العزيمة .. علامة بارزة فى تاريخ الفيلم المصري بواقعيته الشاعرية
كتب : أحمد السماحي
يعد فيلم العزيمة، علامة بارزة فى تاريخ الفيلم المصري، بواقعيته الشاعرية التى تنبض بالحياة، وقيمة صاحبه المخرج “كمال سليم”، والذي يعتبر أول مخرج ومؤلف في السينما المصرية، ومؤسس المدرسة الواقعية في الفيلم المصري، فهذا الفيلم نقطة تحول فى تاريخ الفيلم المصري، فقبله كانت السينما المصرية غارقة في بحور الرومانسية الرقيقة والمثيرة للشجن، وتزخر بمشاهد القصور والفيلات الفخمة والعزب ذات المساحات الخضراء الشاسعة، والفتيات الجميلات المتأنقات حتى لو كن فلاحات يعملن بالحقول، فجاء “العزيمة” ليعبر عن طبقة كبيرة من الشعب المصري.
دور أحداث فيلم العزيمة في حارة شعبية لشاب طموح من أبناء الحارة هو “محمد أفندي حنفي”، ابن “حنفي الحلاق” الذي يدرس في مدرسة التجارة العليا، والذي يحب جارته الحسناء “فاطمة” التى ينافس على حبها “المعلم العتر الجزار” الذي يجد التشجيع على ذلك من والداها، ينال “محمد” الدبلوم، ويتفق مع “نزيه باشا” والد صديقه “عدلي” على تكوين شركة تجارية، مع ابنه “عدلي”، يخوضان بها ميدان العمل الحر، فيرحب “البا شا” بهذا المشروع.
يسافر “نزيه باشا” تاركا العمل لـ “محمد” وابنه “عدلي” الذي يبدأ في ممطالة “محمد ” في البدء في تنفيذ الشركة، وحين يكتشف “نزيه باشا” ذلك بعد عودته يطرد الابن المستهتر من البيت، ويتوسط لـ “محمد” في التعيين في شركة كبيرة.
فاطمة رشدي والعزيمة
في فيلم العزيمة، يتزوج “محمد” “فاطمة”، ولكن يتم تلفيق تهمة “لمحمد” بضياع مستند مهم ويطرد على أثر ذلك من الشركة ويضطر للعمل في وظيفة صغيرة مع إخفاء ذلك عن “فاطمة”، والتي تكتشف ذلك فتطلب الطلاق بتأثير من أمها، التى تريد أن تزوجها للمعلم ” العتر الجزار”، يحدث تغيير في شخصية “عدلى ابن نزيه باشا” ويعمل على إيجاد المستند الذي من شأنه يتم تبرئة “محمد” من التهمة التي نسبت إليه، ويبدأ “محمد” مع “عدلي” الشراكة التي كان يخططان لها من قبل.
تندم”فاطمة” على تفريطها في حبها لـ”محمد “، وتعود إليه قبل إتمام زواجها من الجزار الذي يحاول اختطافها لولا تصدى “محمد” و”عدلى ” وأصدقاء “محمد” في الحارة .
“طلعت حرب” يوقف تصويره لإساءته لسمعة مصر
من المعلومات الطريفة والمثيرة التى لا يعلمها كثيرون أن فيلم العزيمة تم إيقاف تصوير فيلم العزيمة فترة لإساءته لسمعة مصر! بسبب ظهور “حلاق وجزار وحانوتي” ضمن أحداثه!، حيث يقول الكاتب والشاعر “بديع خيري” فى مذكراته عن الفيلم: فوجئت فى أحد الأيام بوقف تصوير الفيلم وانزعج جميع العاملين لوقف التصوير، فقلت لهم لا تنزعجوا وسوف أتصرف وأحل المشكلة بإذن الله، وذهب لمقابلة ” طلعت باشا حرب” مدير استديو مصر، وسأله عن سر وقف التصوير؟!، فقال له طلعت باشا : بعض الأشخاص أبلغوني أن الفيلم تدور أحداثه في حارة شعبية، ومن ضمن شخصياته “جزار وحلاق وحانوتي”، فكيف تظهر مثل هذه الشخصيات في فيلم مصري، إنها ستسيئ لسمعة مصر في الخارج؟! وكل أفلام استديو مصر محترمة وشيك.
فرد عليه بديع خيري قائلا: الفيلم جيد جدا وأحداثه واقعية، وهذه الشخصيات يا فندم لا تسيئ لسمعة مصر لأن العالم كله لديه نفس المهن، وحضرتك طلبت منافسة الفيلم الأمريكي، ونحن لا نستطيع منافسته بفيلم أمريكي مثله!، ولكن يمكن أن نعمل فيلم مصري مثل “العزيمة” في حارة مصرية لا يستطيع الأمريكان عمل فيلم مثله، ثم أن استديو مصر ينتج أكثر من فيلم في العام، لن يخسر شيئ لو سمح بتصوير فيلم مثل “العزيمة”، لو فشل يتحمل صناعه النتيجة، فأقتنع “طلعت باشا” وتم استئناف التصوير.
نور الشريف والعزيمة
أكد النجم الراحل ” نور الشريف” في برنامجه “مع نور الشريف ” الذي كان يذاع على قناة ” دريم” أن المخرج “كمال سليم” كان سيناريست رائع في العزيمة، وما فعله في الفيلملا يقدر عليه إلا سيناريست متمكن من أدواته ككاتب سيناريو، فمثلا قدم أكبر عدد من الشخصيات السينمائية في أقصر وقت، كما إنه فجر سريعا الصراع بين المعلم “العتر” و”محمد أفندي” و”فاطمة”، وكان ذكيا جدا كمخرج وسيناريست عندما فجر مبكرا قضية تشغلنا طوال أحداث الفيلم، وهي قضية محل الحلاقة الخاص بالأب المديون عليه، والذي سيتم الحجز عليه فى حال عدم دفع الضرائب.
أما الحوار الذي كتبه ” بديع خيري” فكان مبدعا وساحرا ومليئ بالفكاهة وخفة الظل، كما إنه جعل كل شخصية تتحدث ما يتناسب مع المهنة التى يعمل فيها، فمثلا المعلم “العتر” الجزار يقول للحانوتي : أيوه يا معلم عزرائيل، فيرد عليه الحانوتي قائلا: في خدمتك يا زبون المستقبل”، وفعل شيئ آخر أنه جعلنا نتقبل ونحب شخصية “الحانوتي”،حيث جعلها خفيفة الظل.
نقد فيلم العزيمة
يقول الناقد السينمائي الراحل “محمد السيد شوشة”: يمتاز فيلم العزيمة بشيأن، الأول البراعة الفائقة في رسم الشخصيات بطريقة تجعلك تتخيل أنهم شخصيات نابضة بالحياة من دم ولحم، يذكرونك بأشخاص تشبههم، سبق لك أن قابلتهم في الحياة، والثاني تصوير الجو الشعبي من خلال الجو العام للفيلم بكل صدق وتعبير.
لقد التقت التراجيديا بالكوميديا فى هذا الفيلم الشعبي العزيمة، فالبرغم من المأساة التى يعيش فيها البطلان تجد المفارقات الطريفة القائمة على التهكم والسخرية اللاذعة.
أما حركات وأوضاع الكاميرا فكانت تعتمد على اللقطات التقليدية “العامة، والمتوسطة، والكبيرة” بإبعادها القريبة والبعيدة وكذلك “البانوراما” و”الترافيلينج”، وقد افتتح الفيلم بلقطة رائعة تعبر عن براعة الاستهلال، وهذه اللقطة تتمثل في تركيز الكاميرا على مصباح غازي معلق على ناصية الحارة، يكون مضاء فى أثناء آذان الفجر، ثم يطفأ مع ختام الآذان، وكذلك تقديم شخصيات الفيلم شخصية شخصية، وإيجاد العلاقات بينهم، بنظرة من المعلم “العتر” إلى “فاطمة” وهي في الشرفة، تعبر عن الود المفقود بينهما، على عكس تحية الصباح المتبادلة بينها وبين محمد.
كمال سليم في سطور
ولد كمال سليم في “حي الظاهر” بالقاهرة يوم 19 نوفمبر عام 1913 ، ورحل عن هذا العالم في يوم 3 أبريل 1945 قبل أن يبلغ من العمر الثانية والثلاثين ببضعة شهور، وهو ينحدر من أسرة مصرية من أصل قوقازي – كما يقول الناقد – “محمد السيد شوشة” ــ تلقب باسم “سليق”، اشتهرت بتجارة الحرير بين مصر والدول العربية، وكان جده “سليم عبده” من كبار التجار، ومازال يوجد باسمه إلى الآن شارع بحي العباسية.
أما والده “عبدالغني سليم” عضو مجلس النواب عن دائرة “الجمالية” عام 1924 فكان وطنيا متحمسا للقضية المصرية، وقد توفى عام 1928 ولم يترك وراءه غير مصنع ومتجر حرير صغيرين فى الحي الحسيني، فى الوقت الذي كان فيه “كمال” لا يزال فى الخامسة عشرة، تلقى دراسته بمدرسة فؤاد الأول الثانوية، وكان من بين زملائه الفنان التشكيلي ــ فيما بعد ــ صلاح طاهر، وصلاح الشاهد.
وكان الشقيق الأكبر لأربعة أخوة هم “سليم، عقيل، كوثر، أبكار”، علقت عليه الأسرة الآمال لكي يشرف على تجارة أبيه ومصنعه، لكنه كان بطبيعته ميالا إلى الفن، يهوى السينما ولا تفوته مشاهدة أي فيلم جديد، فشغلته هذه الهواية عن دراسته فلم يكمل تعليمه الثانوي، وسافر إلى باريس لدراسة السينما، وعاد إلى القاهرة عام 1934 ، وأخرج أول أفلامه “وراء الستار” لعبدالغني السيد ورجاء عبده، وتوالت أفلامه الـ (11) أبرزها: “إلى الأبد، قضية اليوم، أحلام الشباب، البوساء، حنان، شهداء الغرام، المظاهر، ليلة الجمعة”، وكان آخرها ” قصة غرام” عام 1945 الذي أكمل إخراجه تلميذه “محمد عبدالجواد”.
أجور العاملين في الفيلم
تقاضت ” فاطمة رشدي” أكبر أجر دفع إلى ممثلة أولى فى ذلك الوقت في فيلم العزيمة،وهو مبلغ 160 جنيها، وتقاضى ” حسين صدقي” نصف هذا الأجر وهو 80 جنيها، يليه في قيمة الأجر “زكي رستم” حيث تقاضى 50 جنيها، و”عبدالعزيز خليل” تقاضى 45 جنيها، وماري منيب 25 جنيها، وكل من “أنور وجدي وحكمت فهمي وعباس فارس على 20 جنيها، و”عبدالسلام النابلسي” 5 جنيه، ولم يتقاضي الفنيون سوى مرتباتهم كموظفين فى الاستديو.
أما بقية العاملين في الفيلم فكانوا يعملون باليومية، وكان أكبر أجر دفع إلى المطرب “محمد الكحلاوي” هو جنيهان ونصف، بواقع 50 قرشا فى اليوم، وكل من مختار عثمان، وأحمد شكري جنيهان، والسيد بدير وعزت الجاهلي جنيها واحدا فقط، وكانت يومية كثير من العاملين في الفيلم فى أدوار الكومبارس 25 مليما فقط.
…………………………………………………………………………………………………………………….
بطاقة الفيلم
القصة والسيناريو والمونتاج والإخراج : كمال سليم
الحوار : بديع خيري
التصوير : فيري فاركاش
الإنتاج : استديو مصر
الديكور : ولي الدين سامح
الصوت : مصطفى والي، وعزيز فاضل
مكياج : عيسى أحمد
الموسيقى التصويرية : عبدالحميد عبدالرحمن
كلمات الغنية : صالح جودت
موسيقى الأغنية : رياض السنباطي
مساعدا المخرج : صلاح أبوسيف ومحمد عبدالجواد
ريجيسير : قاسم وجدي
عرض الفيلم يوم 6 أكتوبر 1939:
البطولة: فاطمة رشدي ” فاطمة”، حسين صدقي “محمد”، ” أنور وجدي “عدلي”، حسن كامل “عاشور الفران” والد فاطمة، عم وصفي “حنفي الحلاق” والد محمد، “عبدالعزيز خليل” العتر الجزار، زكي رستم “نزيه باشا”، عباس فارس “ذهني باشا”، مختار عثمان “الحاج روحي الحانوتي”، ماري منيب “أم فاطمة”، ثريا فخري “أم محمد”، عبدالسلام النابلسي “شوكت”، “السيد بدير” الشيخ إدريس المأذون”، حكمت فهمي “فردوس”، عزت الجاهلي “الموسيقار”، محمد الكحلاوي “بائع العنب”.