بقلم : محمد حبوشة
حيث تغزل فيها الذكاء الاصطناعي، شاركت الفنانة اللبنانية نادين نسيب نجيم، محادثة بين معجب بها وشات جي بي (Chat GPT)، بعد أن وجه له الأول سؤالا عن أفضل ممثلة في الوطن العرب، وأكد نظام الذكاء الاصطناعي في الصورة التي شاركتها الفنانة اللبنانية أنه من الصعب تحديد أفضل ممثلة في الوطن العربي، إلا أنه يعتقد أن نادين نجيم الأفضل لأنها قدمت أعمالًا متميزة.
وجاء نص رد الذكاء الاصطناعي: (هناك العديد من الممثلات الموهوبات في الوطن العربي، ومن الصعب تحديد أي منهن الأفضل، ولكن إذا كنت تبحث عن رأيي الشخصي، فأنا أعتقد أن (نادين نجيم) هى واحدة من أفضل الممثلات في الوطن العربي، لديها موهبة كبيرة في التمثيل، ومن جهتها أعادت نادين نجيم نشر تلك المحادثة معبرة عن صدمتها من إجابة روبوت الذكاء الاصطناعي الذي اعتبر أنها أفضل ممثلة في الوطن العربي، معلقة على الرد متعجبة: (رح تجننوني مع مين عم تحكوا يا جماعة؟ حتى الروبوت عارف شخصيتي!).
استخدام الذكاء الاصطناعي
هذا الحدث يعكس التطور الكبير الذي حدث نتيجة انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من الأشياء جعل الكثير من الأشخاص يبحثون عن كيفية استغلال هذه التقنية بشكل إيجابي ومفيد، أو حتى روية بعض الأشياء من زاوية أخرى كان لا يمكننا الوصول لها مهما حدث، هذا ما فعله (على الطويل) الشاب العشريني الذي قرر إعادة بناء صور شهيرة لنجوم الفن من الزمن الجميل لرؤيتها بالكامل عن طريق تقنية الذكاء الاصطناعي ومن بينها صورة كوكب الشرق أم كلثوم والنجم الراحل محمود عبد العزيز وغيرهم الكثيرون.
قال علي في حديثه له: أن بداية الأمر بدأ معه على سبيل التجربة، خاصة بعد علمه أن هذه التقنية الموجودة في الذكاء الاصطناعي يمكنها ترميم وإظهار الصور بشكل غاية في الروعة وليس فقط تعديل الصور أو بناء مشاهد ليست موجودة، الأمر الذي دفعه لصنع هذه الصور هو حبه وشغفه بنجوم الفن، خاصة الراحلين منهم، فهناك الكثير من الصور النصفية الجميلة التي طالما حلم أن يراها بالكامل كيف كانت ستكون.
وأضاف أنه بدأ في الأمر بشكل تجريبي حتى يعلم المتابعين لديه أن هناك تقنية قد تكون مفيدة لهم في تكملة صور لديهم، كما أردف أن الصور القديمة التي تعبر عن النوستالجيا والحنين للماضي غنية بالكثير من التفاصيل التي يحب الجميع أن يراها، كما أنها تعطي قيمة للصور حتى بعد عملية التعديل عليها، ولأن هذا الجيل بنسبة كبيرة متعلقاً برؤية كل ما هو نادر لا يمكنهم أن يروه بهذا الشكل، مما يصنع وجوداً لهم بشكل مختلف، خاصة بعد تكملة صورة كوكب الشرق التي ظهرت وكأنها تشرب فنجان قهوة، والنجم الراحل أحمد زكي ومحمود عبد العزيز وصلاح ذو الفقار.
وتابع أن الذكاء الاصطناعي قد يتعامل مع الصور الحديثة بشكل تقني و(خبيث) يجعل هذا البرنامج يبحث عن باقي التكملة من الصور المتاحة للشخصيات من على جوجل، ولكن المميز في اختيار هذه الصور أنها لقطات نادرة تجعل البرنامج يصنع جهد أكبر لتكملة الصورة بأكثر من شكل ويتم إختيار افضلهم، وربما رأى البعض أن فائدة الذكاء الاصطناعي في تعديل الصور أنه يوفر جهد ووقت للمصممين الذي يعتمدون على الجرافيك والفوتوشوب، وكل الجهد المبذول يأتي من الفكرة وكيفية صياغتها بالشكل الذي يريده المصمم لظهور عمل يرضيه ويجعل خطواته مميزة ومختلفة.
الذكاء الاصطناعي يغزو الفن
الحقيقة أن هذا البرامج بدأت تغزو عالم الفن ليس على مستوى تعديل الصور، ولو أنه أمر غير محمود بعد أن تمكنت البرامج أيضا من غزو صناعة الأغاني، بتقديم أغاني مزيفة بأصوات أشهر المطربين، ومؤخرا انتشرت أغنية مزيفة للمطربين الكنديينDrake & TheWeeknd من صنع الذكاء الاصطناعي، واستطاع صانع المحتوى جنى آلاف الدولارات مقابل هذا العمل الذي يندرج تحت مسمى التزييف والاحتيال واختراق حقوق الملكية الفكرية.
ولأنه الهوس أصاب بعض نجوم الفن سواء على مستوى تعديل صورهم بطريقة مبهرة، أو إنتاج أغان مزيفة وإقحام الربوت في التأليف والإخراج في استغناء واضح عن جيوش العاملين في تلك الصناعة، فأنني ألفت نظرهم إلى إعلان جيفري هينتون، الملقب بـ (الأب الروحي للذكاء الاصطناعي)، والذي قدم استقالته من منصبه في شركة (جوجل)، ونشر تغريدة قال فيها: (غادرت حتى أتمكن من التحدث عن مخاطر الذكاء الاصطناعي دون التفكير في كيفية تأثير ذلك على جوجل، وحذر (هينتون) من التهديدات طويلة المدى التي تشكلها أنظمة الذكاء الاصطناعي على البشر إذا تم منح التكنولوجيا قدرا من الاستقلالية أكثر مما ينبغي، الأمر الذي زاد من مخاوف صناع الفن سواء في هوليود أو الشرق الأوسط.
ياسادة استغلال الذكاء الاصطناعي في صناعة الفن لايمكن إغفاله أو في ظل أن الإنسان أصبح في مواجهة تحدي من نوع خاص، فتلك المميزات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي والقدرة على القيام بالوظائف البشرية المتعددة، قد يشكل تهديد للعنصر البشري نفسه الذي قام هو بخلقه وابتكاره، فقدرة التعلم الذاتي الذي تمتاز به الآلة بعد تغذيتها بالمعلومات تمكنها من تعليم نفسها ذاتيا وزيادة معلوماتها بعيدا عن الإنسان، وهذا خطر كبير جدا، ولا استبعد انفلات الأمور بشكل غير مرغوب فيه مستقبلا، مع التطور والانتشار أو من خلال التطوير الذاتي للآلة، لذلك نطالب العلماء بالبحث عن كيفية الاستفادة من التكنولوجيا، وفي نفس الوقت وضع قيود على تلك البرامج والأجهزة التي تطور من نفسها بعيدا عن تدخل الإنسان، خاصة أن فكرة الاستغناء عن التكنولوجيا غير واردة، ومن المستحيل استبعادتها، لكن من المهم العمل على توظيفها بما يخدم البشرية، وليس بما يحقق الضرر.
لقد أصبحت المسألة في الوقت الراهن تشكل تحديا لكتاب السيناريو والمؤلفين أكثر من كونها تهديد، بمعنى أن الإنسان مطالب بأن يجد لنفسه دور بديل، ومكان يحتاج لوجوده بالفعل، فمن الصعب الوقوف أمام العلم ومحاربته، فهذا التطور حتميا، وكان لابد وأن يحدث يوما ما، ومهما كان هناك محاولات لمواجهته، ففي النهاية سيكون هو السائد، وإن كنت أرى أن الفن المصنوع من قبل الآلة لن يستطيع منافسة الصناعة البشرية من حيث عناصر متعددة، منها الصدق وتجسيد المشاعر الإنسانية المختلفة أو تأليف قصة بعمق وحساسية (الجريمة والعقاب) مثلا، أو كتب نجيب محفوظ، وغيرها من كبار الكتاب، فالفن إحساس ومشاعر، ولن نجد تنوع بهذا الشكل، وفي رأي من الممكن أن يؤدي فقط الغرض منه بتقديم الحد الأدنى، وهذا في توقعي الشخصي، لكن الاحتمالات والفرضيات قائمة، وكل شيء جائز.
الذكاء الاصطناعي يسيئ للنجوم
وظني أنه لاتزال أزمة استخدام الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي في الإساءة إلى نجوم الزمن الجميل وتشويه تاريخ وتراث مصر الفني والغنائي، خاصة بعد طرح أغنية لكوكب الشرق أم كلثوم عبر التقنية الجديدة قدمها (المطرب والملحن عمرو مصطفى) مستمرة، وفتحت باب النقاش حول خطورة فبركة الأصوات والتعدي على حقوق الملكية الفكرية للمبدعين والحرية الشخصية للجميع، خاصة نجوم مصر الكبار، خاصة أنه وبعد طرح الأغنية، وصفها البعض بأنها (رديئة) من حيث الجودة والصوت والأداء، واتهموا مصطفى بالإساءة إلى أم كلثوم، وأثير الجدل بشكل أكبر حول مدى خطورة تخليق عمل لا يوافق عليه صاحب الصوت، وطرحه بكلمات لا يعرفها، وبجودة تقلل من صوته ومكانته، وزادت حدة النقاش بخصوص التخوف من استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الأغاني وغيرها من الأعمال المزيفة.
ورأيى في النهاية: علينا أن ننتبه لخطورة ما يجرى حولنا، خصوصا أن الموضوع لا يزال فى بداياته، ولو انتظرنا حتى تمر عليه سنة سوف يصبح واقعا، ولن نستطيع الوقوف فى وجهه، وبالتالى سيقضى على ما تبقى من تراثنا، لذلك أطالب فى أقرب وقت ممكن بعمل لجنة تضم بعض القانونيين، وبعض أعضاء نقابة المهن الموسيقية وجمعية المؤلفين والملحنين وأعضاء لجنة الثقافة والفن فى مجلس النواب، هذه اللجنة مهمتها الأساسية كيفية وضع ضوابط لاستخدام التراث، وحماية رموز الفن من التشويه، وكيفية الحد من خطورة الذكاء الاصطناعى فى مجال الفن، بحيث يكون هناك قانون ملزم لكل من تبيح له نفسه الاعتداء على رموز وتراث هذا البلد، لو فعلنا ذلك نستطيع حماية أنفسنا وتراثنا من السرقة والتشويه، خصوصا أننا مازلنا فى البداية، أما لو كبرنا رؤوسنا – كعادتنا دائما – فسوف تكون العواقب وخيمة خلال وقت قصير، وقتها لن ينفعنا الندم.