في 30 يونيو .. عندما التحم نجوم الفن مع الشعب المصري
كتب : أحمد السماحي
لعب الفن والفنانيين المصريين دورا حيويا للغاية في 30 يونيو 2013، حيث شهد مبنى وزارة الثقافة في حي الزمالك اعتصام مجموعة كبيرة من المثقفين ونجوم مصر، الذين طالبوا بإسقاط حكم الإخوان والجماعة الإرهابية عندما شعروا بالقلق على هوية مصر الثقافية والفنية، وتصدوا بشجاعة وقوة لهذا الحكم الغاشم واحتفلوا يوم 21 يونيو بيوم الموسيقى العالمية، من خلال رسائل قوية أرسلوها من خلال المنصة التى كان يشرف عليها النجم الكبير أحمد عبدالعزيز، وكانت كل هذه الرسائل تؤكد أن رسالة الفن قادرة على مواجهة السلاح، وشاهدنا نجوم لم نكن نشاهدهم إلا على شاشة السينما أو في الفضائيات جنبا إلى جنب مع رجل الشارع العادي.
إلهام شاهين أبرز نجوم 30 يونيو
تعد النجمة الكبيرة إلهام شاهين أحد أبرز النجوم الذين كان لهم دورا بارزا في مواجهة جماعة الإخوان الإرهابية، وخاصت حروبا كثيرة معهم، وقاموا بسبها وقذفها بالعديد من العبارات الجارحة، ولم يكتفوا بهذا بل قاموا بتهديدها بالقتل، والسجن، ورغم هذا لم تتوقف عن مهاجمتهم وفضح كل ما يتعلق بهم، وشاركت في 30 يونيو وطالبت برحيل محمد مرسي وجماعته الإرهابية، كما انتفض ضد حكم الجماعة في الميادين مع الشعب، كل من (حسين فهمي، يسرا، أنغام، ليلى علوي، أحمد السقا، سمية الخشاب، محمد حماقي، نبيل الحلفاوي، كريم عبد العزيز، أحمد حلمى، وزوجته النجمة منى زكى، هانى سلامة، هانى رمزى، نادية الجندى، الفنان الراحل خالد صالح، رجاء الجداوى، دلال عبد العزيز، ميرفت أمين، سهير المرشدى، حنان مطاوع، علي الحجار، محمد منير، يسرا اللوزى، سامح الصريطى، أشرف زكي، روجينا، وفاء عامر، ممدوح عبدالعليم، شافكي المنيري، دنيا سمير غانم)، وغيرهم من الفنانين.
عودة الأغنية الوطنية في 30 يونيو
كان من أحلى مظاهر تلك الحالة الوطنية عودة الأغاني الوطنية في 30 يونيو بقوة من كل الأماكن، من البيوت، من المقاهي، من وسائل الإعلام، حتى من نغمات رنين الهواتف النقالة، أغان للمقاومة، أغان للوطن، أغان للشهادة والاستبسال، أغان غابت طويلاً عن أسماعنا في إجازة مفتوحة حتى كدنا أن ننساها، حيث كانت الأغنيةَ الوطنية طريحة الفراش، وغابت منذ فترة طويلة عن وسائل إعلامنا ولم يعد لها وجود حقيقي إلا في المناسبات، حيث اتجهت الأغنية الوطنية نحو المناسباتية والاحتفال بالأعياد، وتحولت إلى تكليفات باهتة لفنانين يريدون كسب لقمة العيش بركوب الموجة السائدة، ولن نستعرض الأغنيات التى قدمت فقد استعرضناها العام الماضي.
ثورة 1919 سبقت 30 يونيو بقرن
التفاف نجوم الفن نحو هدف واحد وقرار واحد ليس جديدا على نجوم مصر فالمتابع لثورات مصر الكبرى يجد أن الفنانيين لعبوا دورا كبيرا في هذه الثورات، ففي ثورة 1919 – التي سبقت 30 يونيو بـ 94 سنة – نطلق الفن والغناء متحديا أسلحة الإنجليز، وكان طبيعيا أن يكون أهل الفن فى مصر من أسبق المواطنيين إلى مكافحة الإحتلال الأجنبي وإلى الثورة ضد الطغيان، وذلك لأن الفن فى أي زمان وأي مكان من لوازمه الحرية الكاملة، ولا حياة له إلا بها، ولأن الفنان بطبيعة عمله أرهف حسا، وأعمق شعورا بمعاناة الظلم وآلام القيود، فهو لذلك أسرع ضيقا وتبرما بكل ما يعوق انطلاقه وبكل ما يمس مقدساته من المبادئ والمثل العليا، لهذا ما أن بدأت ثورة 1919 حتى انقلبت الروايات والأغاني من مرحلة التسلية إلى مرحلة المساهمة فى الحركة الوطنية، فلم تخل رواية أو أغنية من الأشادة بالوطن، وبث الحماسة فى قلوب الشعب، حتى لقد راحت الفرق تتبارى فى هذا النوع من الروايات وتبتدع ماهو أطرف وأدعى على التشجيع، وانطلق المسرح الغنائي يلحق بركب الثورة.
وانفعل شعب مصر بسبب الفن ضد الإحتلال ومن أجل حياة جديدة فاضلة وكريمة، – تماما كما حدث في 30 يونيو ضد الاحتلال الإخواني – ولم يأخذ انفعال الشعب شكل المظاهرات فقط، ولا شكل الصراع المسلح ضد الإحتلال فقط، ولكن الشعب فى تلك الأيام كان يغني فى كل المظاهرات وكل التجمعات، كان يغنى بنسائه ورجاله، وكان يغني بصبيانه وبناته، وفى تلك الأيام كان ينطلق من بين الجميع أي صوت مجهول يتميز بالعذوبة والجمال ليقود الجماهير وهى تغني.
وكان ملحن هذه الانتفاضة الغنائية هو سيد درويش الذى كان يلتقط ألحانه الحقيقية من واقع الناس المنفعلة الثائرة، ويحمل عوده ويركب (حنطورا) ويقود المظاهرات بهذا العود الوطني الجميل النبيل، كان الشيخ (سيد) يعزف ويغنى والناس من ورائه يرددون ما يغنيه.
وفى الليل كان الفنان نجيب الريحاني من خلال أعماله المسرحية التى كتبها بديع خيري ولحنها سيد درويش مثل (قولوله، وأش، ولو، ورن) يشعل الثورة ويغذى الوعى لدى الجماهير، وأستطاع الشعب أن يلتقط من أغاني هذه الأستعرضات مادة حية لثورته.
منيرة المهدية.. المظلومة
كانت سلطانة الطرب (منيرة المهدية) من أكثر السيدات حماسة لكفاح المرأة المصرية فى ثورة 1919 – مثلما ظهر حماس الفنانة إيناس عبد الدايم في 30 يونيو – واستطاعت أن تؤدي دورا سياسيا مهما طوال فترة الثورة، تارة بأغانيها القومية، وتارة أخرى بعلاقاتها الشخصية مع كبار رجال السياسة فى مصر، كانت السلطات الإنجليزية تعمل لشخصيتها ألف حساب، فعندما صدر قرار بإغلاق المقاهي منعا للتجمع استثنى مقهى (نزهة النفوس) لمنيرة المهدية وحده من هذا القرار، وبقى يداوم عمله، وكان الناس يجدون الراحة والأمل والسلوى فى مسرح (الست منيرة) الذى كان الوطنيون الأحرار من أبناء مصر يجتمعون فيه، ففى هذا المكان كانوا يتنسمون هواء الحرية.
غنت السلطانة فى سنوات الثورة العديد من الأهازيج الوطنية التى تحث على الإنتفاضة وجمع الشمل والوقوف صفا واحدا ومن بين هذه الأغاني أغنية خاصة بزعيم الثورة (سعد زغلول باشا) عندما أصدرت سلطات الاحتلال قرار بمنع أسمه وأسماء رفاقه من الثوار من التداول فى الأعمال الفنية، وفى هذه الفترة لم يكن يهز المصريين شيئ بقدر الكلام عن زعيم ثورتهم وتقول مطلع الأغنية
شال الحمام حط الحمام من مصر لما السودان
زغلول وقلبي مال إليه أنده له لما احتاج إليه
يفهم لغاه اللي يناغيه ويقول حميحم يا حمام
الفنانون وثورة يوليو 1952
كان قيام ثورة 23 يوليو 1952 – التي سبقت ثورة 30 بـ 61 عاما – حدثا ارتج له كل شيئ في مصر، كبار الأدباء والكتاب يكتبون عنها من خلال جرائدهم، ويتحدثون عن أهدافها من خلال الإذاعة المصرية، والعمال والفلاحين شعروا أنهم أصبحوا لهم قيمة بعد أن كان كثير منهم يشعر بالدونية، وجاء شعار الثورة أو الحركة المباركة (ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الأستعباد) ليؤكد لهم ما يشعرون به من أهمية، وهو شعار كان له وقع جميل على النفوس، كما كان يثير الإحساس بالأمل، خاصة مع البسطاء من الناس الذين ضاقوا بالأستغلال والفساد والرشوة والمحسوبية.
كانت الثورة عاصفة مضيئة تهتك كل ألوان الظلام، وجميع أفراد الشعب شعر بحب وحميمية للضباط الأحرار، وعمت الفرحة أرجاء البلاد وانطلقت الأغاني من الإذاعة ترحب بقدوم الثورة الجديدة، مثل (ع الدوار، ع الدوار، راديو بلادنا فيه أخبار)، واهتمت الثورة الوليدة بالفن، واهتم نجوم الفن بالثورة الوليدة وساندوها من خلال أفلامهم السينمائية التى تنادي بالحرية وتنهي عصر الفساد، أو بالأغاني الوطنية المليئة بالعزة والكرامة التي عادت من جيد في 30 يونيو قبل 10 سنوات.