمعارك على جبهات القتال، وهب الشعب المصري بكل طوائفه ليدافع عن أرضه ووجوده وحياته، وشملتني هذه الروح العظيمة، والتى لا مثيل لها على الإطلاق، وفي ذلك الوقت كان شقيقي (سمير الطويل) ضابط احتياط بالجيش المصري، وكان يشارك في موقعه العسكري، كنت فرحا به جدا، لأنه يشارك ولأنه في قلب المعركة.
كمال الطويل وصلاح جاهين
ويضيف موسيقارنا المبدع كمال الطويل: عندما كنت أتلقى أخبار المعارك أحسست في داخلي بعواطف شتى جياشة تملأ صدري وتسيطر على عقلي، وشعرت بالجمل الموسيقية تتداخل وتدوي برأسي، من أين أتى كل هذا؟! لا أعرف!، كل ما أعرفه هو أنني جلست إلى البيانو، والجمل الموسيقية تنهال على رأسي وعزفت بقوة على البيانو فجاءت المقدمة الموسيقية وكأنها تصحب جنود مصر إلى كل الجبهات، وعلى الفور اتصلت بصديقي الشاعر صلاح جاهين وقلت له: (أسمع هذا الخاطر اللحني يا صلاح)، واسمعته فقال بدهشة: (كمال سوف اتصل بك بعد دقائق)، وبالفعل بعد دقائق سمعت صلاح على الطرف الآخر يقول بصيحة فرح لا أنساها: يا كمال أسمع وأكتب ورايا :
والله زمان يا سلاحي، اشتقت لك في كفاحي
انهض وقول أنا صاحي، يا حرب والله زمان
ثم قال : (يلا يا كمال اشتغل في دول الآن)، واشتغلت وقبل أن أنتهي وجدته يصيح بي مرة ثانية وهو يقول لي بلهفة وسرعة: اسمع وأكتب يا ابو كمال :
والله زمان ع الجنود، زاحفة بترعد رعود
حالفة تروح لم تعود، إلا بنصر الزمان
هموا وضموا الصفوف، شيلوا الحياة ع الكفوف
ياما العدو راح يشوف، منكم في نار الميدان
كمال الطويل وأندريا رايدر
وهكذا ظل صلاح كل بضع دقائق يكمل لي الكلمات التى بدأها، انتهت الأغنية وأصبح اللحن جاهزا وبات قنبلة على وشك الأنفجار بوجه العدوان الظالم، ولكن عبر أي صوت؟، وبأية طريقة؟، ومن يغني بها؟، من يترجم كل هذا الحماس إلى شدو؟ فجأة قفزت أم كلثوم في ذهني، نعم أم كلثوم، ليس هناك عبقرية غيرها، أنها العظمة والشموخ والقوة والحماسة، ولم أضيع وقتا اتصلت بها على الفور وأنا أقف على أرض صلبة، ردت علي ومن دون الدخول في التفاصيل قلت لها: (يا ست أم كلثوم أنا إحساسي كان كذا ونقلته إلى صلاح جاهين فعمل هذه الكلمات وذكرت لها الكلمات فصاحت بي من دون أن تعطيني الفرصة لإكمال كلامي وقالت: (كمال أنت فين؟ انزل فورا أنا بانتظارك)!
إقرأ أيضا : المحذوف من دانتيلا (صلاح جاهين) وسعاد حسني وكمال الطويل
وعلى الفور وبأقصى سرعة ذهبت إليها فوجدتها قد أصبحت في صميم العمل، وأحضرت بعض أصدقائها العازفين المقربين منها مثل (أحمد الحفناوي، وعبده صالح، وإبراهيم عفيفي)، وبمجرد أن رأتني صاحت: (سمعني يا كمال)، أسمعتها، ما انتهيت من (ميلودي) اللحن، حتى قالت: (على بركة الله)، خرجت من عندها وكلي حماسة، وكأني ذاهب إلى معركة حربية، على الرغم من أنني كنت ذاهبا إلى الموزع الموسيقي (أندريا رايدر) الذي كان يقيم في منطقة (الزيتون)، أعطيته اللحن كي يقوم بتوزيعه، وقلت له: أندريا احنا مستعجلين جدا، غدا على الأكثر نكون جاهزين للتسجيل مع الست أم كلثوم، فطمأنني بأن كل شيئ سيكون جاهزا في الموعد المحدد.
وفعلا وفى (أندريا) بوعده وجاءني وذهبنا إلى فيلا أم كلثوم، وجدناها جاهزة مثلنا وحولها مجموعتها الموسيقية الشهيرة وعلى الفور بدأنا عملية حفظ اللحن، وفجأة!
الأسبوع القادم نستكمل باقي الحدوتة.