بقلم : بهاء الدين يوسف
شاهدت قبل أيام المسلسل المكسيكي الأم البديلة، أوThe Surrogacy الذي أنتج في العام الحالي لصالح شبكة نتفليكس التي لا تزال تعرض حلقاته الـ 24 على منصتها المدفوعة.
أحداث المسلسل، التي تبدأ في عام 2004 باختصار تدور حول زوجين شابين، الزوج ابن سيدة تملك واحدة من أضخم شركات الدواء في المكسيك وتملك نفوذا هائلا على السياسيين والشرطة والقضاء هناك، يقع الزوجان في مشكلة عدم القدرة على الإنجاب ما يضطرهما للجوء إلى الأم البديلة، ولما كان القانون المكسيكي يمنع تأجير الأرحام تقرر الزوجة الإيقاع بفتاة من السكان الأصليين لتحمل نطفتها، فتوظف عصابة من أخين لمطاردتها هى ووالدها، لكن خلال المطاردة يخطف الأب مسدس أحد الأخوين ويرديه قتيلا لتأتي الشرطة وتقبض عليه، هنا يظهر محامي الزوجين الأثرياء وهو فاسد أيضا ليقايض الفتاة بحمل النطفة مقابل إطلاق سراح والدها.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف: وراء كل منظمة عصابية مسؤول فاسد!
توافق الفتاة بالفعل وتتطور أحداث مسلسل الأم البديلة، لنجد الزوج الوسيم يقع في غرامها كاسرا كل الأعراف التي تحكم مجتمعه المخملي ونظرته الدونية للسكان الأصليين، وتضع الفتاة توأما فتاة وولد ينزل مشوها بمرض في قدمه ما يدفع الجدة الثرية صاحبة النفوذ (نورا) لتسريب الأم والولد من المستشفى سرا وتخبر ولدها وزوجته إن الطفل ولد ميتا.
الأم البديلة .. فيلم عربي
تدور الأحداث على مدى 15 عاما أو أكثر، وعلى طريقة الأفلام العربي أو الهندي تتعرض الأم البديلة وابنها للعديد من المشاكل واضطهاد ومطاردة الجدة الثرية الشريرة، لكنها تنجح في الحفاظ على ابنها الذي يظهر في النهاية إنه ليس ابنها وإنما هو من نطفة الزوجة الثرية، بينما الفتاة التي تعيش مع الزوجين والجدة في قصرهم المنيف هى أبنتها، ويظهر أن الأم البديلة أنجبت توأما من حالة طبية نادرة إنها وقت أن كانت تحمل جنين الزوجين في رحمها حملت بجنين جديد حينما أقامت علاقة مع الزوج الذي كان متواجدا معها في منزل منعزل لمراعاتها (ويبدو إنه بالغ في ذلك).
ومثل نهايات الأفلام العربية تأتي النهاية السعيدة للجميع بإصابة الجدة المفترية بشلل كلي، وتخلي الزوجة الثرية عن زوجها لكي يتزوج من الأم البديلة التي يحبها، ويتحد التوأمين الولد والبنت معا من جديد ويموت كل الأشرار.
بعيدا عن القيمة الفنية لمسلسل الأم البديلة التي سنتحدث عنها لاحقا فأن أكثر ما يلفت الانتباه تركيز المؤلف على إظهار حجم الفساد الضخم في مفاصل الدولة، وتحول الكثير من المسؤولين هناك إلى خدم لأصحاب المال ورجال الأعمال دون أي وازع من ضمير أو خوف من حساب، وهى حالة تنطبق على عشرات الدول في العالم الثالث الذي تنتمي إليه المكسيك، والحقيقة أن تلك الجرأة في الطرح تمثل النقطة الإيجابية الوحيدة تقريبا في العمل الذي أفسدته نتفليكس -كعادتها – بحشر ثقافة المثلية الجنسية في أحداثه دون داع.
الأم البديلة يرسخ للمثلية
الشبكة المدفوعة مسبقا وربما يكون أنسب وصفها بأنها الشبكة المدفوع لها لترسيخ ثقافة سخيفة بأن المثلية ستكون هي الأصل في المستقبل القريب بينما الاستقامة الجنسية ستكون هى الشذوذ وفقا لمعايير ذلك الوقت، وما فعلته الشبكة في مسلسل الأم البديلة يمثل نموذجا لما أقول، فهو يقدم حالتين للمثليين أولهما صديق لأحد أبطال العمل وهو شخص نبيل وجدع ويحمل كل الصفات الايجابية التي لا يملكها العديد من شخصيات المسلسل (المستقيمين جنسيا)، لكن المؤلف لا يقدم تبريرا واحدا لهذا الشخص والأدهى أنه يعيش تقريبا مع صديقه المستقيم الذي كان متزوجا وبعد موت زوجته تفرغ لتربية طفلته ثم تزوج مجددا بعد أن بلغت الطفلة مرحلة البلوغ، ما يعني أن هذا الشخص ضيع في الأوهام عمره.
الحالة الثانية: هى الطفل التوأم الذي ربته الأم البديلة واكتشف بعد بلوغه أنه يميل للرجال بلا أي سبب أو مشهد أو تعبير يبرر شذوذه، فالمهم بالنسبة للشبكة حشر بضعة مشاهد لأبطال العمل يعبرون فيها عن احترامهم للمثليين جنسيا وأن على الفتى أن يفخر بمثليته ويتباهى بها أمام العالم.
مسلسل الأم البديلة بشكل عام يمكن تصنيفه ضمن الدراما الساذجة التي تفتقد للمنطق حيث يتضح بشدة عدم رغبة المؤلف في إرهاق نفسه بتحليل الأحداث وإخضاعها للمنطق والعقل، وهذا النوع من الدراما تميزت به لسنوات طويلة الدراما المكسيكية التي كانت تعرض مدبلجة على شاشات بعض القنوات العربية، ولا أعرف في الحقيقة هل يتم تمرير هذه النوعية الرديئة من الدراما لأن الشعب المكسيكي ساذج لهذه الدرجة؟!، وأين النقاد المكسيكيين من الكتابة عن تلك الأعمال التي تسيء للفن المكسيكي، أم أن الفساد لم يقتصر على رجال الدولة فقط كما ظهر في المسلسل وإنما امتد الى النقاد الفنيين هناك أيضا؟!