* حمدي غيث ينقذ مستقبله ويقدم له في معه الفنون المسرحية
* تعلم الكثير من الأمور الفنية بسبب حضوره البروفات المسرحية لشقيقه المخرج
* دنشواي الحمراء أبرزت موهبته وإمكاناته الفنية
* كان أول أفلامه في السينما عام 1962 من خلال فيلم (لا وقت الحب) الذي اجتمع فيه ثلاثة نجوم من الشرقية
* سعد الدين وهبه كان وراء بطولته لفيلمي (أدهم الشرقاوي، والحرام)
* تزوج من ابنة عمه وهو في الثامنة عشر، والرئيس معمر القذافي أرسل له طائرة خاصة
كتب : أحمد السماحي
ما زالنا مع مشوار واحد من عمالقة الفن المصري الذي تميز أدائه بالتلقائية والبساطة والذوبان التام في الشخصية التى يؤديها، منح عبدالله غيث، ملايين المشاهدين العرب فرصة المتعة السمعية والبصرية وهم يتابعون أعماله المشغولة على نبض أحلامهم وآمالهم وانكساراتهم، والمنحوتة جماليا من الواقع والمستعادة من التاريخ.
أطلق زميله الفنان صلاح قابيل لقب (الجامد) على عبد الله غيث الذي لازمه طوال مشواره الفني، ويحسب لهذا العملاق الذي أجاد التمثيل باللغة العربية الفصحى كأنه شيخ من شيوخها، أنه واحد من الفنانيين القلائل الذين أصلحوا المفهوم الفني عن الفلاح المصري، وغير صورته على الشاشة سواء في السينما أو المسرح أو التليفزيون، وكان فخورا بهذا ويذكره في كل أحاديثه.
إقرأ أيضا : المهرجان القومي للمسرح يكرم سمير غانم ودلال عبدالعزيز وعبدالله غيث وإلهام شاهين
فى الحلقة الماضية، توقفنا عند نشأة عبد الله غيث وعشقه للفن ولـ (يوسف وهبي) والأعمال الدرامية عكس معظم الأطفال الذين يعشقون الأعمال الكوميدية، وكيف ظل يتذكر مسرحية (مصرع كليوباترا) التى كانت أول مسرحية يشاهدها فى طفولته؟!، وأداء أبطالها خاصة عيون (حسين رياض)، وكيف أثر عشقه للفن على دراسته بالسلب؟! رغم أنه لم يكن يمثل فى طفولته، وبعد حصوله على التوجيهيه لم يستكمل دراسته وعمل كفلاح في أرضهم التى ورثها عن والده، وسفر (حمدي غيث) لباريس لدراسة التمثيل، وعودته وعمله كأستاذ في معهد الفنون المسرحية.
عبد الله غيث ومعهد الفنون المسرحية
بعد رجوع (حمدي غيث) من الخارج رفض أن يضحي شقيقه الأصغر عبد الله غيث، بمستقبله، ويكتفي بالعمل كفلاح، لأنه كان يعلم مدى عشقه للفن لهذا، قام بتقديم أوراقه إلى معهد الفنون المسرحية، وسعد (عبدالله) بهذه الخطوة جدا، لهذا تفوق جدا فى امتحانات القبول، وأثناء دراسته في المعهد كان يحضر يوميا مع شقيقه المخرج (حمدي غيث) البروفات المسرحية التى يجريها (حمدي) مع أبطال مسرحياته، وتعلم الكثير من حضوره هذه البروفات، وكثيرا ما ظهر على خشبة المسرح القومي تحديدا فى أدوار هامشية أو صامتة لإنقاذ موقف، أو لوجوده الدائم بجوار شقيقه (حمدي) الذي كان أحد أعمدة المسرح المصري القادمة من الخارج وتحمل ثقافة عالمية انعكست على مسرحياته التى أخرجها للمسرح المصري.
عبد الله غيث.. لا وقت للحب
على مدى عشر سنوات منذ تخرجه من معهد الفنون المسرحية، قدم النجم الشاب عبد الله غيث، العديد من الأدوار المسرحية التى شهدت بموهبته الفنية وتمكنه الشديد من أدواته، مثل (دشواي الحمراء، مأساة جميلة، ملك القطن، المحروسة)، وخلال هذه السنوات العشر لفتت موهبته الطاغية وأدائه البسيط العميق أنظار بعض مخرجين السينما فقدمه المخرج (صلاح أبوسيف) عام 1962 في فيلم (لا وقت للحب) قصة الكاتب والأديب (يوسف إدريس) وبطولة (فاتن حمامه ورشدي أباظة)، وكان الجميع يتندر على أن مؤلف والبطل الأول والثاني للفيلم من محافظة الشرقية.
عبد الله غيث وأدهم الشرقاوي
بعد الضجة الكبيرة التى أحدثها أوبريت (أدهم الشرقاوي) تأليف محمود إسماعيل جاد، إخراج يوسف الحطاب، فى الإذاعة والذي قام ببطولته تمثيليا (محمد السبع، كريمة مختار، أحمد أباظة، زوزو ماضي، روحية خالد، عبدالغني قمر)، وقام بأدائه غنائيا المطرب محمد رشدي، قررت السينما إعادة هذا العمل بشكل جديد، فاستعانت بقصة الكاتب (زكريا الحجاوي) ووضع السيناريو والحوار (سعد الدين وهبه)، ورشح مخرج الفيلم (حسام الدين مصطفى) أكثر من نجم سينمائي لبطولة الفيلم، لكن ملامحهم الوسيمة وعدم إتقانهم للهجة الريفية منعته من الاستعانة بهم.
وهنا تدخل الكاتب (سعد الدين وهبه) ورشح (عبدالله غيث) الذي سبق وتعاون معه في مسرحية (المحروسة) فى دور فلاح، وقام بأداء الدور بأفضل ما يكون، واقتنع (حسام الدين مصطفى) بوجهه نظر (سعد الدين وهبه) ورشحه لمنتج الفيلم (رمسيس نجيب) الذي رحب به جدا، حتى يحسب الفيلم لزوجته فى هذا الوقت النجمة (لبنى عبدالعزيز) التى كانت تعيش أوج نجوميتها.
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، بعد عرض الفيلم خرج الناس من دور العرض، واسم النجم الجديد عبدالله غيث على ألسنتهم، ونسوا كل الأبطال الذين شاركوه البطولة.
عبد الله غيث والحرام
اعتقد النجم الشاب عبد الله غيث، في هذا الوقت أن نجاحه الكبير في فيلم (أدهم الشرقاوي) سيضعه في مصاف نجوم السينما الكبار فى هذا الوقت (كمال الشناوي، رشدي أباظة، أحمد رمزي، صلاح ذوالفقار، عماد حمدي)، لكن نظرا لعدم تمتعه بوسامة هؤلاء النجوم، وتفضيل السينما للجمال، فرجع مرة أخرى للأدوار الثانية فشارك في دور بسيط في فيلم (ذكريات تلميذة)، ثم رشحه الكاتب (سعد الدين وهبه) لدور الفلاح القعيد في فيلمه الشهير (الحرام) أمام (فاتن حمامه، وزكي رستم) وسعد عبدالله غيث، بالدور جدا فرغم صغر مساحته إلا أنه مليئ بالتمثيل والأداء، ففي بداية الفيلم يظهر كفلاح مليئ بالرجولة والحيوية والنشاط، وعندما يصيبه المرض يجلس قعيدا ذليلا يشاهد زوجته وهى تعمل بدلا منه.
كمال الطبال سبب شهرة عبد الله غيث
أثناء تمثيله لدوره في فيلم (الحرام) نشرت الجرائد أخبارعن بطولة النجم (فريد شوقي) لبطولة المسلسل التليفزيوني (هارب من الأيام) قصة الأديب (ثروت أباظة) إخراج نور الدمرداش، بعد النجاح الكبير الذي حققه (فريد شوقي) في الإذاعة لنفس القصة، وكان يشاركه في دور بسيط عبدالله غيث، وبدأت الأخبار تتوالى عن المسلسل والأبطال الذين سيتقاسمون مع (فريد شوقي) البطولة.
وقبل أيام قليلة من بدء تصوير المسلسل اعتذر وحش الشاشة عن البطولة حيث خشى من التواجد يوميا على شاشة التليفزيون لمدة أسبوعين أو أكثر فيحرق نجوميته السينمائية، ووقع المخرج (نور الدمرداش) في حيرة وسأل نفسه من النجم الذي يستطيع إنقاذ الموقف ويؤدي عبد الله غيث دور (كمال الطبال) الفلاح العاشق في صمت، الذي يتحول لمجرم ترتعب منه القرية، والقادر على أداء اللهجة الريفية بمهارة شديدة ويستطيع حفظ دوره بسرعه، هنا تذكر بحكم تردده على المسرح القومي كثيرا زميله الفنان الشاب (عبدالله غيث) فأسرع إليه بالدور.
لم يصدق عبدالله غيث نفسه خاصة وأنه كان يحلم بدور (كمال الطبال) وهو يؤدي دوره الصغير مع (فريد شوقي) فى الإذاعة، ووافق على تأدية الدور، وفي أيام قليلة حفظ كل المسلسل وليس دوره فقط، وقام بتأدية دوره على أفضل ما يكون، وعرض المسلسل، وحقق نجاحا كاسحا، وأصبح (عبدالله غيث) فجأة نجم النجوم، الصحافة تبحث عنه لإجراء حوارات معه، وبرامج التليفزيون تتصل به لاستضافته في برامجها، والشارع المصري يهتف باسمه طوال عرض الحلقات.
عبد الله غيث وثمن الحرية
بعد النجاح الكبير الذي حققه كان يعتقد أن السينما ستصالحه وتعطيه حقه، لكن هذا لم يحدث، ورجع للأدوار الثانية والثالثة فقدم (السمان والخريف، حكاية من بلدنا، المرايا)، لكن كان التليفزيون وفيا معه، فقدم له كثير من أدوار البطولة التى حفرت إسمه بحروف من ذهب، وأظهرت موهبته، وإمكاناته الفنية.
عبد الله غيث وانتوني كوين
جاء فيلم (الرسالة) للمخرج السوري العالمي (مصطفى العقاد) كرد اعتبار من السينما العالمية وليس من السينما المصرية أو العربية لموهبة هذا العملاق المصري، حيث أشاد بموهبته كل نجوم العالم الذين شاهدوا الفيلم، ونظرا لأهمية الفيلم تعالوا بنا نتوقف مع ذكريات عبدالله غيث، وكيف وقع الاختيار عليه حيث صرح بذلك في أكثر من برنامج تليفزيوني: تلقيت مكالمة من المنتج المصري من أصل أرمني (تاكفور أنطونيان) ليقول لي: (إن هناك مخرجا عربيا أمريكيا سيعمل فيلم عالمى اسمه (الرسالة) ويريد ممثلين مصريين، ويريد مقابلتك)، ولم آخذ الموضوع بجدية، لأنه سبق وجاء إيطاليون، وطلبوا نفس الأمر، وصورونا لكن الأدوار كانت بعيدة تماما عن مكانتنا وفيها إساءة لنا.
وأضاف عبيد الله غيث: (بعد أيام من هذه المكالمة قابلت شابا سوريا كان مساعد المخرج (مصطفى العقاد)، وقال لي أني مرشح للعب دور – حمزة – عم النبى عليه السلام – وإن فيه لجنة منعقدة فى لندن ستقوم بعمل اختبار كاميرا بالمكياج واللبس للنجوم المرشحين، وبعدها أم أن يوافقوا، أو يرفضوا!، وكان من المقرر بالمناسبة أن يلعب (أنتونى كوين) دور أبو سفيان الذي جسده بعد ذلك حمدى غيث، لكن حين قرأ السيناريو قرر أن يجسد دور حمزة.
بعد اختبار الكاميرا، قال لى مصطفى العقاد مبروك أنت حاتعمل دور حمزة فى النسخة العربى، وأنتونى كوين سيجسدها فى النسخة الأجنبية، وجاء أول يوم تصوير وكنا فى المغرب، وأنشأوا هناك مدينة كاملة لمكة هناك، وكان يوجد فى أماكن التصوير مئات من البشر جاءوا يشاهدوا المباراة بين الفنان العالمى (أنتونى كوين) وبين الفنان العربى عبدالله غيث، وإذا بالنجم العالمي يطلب من المخرج أن أبدأ أنا الأول لأنه يريد أن يتعلم مني كيف يتحرك ويتكلم الرجل العربي، لأن الشخصية لرجل عربي.
وانزعجت وخفت جدا ودق قلبى، لكن قرأت الفاتحة، وقلت لنفسي هل أنتونى بعبع أبدا دا إحنا حضارتنا قد حضارتهم عشر مرات وحمزة بتاعنا إحنا، بعد هذه الكلمات هدأت، وبدأت التصوير.
واستكمل عبد الله غيث كلامه قائلا: قدمت المشهد بكل ثقة ومن أول مرة وإذا بالجماهير المغربية تصفق بحرارة، ووقف الفنان العالمي (انتوني كوين) يشاهدني وأنا أجسد الدور وعلق علي أدائي قائلا (لو كان عبدالله غيث في أمريكا حاليا، لكان له شأن آخر الآن).
عبد الله غيث والدراما
قدم (الجامد) عبد الله غيث، كثير من روائع المسرح المصري التى لا تعرض للأسف الشديدا نظرا لقيام الموظفين في التليفزيون المصري بمسح كثير من الأشرطة المسجل عليها هذه المسرحيات، والتسجيل على هذه الشرائط من أهم العروض التى قدمها عبدالله غيث (دنشواي الحمراء، وراء الأفق، حبيبتي شامينا، ،الخال فانيا، كفاح شعب، مأساة جميلة، تحت الرماد، الدخان، الكراسي، مرتفعات وذرنج، ملك القطن، الزير سالم، الحسين ثائرا، الفتى مهران، زيارة السيدة العجوز، الوزير العاشق، آه يا غجر).
عبد الله غيث وذئاب الجبل
بدأ عبدالله غيث، مشواره مع التليفزيون مبكرا لهذا سجل كثير من السهرات والمسلسلات الهامة نذكر منها (هارب من الأيام، الكتابة على لحم يحترق، ابن تيمية شيخ الإسلام، السيرة الهلالية بأجزائها الثلاثة، عابر سبيل، الوعد الحق، خيال المآتة، عروس اليمامة، مصرع المتنبي، تحت ظلال السيوف، موسى بن نصير، وتوالت الأحداث عاصفة، ليلة سقوط غرناطة، الصبر، محمد رسول الله، الحرية، الكبرياء تليق بالفرسان، حارة الشرف، العصابة القضبان، ابن عمار، قرية الرعب، عنترة بن شداد، سليمان الحلبي، الوجه الآخر، الثعلب، بوابة الحلواني، المال والبنون) وغيرها، وكان آخر أعماله التليفزيونية مسلسل (ذئاب الجبل) الذي مات وهو يؤدي دوره فيه، وقام النجم (صلاح قابيل) بتأديته بدلا منه بعد وفاته.
كانت حياة (عبدالله غيث) الشخصية لا تختلف عن حياة أي رجل مصري عادي جدا، فقد تزوج من ابنة خالته وهو فى الثامنة عشر من عمرها، ورافقته هذه السيدة في رحلة عمره بأسرها، وأنجبت منه ثلاثة أطفال هم (الحسيني، وأدهم، وعبلة)، وقد كان (عبدالله غيث) لا يحب صخب الحياة الفنية، فقد كان محافظا علي حياته الأسرية بعيدا عن علاقات الوسط الفني إلا في أضيق الحدود.
عبد الله غيث ومعمر القذافي
أصيب عبدالله غيث في سنواته الأخيرة بمرض (السرطان) وشعر بآلام المرض بقوة أثناء مسرحية (آه ياغجر)، ولكنه تحامل على نفسه حتى انتهت المسرحية، بعد انتهاء المسرحية عرضه أبنائه على الأطباء، وأكدوا ضرورة دخوله المستشفى فورا، وقال لهم الطبيب إن حالته متأخرة جدا وإن (السرطان) تملك منه، وظل (عبدالله غيث) لمدة 18 يومًا فى المستشفى، يحاول أن يخفى آلامه الرهيبة أمام أولاده وأهله، وينهار بعد أن يتركوه من شدة الألم.
وأثناء ذلك أرسل الرئيس الليبي (معمر القذافي) وفدا لزيارة (عبدالله غيث)، وأكد الوفد أن هناك طائرة خاصة لنقله إلى أى مكان فى العالم لتلقى العلاج، لكن الأطباء المعالجين أكدوا أن حالته ميؤوس منها، ورحل (عبدالله غيث) يوم 13 مارس عام 1993 تاركا خلافه تراثا فنيا مشرفا يتباهى به أولاده وأحفاده حتى الآن.