كذبة عبد الحليم حافظ العاطفية جسدها نور الشريف في (حبيبي دائما) – 2
كتب : أحمد السماحي
(الرفاق حائرون، يفكرون، يتساءلون في جنون حبيبتي أنا، من تكون حبيبتي؟!، يفكرون يتساءلون، يتهامسون يتخيلون، أشياء وأشياء، أسماء وأسماء، ويضيع كل هذا هباء)، هذا مطلع واحدة من أشهر القصائد التى تغنى بها المطرب الرقيق عبدالحليم حافظ، والتى تنطبق على قصص حبه، فعندما تقترب من أي قصة حب تردد أنه عاشها وتبحث عن بدايتها ونهايتها تكتشف أنك تبحث عن سراب!، عن وهم، عن كذب، فلا يوجد قصة حب واحدة كانت على الملأ، كلها علاقات عاطفية مستترة، بعيدة عن العيون، لا أحد يمكن أن يضع يده على بدايتها أو نهايتها، أو يجزم بحدوثها!
إقرأ أيضا : د. ثروت الخرباوي يكتب : عبد الحليم حافظ حرامٌ أم حلال ؟
تشعر وأنت تبحث عن هذه القصص أنها كلها قصص حب من وحي خيال عبدالحليم حافظ نفسه، هو الذي يبوح لأصدقائه من الكتاب والصحافيين ببدايتها، وهو أيضا الذي يعلن عن انتهائها، وفي كل قصص الحب التى سمعنا عنها لـ (حليم) لم يتكلم الطرف الثاني، لم ينف، لم يؤكد، العندليب الأسمر فقط هو الذي يتكلم هو الذي يفضفض لأصدقائه من الكتاب والصحافيين، أما الطرف الآخر فلا نسمع له صوتا أو حسا، وكأنه غير موجود في الحياة!.
عبد الحليم حافظ .. حبيبي دائما
من قصص الحب التى تحدث عنها عبدالحليم حافظ كثيرا سواء في مذكراته أو في أحاديثه الصحفية، ولا حد يدري مدى صدقها، قصة حبه لأبنة العائلة الغنية جدا السيدة (مفيدة الألفي) أو (ديدي الألفي) كما كان يطلق عليها أصدقائها، والتى لم يعلن يوما عن اسمها، حتى رحيله، وكذلك فعل كل الكتاب الكبار الذين تناولوا هذه الحدوتة! مثل (مصطفى أمين، يوسف السباعي، منير عامر، محمد رجب) وغيرهم، لكن الجميل أن قصة الحب هذه صنعت لنا واحدا من أرق وأجمل أفلامنا الرومانسية وهو (حبيبي دائما) قصة يوسف السباعي، إخراج حسين كمال، بطولة (نور الشريف وبوسي)، وهذا يكفي!.
عبدالحليم حافظ يتحدث .. فلنسمع!
يقول عبدالحليم حافظ عن هذه القصة الغارقة في الرومانسية والشجن في مذكراته التى نشرت في مجلة (صباح الخير) في منتصف سبعينات القرن الماضي: (اكتشفت من خلال حبى لها أن للحياة معنى، وأن الشمس من حقها أن تشرق كل صباح، وأن الغروب من حقه أن يأتى، وأن الإنسان من حقه أن يتنفس، كانت جميلة للغاية، وعاشت قصة حبى لها خمس سنوات، أقسم بالله العظيم يمينا أسأل عنه يوم القيامة أننى لم أكن أحب واحدة من النساء مثلما أحببتها، وليكن اسمها (ليلى)، وليلى ليس اسمها لأن الاسم يجب أن يظل سرا، هى الآن ذكرى، لا أعرف كيف تتحول الضحكة واللمسة والأمل والحلم إلى ذكرى، إننى ما رأيت فى حياتى عيونا فى مثل جمال عينيها، عيونها زرقاء رمادية بنفسجية لا أدرى لكنى كنت أعرف أن عيونها ملونة بالبهجة والأسى فى آن واحد، أقسم بالله العظيم أننى كنت أرى الغروب فجرا، وأرى الفجر نورا، وأرى كل لحظة من اليوم لحظة فى الحب كانت (ليلى) هى السبب فى كل ذلك كأننى ولدت يتيما حتى أولد فى عينيها لتصبح أمي.
عبد الحليم حافظ .. أول مرة
يحكى عبد الحليم فى مذكراته أن أول مرة رآها فيها كانت فى لندن بينما كان يتسوق فى (هارودز) كانت هى بصحبة إحدى صديقاتها وتسمرت قدم عبد الحليم عندما رآها ثم انصرفت، وعلى شاطىء ميامى كانت الصدفة حيث رآها للمرة الثانية، ولم يصدق عيناه ودار بينهما حديث عابر ليكتشف أنها متزوجة من رجل أعمال ولديها ولدان لكنها لم تكن سعيدة، وكانت منفصلة عنه ومفاوضات الطلاق دائرة بينهم، ويروى عبد الحليم فى مذكراته جانبا من حديثه معها:
ديدى: أنا عارفة يا حليم إن عمرى قصير .. حاسة بكده!
حليم بانزعاج: أنا باكره الكلمة دى جدا ومش عارف أعيش إزاى من غيرك!
ديدى: أحيانا أقعد أفكر وأقول أختار ايه من السماء أقوم أقول لنفسى لازم أحبك أكتر من كده.
شقة عبد الحليم حافظ
يذكر حليم أنه عندما بدأت تقترب منه أكثر ودانت فرص الارتباط بعد أن ساءت علاقتها بزوجها بدأ يبحث عن شقة، ووجد الشقة التى عاش بها طيلة حياته ويقول: (بدأنا نؤثثها معا، بدأت هى تختار الستائر والسجاد واللوحات والمكتب وحجرة الموسيقى وحجرة النوم، ذوقها بسيط ورائع كعينيها، وكانت محاولات الطلاق تجرى كانت المشكلة أن ولديها قد بلغ الصغير فيهما التاسعة، والكبير عمره عشرة أعوام ومعنى ذلك أن الزوج يستطيع أن يطلب حضانتهما هذا من حقه الشرعى، ولم نكن نتخيل أن نعيش بعيدا عن أبنائها وكنت ممزقا إننى أعرف معنى الحياة بدون أم، وأعرف أن أى حنان غير الأم هو حنان مغشوش.
وأنهكنى النزيف أكثر من مرة، وكانت معدتى قد تعودت أن تحتج على قلقى وكأننى لم أكن أريد الحياة إلا بدونها.. كثرت الدموع فى عيونها وتجمدت العيون فى عيونى وكنت أغنى أيامها أغنية لها هى (بتلوموني ليه).
ويعترف العندليب عبد الحليم حافظ، أنه وقع فى اختيار صعب ويروى قائلا: لكن أحيانا يجب أن يكون الإنسان جرئيا ويذبح نفسه بهدوء فقلت لها: (خلاص مادام مش قادرة تسيبى الأولاد يبقى تروحى بيتك)، كانت عيونها تحت جفونى كلما أغمضت عيونى رأيتها، وأخذها الزوج وسافر، كنت أحس أن نزيف معدتى هو نزيف غير دائم يهون أمره دائما أمام نزيف شوقى إليها.
فيروس حبيبة عبد الحليم حافظ
ثم يروى عبد الحليم أن حبيبته أصبحت حرة وطلقها زوجها وعادت إلى القاهرة وبدأت فى تأثيث عش الزوجية معه وفجأة سقطت على الأرض وهى بصحبته : (فوجئت بأنها لا ترى، ساقاها غير قادرتين على حملها ووقعت على الأرض وقال الأطباء أن فيروسا خطيرا تسلل إلى المخ.
ويروى عبد الحليم فى مذكراته أن (ليلى) طلبت منه أن يتزوج من سعاد حسنى بعدما أدركت أن موتها بات مؤكدا وقريبا وقالت له: (أنا سامعه انك اخترت سعاد حسنى علشان تشتغل فى فيلم من أفلامك، والله بنت أمورة جدا ممكن تسعدك)، فقال العندليب: (فغضبت بشدة، وكتمت غضبى وقلت لا توجد امرأة غيرك قادرة على إسعادى، سعاد صديقتى وبس!، ليس فى علاقتى بسعاد إلا الصداقة والزمالة والاحترام).
ويستطرد عبد الحليم حافظ قائلا: استمر المرض يتسلل إلى حبيبتى يفترسها قالوا العلاج فى لندن، سافرت (ليلى) إلى لندن، قلبى منهك أتمنى أن يحفظها الله لأولادها ولى، لايجب أن يموت أحد يحتاج إليه أحد آخر، الموت تعود الاعتداء على الحب، الموت أدمن الاعتداء على الحب، الحزن يقتلنى أحاول أن أبتسم كأن جرحا تعلق بابتساماتى، لا أريد شيئا من السماء سوى أن تحفظها لأبنائها ولى، أمسك القرآن وأقرأ لها بعض الآيات، أشعلت لها شموعا فى (سانت تريزا) ذبحت الذبائح ووزعتها على الفقراء ماذا يمكن أن أفعل لأنقذها، إنها ليست فى حاجة إلى المال، كثيرا ما نمت على دموعى تختلط بدعواتى..
عبد الحليم حافظ وأغنية الوداع
يروى عبد الحليم حافظ كيف ماتت حبيبته قائلا: أحيانا أغمض عيونى فأجدها تضحك، وأتذكر لمسة يدها، أحيانا أراها بعيون مفتوحة، وهى تقول لى: (خللى بالك من صحتك)، الذكريات والأحلام والعذاب، ولابد من ابتسامة على الوجه والابتسامة جرح، جاء الموت لماذا تموت حبيبتى؟!: سؤل لا إجابة له!، إنني أمام الموت أصدق حكمة السماء الخالدة، ندخل الدنيا بلا اختيار، نموت بلا اختيار، وبين الميلاد والموت نختار، لقد نجحت فى اختيار طريقى كمغن، لكني لم أنجح فى اختيار شريكة عمرى، لأن الموت تدخل وأخذها مني، تطاردنى دائما كلماتها: (أنا حاموت صغيرة)، كثيرا ما سألت السماء هذا السؤال: هل من العدل أن تموت حبيبتى دون أن نحقق حلمنا.
ثم يعود فى ختام المذكرات ليتذكر (ديدى) مرة أخرى وكأنها كانت مسيطرة عليه فلم ينسى بل أنه اعترف أنه أهدى جميع أغنياته الحزينة لها، وفى لحظات المرض فى سنوات العمر المتبقية يقول عبد الحليم حافظ: (كنت أتمنى أن تملك ليلى حبيبتى تلك الإرادة، إن لندن تذكرنى بها، هناك إحساس فى قلبى بأنها كانت تعيسة فى رحلة العمر، استسلمت للمرض لأنها منهكة فى رحلة العذاب طول العمر، استمر المرض يتسلل إليها ببطء يغتال العيون الزرقاء الرقراقة الصافية يقطف الورود فى هذه البشرة المليئة بالنور.
اشتقت إليها طوال أيام الحب، لم أصدق يوما أنها ماتت، أذكر صوتها وهى تقول: (خلاص الطلاق تم ما قدرتش أعيش أكتر من كده.. أنا عمرى قصير لازم أعيش)، وكان لسان حالي يقول : (لو كان بإيدى كنت أفضل جنبك وأجيب لعمرى ألف عمر وأحبك)، هناك إمراة فى حياة الرجل مهما أصابها العجز أو التشويه أو أى شىء تظل هذه المرأة جميلة إلى الأبد، كثيرا ما بللت دموعى وجهى وأنا خارج من عندها، وهى على سرير المرض بعد أن أجعلها تضحك، كنت أحس أن ابتسامتها هى غروب الابتسام، أخاف أن تلمس يدى يدها فتفضح أمرى، إن أيدينا كثيرة الكلمات كل يد تحكى للأخرى ما حدث وكل ما يمكن أن يحدث، لم يكن فى يدها احساس باليأس كان هناك احساس بأهمية الحياة لماذا إذن ماتت لا إجابة؟!
في الحلقة القادمة
مصطفى أمين ومنير عامر ومحمد رجب، ولوتس عبدالكريم يتحدثون عن حبيبة عبدالحليم حافظ فماذا قالوا؟!