بقلم الكاتبة الخليجية : زينب علي البحراني
لا تكاد تكتمل حلقات برنامج يتحدث عن سيرة كبار الفنانين دون أن تستضيف إحدى حلقاته خبير تجميل المشاهير والمُنتج الفني المصري محمد عشُّوب فذاكرته مغارة ذكريات تتدفق بنهرٍ من الحكايات المُمتعة، خفة ظله وروحه المرِحة ساهمت في مد المزيد من جسور التواصُل بينه وبين المشاهير الذين يعمل على وجوههم فقرَّبته من تفاصيل حياتهم، حرصه على احترام الجميع وحفظ أسرارهم جعل من روحه صندوقًا لكمٍ هائل من تلك الأسرار، حرصهُ على إتقان عمله وولعه به قاد أقداره لوضع لمساته التجميلية على وجوه مشاهير السياسة بعد تخصصه بمشاهير الفن.
محمد عشُّوب .. مجنون مريم فخرالدين!
غالبًا ما يكون وراء كُل نجاحٍ كبير حكاية حُبٍ كبيرة لشخصٍ ما أو شيء ما، ونجاح محمد عشُّوب، بدأ من إعجابه غير المحدود بالنجمة السينمائية (مريم فخر الدين) عندما كان تلميذًا في الخامسة عشرة من عمره آواخرستينيَّات القرن العشرين إلى درجة أن المُحيطين به أطلقوا عليه لقب (مجنون مريم فخر الدين!) في ذاك الوقت كانت تُباع صور صغيرة للممثلين؛ فكان يشتري كل ما يمكنه شراؤه من صورها ويلصقها بغزارة على كتب ودفاتر المدرسة، ثم سعى للسؤال والبحث بكل طريقة ممكنة عن أي مكان يمكنه فيه رؤية (مريم فخر الدين) وجهًا لوجه، فقيل له أن منزلها في (الجيزة) بينما كان هو يسكن في (المَنيَل)، وباعتبار المسافة قريبة إلى حدٍ ما قرر قطع الطريق للوصول إلى الجيزة والسؤال هناك عن مكان بيتها، وظل يتسلل من المدرسة ليقف قرب منزلها يوميًا لعلّه يراها اثناء دخولها أو خروجها.
لفَتَ وقوفه نظر سائقها الخاص (العم فاروق) فأشفَقَ على هذا الولد الهادئ المُهذب الذي يمتاز بإعجابٍ واضِح للنجمة الشابة؛ فأخبره ذات يوم أنها ستصور أحد أفلامها في (قصر محمد علي) في المنيل، وما كان من محمد عشُّوب إلا أن ركض إلى قصر المنيَل، ليجد فريق عمل فيلم (بقايا عذراء) وعلى رأسهم المُخرج (حسام الدين مصطفى).
كان محمد عشُّوب مُبتهجًا بمتابعة نجمته المفضلة (مريم فخر الدين) ومعها (زكي رستم، شكري سرحان، وماجدة الخطيب)، لكن إعجابه بمُخرج الفيلم تصاعد أكثر وهو يرى شخصيته الجذابة المؤثرة التي تُدير العمل وتُلقي بالأوامر على بقية العاملين، وانجذب لقدرته على السيطرة وضبط كُل تحرُّكات المكان واستجابة الجميع لأوامره وسماعهم كلامه، فقرر أن يشتري للمخرج بمصروفه كل يوم علبة عصير راقية ليُعبر بها عن محبته للمُخرِج، إلى أن كان يوم صادف أن تأخر فيه قليلاً؛ وعند وصوله ناداه المُخرج قائلاً: (يا محمد!.. انت تأخرت ليه؟!)، عندها طار محمد عشُّوب فرحًا لأن المُخرج اهتم به وانتبه لغيابه وتذكر اسمه بل وناداه به أيضًا! ثم نادى المُخرج خبيرا تجميل الممثلين في الفلم (محمود متولي، يوسف طه) وقال لهما: (خذا محمد علماه المكياج لأنه سيكون أهم ماكيير في العالم العربي).
مرت الأيام والسنين، وتقدم محمد عشُّوب في المهنة من مُساعد ماكيير إلى ماكيير ثم إلى رئيس التجميل في في فيلم (الباطنية) الذي جمع مرة أخرى بينه وبين مخرج الفيلم (حسام الدين مصطفى)، فقرر أن يسأله عن سبب اختيار هذه الحرفة ليتعلمها بدلاً من اختيار غيرها، فأجابه قائلاً: (أنا عندي وُجهة نظر ورؤية في الإنسان اللي قدامي، فأشعر ده هيبقى مصور كويس، ده هيبقى ممثل كويس، ده هيبقى ماكيير كويس، ده هيبقى مخرج كويس، أو حيبقى منتج كويس، وأنا شفتك لقيتك حتبقى ماكيير كويس).
محمد عشُّوب ومرفت أمين
باعتباره من أُسرة مُحافِظة؛ اضطر محمد عشُّوب لإخفاء حقيقة تعلمه فن الماكيير السينمائي والعمل فيه خمسة أعوام تقريبًا، كان يذهب إلى المدرسة صباحًا وبعدها إلى مواقع التصوير التي يتعلم فيها، إلى أن تبناه مهنيًا أحد أهم خبراء فن التجميل السينمائي في مصر وهو الفنان (سيد محمد) وجعلهُ مُساعدًا له.
بين من تطورت بينه وبينهم علاقة مودة وصداقة وطيدة من الفنانين النجمة (مرفت أمين)، فكانت تشترط على الماكيير الخاص بها (علي إمام) أن يكون محمد عشُّوب مُساعدًا له في المكياج الخاص بها، عام 1974م رشحته للمخرج (محمد راضي) كي يكون المكايير الأساسي وليس مساعد ماكيير فحسب لفيلم (أبناء الصمت)، الذي كان من بطولتها مع أحمد زكي ونور الشريف وآخرين، وقالت له: (يا محمد أنا كنت منتظرة الفيلم اللي تظهر فيه موهبتك، لأني بقول إنك حتبقى ماكيير مهم جدًا في مصر)، من هنا بدأت إحدى أهم النقلات في حياته الفنيَّة، وكان الوحيد الذي حظي أهم الجوائز السينمائية على المؤثرات التجميلية والتشويهية التي أداها بإتقان هائل للممثلين في هذا الفيلم.
محمد عشُّوب وعبدالحليم حافظ
عمل محمد عشُّوب مُساعدا مع خبير التجميل الخاص بنجم الغناء عبدالحليم حافظ لتجميله في أفلام من بينها فيلمي (الخطايا، وأبي فوق الشجرة)، فتنامت بينهما علاقة ودية إلى أن أصبح فيما بعد خبير التجميل الأساسي له، وكان المسؤول عن تجميله في كليب أغنية (قارئة الفنجان) الشهير، كما عمل مع النجم (أحمد زكي) في باقة من أهم أفلامه كان أبرزها فيلمي (البيه البوَّاب، وأيَّام السادات)، والفنانة (نادية الجندي) في أشهر أفلامها وصولاً إلى مُسلسل (مشوار امرأة)، وشارك في العمل على أفلام أجنبية شهيرة تم تصويرها على أرض مصر مثل (كليوباترا، الخرطوم، والإنجيل)، وتعاون مع الماكيير الخاص بالنجمة العالمية (صوفيا لورين) خلال تمثيلها في مصر، وتعاون مع ماكييريين إنجليزيين خلال تصوير فيلمي (الرسالة، وعُمر المُختار) الشهيرين.
محمد عشُّوب والرئيس مبارك
موهبة محمد عشُّوب المتميزة في التجميل قادتهُ لأن يحظى بفرصة وضع لمساته الفنية على وجوه بعض الرؤساء قبل مواجهتهم الكاميرا في بعض التسجيلات التلفازية، وكان منهم: (مُعمر القذافي، الملك حسين، ياسر عرفات، صدام حسين وآخرون)، وأصبح الماكيير الرسمي للرئيس المصري السابق مُحمد حُسني مُبارك لأعوام طويلة انتهت عام 2009م.