بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
لماذا أصبحت الصحافه خجوله طيبه منكسرة بعد سيطرة التفاهة عليها؟، هذا سؤال أطرحه، وقد أكون على صواب، قد يكون السبب أني من الجيل الذي كانت الصحافة من أولوياته لمعرفة الأحداث ومتابعة ما يحدث في مصر الغالية من أخبار السياسة والاقتصاد والفنون والثقافة.
أتذكر عند عودتنا ليلاً وبعد العمل مع شقيقي محمد نوح في حفلات الجامعة من السادسة مساءً وحفلات السواريه التي تنتهي بعد الرابعة منتصف الليل وفي طريق عودتنا إلى مصر الجديدة، كان من أهم مطالبنا هو شراء الصحف لنعرف ماذا يحدث – قبل سيطرة التفاهة عليها – وفي الصباح نبحث أيضا عما أحضره البواب من باقي الصحف والمجلات ونقرأ لكتاب نعرفهم، وننتظر كتابتهم وبعضهم له يوماً محدداً مثل محمد حسنين هيكل ومقالته (بصراحة) التي ننتظرها يوم الجمعة.
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب : إعلام التفاهة يتجاهل شباب العلماء !
وبعدها تدور حوارات ونقاشات مع الأصدقاء – قبل سيطرة التفاهة – ويحدث ذلك مع كثير من كتاب آخرين منهم، أتذكر (علي أمين، مصطفي أمين، أحمد بهاء الدين، ثروت عكاشة، صلاح عيسي، عبد الرحمن الشرقاوي، زكي نجيب محمود، لطفي الخولي، جليل البنداري، سامي السلاموني ناقداً، إلى العظيم سلامة أحمد سلامة)، وكثير من كتاب في كل المجالات: فهل مازال لدينا نفس الشغف لمعرفة الأحداث، أم تغيرت الأحوال مع ظهور الصحافه الإلكترونية وشبكات التباعد ووسائل أخري مثل اليوتيوب وتويتر؟
سيطرة التفاهة على الصحف
ماذا حدث للصحافة التي شهدت سيطرة التفاهة عليها؟، لدي يقين أن لدينا عظماء وكتاب يستحقون المتابعة، ويمتلكون مهنية رفيعة المستوى.
ونعود للسؤال ماذا حدث عندما حدثت سيطرة حالة التفاهة، فهل السبب هو منافسة بين صحافة وإعلام السبوبة والصحفيين الحقيقيين؟!، وهنا قد تدهشنا النتيجه فقد أصبح بعض الصحفيون يسابقون (الترند)، وظهرت فتيات الموبايل لتسجيل الحوارات في الأفراح والمآتم والمهرجانات والحفلات، وظهرت وتوحشت صحافة (الترند) بنوعية جديدة من فتيات وشباب لديهم قدرة علي التواجد اللزج، واختراق كل الحواجز والتطفل من أجل الحصول على أخبار جماهيرية لبعض هواة الشهرة وأنصاف النجوم، وأحياناً سيدات المغامرات والحوادث من اعتداء وسرقات وطلاق ويصل الأمر أحياناً إلى امتهان لمناسبات مثل تقديم واجب العزاء!
إقرأ أيضا : محمد رمضان .. (أسطورة التفاهة) في الزمن الردئ !
وتزداد الدهشة في ظل سيطرة التفاهة عليها، ويستمر أصحاب القدرات الخاصة وتسويق الأخبار الساذجة، ولكنها مليئة بالتوابل للطيبين، وهم كثر في مصر المحروسه عليك فقط متابعة شبكات التباعد وتوابعها لتجدهم، لقد أصبح التسويق يسبق القدرات، كن نشيطاً متواجداً على تويتر وشبكات الهرتلة بكل أنواعها ولديك صفحات ومواقع وجروبات وطد علاقاتك بالطيبين والطيبات في القنوات الخاصة وقنوات (الترند) وتواجد، وافرض نفسك واقتلع كبريائك تتحول أنت الآخر إلى (ترند) وتعوم على سطح المشهد الطفيلي الطيب.
التفاهة لها جمهور
وأصبح التفاهة لها جمهور تم إعداد الخطورة، وذلك أن أصبح لكل فرد تافه الحق في أن يهرتل ويمتدح التفاهة، ويسوقها فيزداد عدد المتابعين ويزداد التسطيح العقلي، فهل لنا أنا نستعرض أسماء نجوم تلك المرحلة؟، سنجد وللحق لدينا عظماء وقدرات، فمصر لم تنضب أبداً، لكن أيضاً كثير من نجوم ساذجة وفنون طيبه وغناء لا معني ولا مضمون ولا موسيقي، و كل ذلك لا يأتي بقيم مضافة للمواطن، وأهمها الولاء، مثلاً: نوع عجيب من فنون الحواوشي مليئة بالتوابل ودون لحم حقيقي، وكما قال لي بعض مديرين الإنتاج إذا أردت المال فعليك بصحبة الورد!، وحين سألت كانت الإجابه بنوتة جميلة وراقصة ومطرب شعبي وقصة لبطل مفتول العضلات يعاني الظلم، ثم ينتصر!
إقرأ أيضا : (عم سيد) .. نموذج إيجابي لم تلتفت إليه الفضائيات الغارقة في التفاهة !
أصابني خرس وأدركت أن من يعمل وينجح في وسط هذا المناخ الفني ووسائل التباعد، إنما يستحق كل التقدير فهو يحارب كثير من جحافل (الترند) والاستسهال وفنون التفاهة، التي أصبحت على سطح المشهد وتطارد الباقي من محاولات لأعمال عظيمة وجيدة، مثل فيلم (الممر) في السينما و(بطلوع الروح وتحت الوصاية) في التليفزيون، و(شارلي) في المسرح، تلك فقط أمثلة لكثير من أعمال جيدة قد ينتصر عليها أعمال تغازل شباك التذاكر بالبلطجة والإسفاف ونجوم الضحك الممجوج واللحم الأبيض وفنون تأخذ من (الترند) الملعون، وهنا علينا جميعاً اليقظة والاهتمام بالنقد الموضوعي وتفعيل قيم الفرز حتي لا تنتصر التفاهة وتستمر ويحاسب أولادنا وأحفادنا على فواتير قد تكون باهظة الثمن.
التفاهة .. خطر حقيقي
ما يحدث أراه يشكل خطراً حقيقياً على الوعي المصري وتفاعل الناس مع ما يحدث في مصر والعالم، كفانا تلك التفاهة التي تسمى (ترند)، فقد استمعت أخيراً لمذيعة تحدثت وبثقة تطالب أن يكون أداء مناسك الحج آون لاين!، فهل تدرك عدد الأضاحي التي قدمها المصريون هذا العام رغم ارتفاع الأسعار غير المسبوقة، إنه إعلام التفاهة والاختلاف والخروج عن الجمع والبحث عن (الترند) الملعون، وهنا تأكيد أن بعض الإعلام المصري ومذيعات زمن الطفو سيطرت عليهم ثقافة التفاهة الترند الملعون وتلك خطورة أخشى منها ودفع فواتيرها لاحقاً، كفانا سيولة ورعونة أصبحت تشكل خطورة حقيقية، رجاء الانتباه.. مصر تنطلق وتستحق، فيلم (البس عشان خارجين) وعندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره فينتهي به الامر إلى مهزلة!!!