بقلم: بهاء الدين يوسف
في مناسبة الاحتفال بذكرى 30 يونيو أقول: تقول الحكمة العالمية القديمة (أن التاريخ يكتبه المنتصرون)، وهى مقولة ينسبها البعض إلى ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، لكن ما لم يضفه تشرشل لمقولته أن الدراما التاريخية أو التوثيقية يكتبها المنتفعون خصوصا العربية منها التي لاتعترف نهائيا بأصول الدراما التاريخية، وإنما كل ما يعني القائمين على صنعها هو كسب ود المنتصر وإهالة أكبر قدر من التراب فوق المهزوم، في تصرف طفولي ساذج يذكرني بما كنا نفعله ونحن في المدرسة الابتدائية حين نتسابق في التقرب من الطفل القوي المنتصر حتى لو كان (مفتريا) وقبيح الصفات في حين نظل نسخر من الطفل المهزوم حتى لو كان نثق يقينا في حسن أخلاقه ونبل طباعه.
إقرأ أيضا : 30 يونيو .. استفتاء على حب المطربيين لبلدهم
نأتي الى موضوعنا اليوم وهو عن غياب الدراما التوثيقية الدقيقة لثورة 30 يونيو التي أنقذت مصر من الوقوع في شرك السلطة الدينية ومن ثم إعادتها 1000 سنة وربما أكثر الى الوراء، حيث لا نتعامل مع رئيس بشري وإنما خليفة يعمل بدعم سماوي لا يجوز الاختلاف معه لأن ذلك يعني الخروج على طاعة الله عز وجل.
الاختيار وثورة 30 يونيو
صحيح أن الشاشة المصرية قدمت في رمضان قبل الماضي مسلسل (الاختيار) عن جوانب من ثورة 30 يونيو وإرهاصاتها، لكنه كان يفتقد تقريبا للجانب التوثيقي ويروي ما اختاره المؤلف من أحداث الثورة بحيث يهيل التراب على جماعة الإخوان والرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لهم، وفي نفس الوقت يمجد الدور الذي أداه الرئيس عبد الفتاح السيسي وقت أن كان وزيرا للدفاع.
إقرأ أيضا : الطريق إلى 30
لا زلت أتذكر مثلا أن الجيش لم يتحرك إلا بطلبات متكررة من الشعب ونخبه السياسية والمجتمعية وصلت إلى حد المناشدات في 30 يونيو، ومنها ما أطلقته جبهة الإنقاذ الوطني التي ضمت أغلب رموز الحركة المدنية في مصر وقتها لقيادة الجيش بضرورة التدخل عبر تصريحات للدكتور محمد البرادعي، أحد قادة الجبهة عبر فيها عن ثقته في أن الجيش المصري قلق مما يجري في البلاد معلنا عدم استبعاده تدخل الجيش حال خرجت الأمور عن السيطرة، مثلما أتذكر تصريحات متعددة للسيسي في مناسبات احتفالية مختلفة للقوات المسلحة يحذر فيها السياسيين من اللعب مع الجيش أو محاولة استخدامه في الصراع الذي كان جاريا وقتها على السلطة، ومنها تصريحه الشهير أن (الجيش نار لا تلعبوا بيه ولا تلعبوا معاه).
حكم الإخوان في 30 يونيو
إذن فلسنا هنا في مجال تقييم الدور الذي لعبه السيسي في إزاحة حكم الإخوان في 30 يونيو استجابة لرغبة الشعب، لكنني أتحدث تحديدا عن المضمون الدرامي الذي تم تقديمه لتوثيق ذلك الحدث التاريخي المهم في تاريخ مصر، وهل كان على قدر الحدث من حيث التناول الموضوعي لتفاصيله وعرض وجهات النظر المختلفة حوله، وهى واحدة من أبجديات أي دراما توثيقية مهما كانت منحازة لفكرة أو جانب ما.
إقرأ أيضا : علي عبد الرحمن يكتب : 30 يونيو والكلمه للشعب !
أظن أن الإجابة لن تكون ايجابية وبالتالي فأننا أمام عمل ظلم حدث رائع مثل ثورة 30 يونيو وتأثيرها الممتد على البلاد سياسيا واجتماعيا، لكن إذا كان فيما أقوله عزاء فان دراما (الاختيار) ليست منفردة في ظلمها للحدث الذي أرادت توثيقه، ولكننا أمام حالة عامة تتكرر بشكل مستمر في تاريخ الفن المصري، وهى كتابة دراما توثيقية على الكيف، ولايجد صناع الدراما مشكلة في الانتقال من جهة إلى أخرى حسب مزاج المنتصر أو الحاكم في ذلك الوقت، وكلنا شاهدنا مثلا الأفلام القديمة التي وثقت ثورة يوليو 1952، ومنها فيلم (رد قلبي) الذي كتبت عنه في المقال الماضي، وكيف صورت لنا تلك الأفلام حقبة الملكية باعتبارها شر مطلق لم يوجد فيها خير، ثم بعد رحيل الرئيس عبد الناصر انتجت أفلاما عن بشاعة فترة الستينات ونفوذ مراكز القوى بدرجة جعلت الناس التي عايشت تلك الفترة تتشكك في نفسها، وبدأوا التفكير في إنهم ربما كانوا يعيشون في بلد آخر غير ذلك الذي تتناوله الدراما (الساداتية)، وهكذا هلم جرا لردجة أنني وأن في منتصف الخمسينات من عمري لا أكاد اتذكر عملا دراميا توثيقيا واحدا التزم بالحياد وعرض الآراء المختلفة، فالمهم بالنسبة لصناع الدراما ليس المصداقية التاريخية ولا ما نتركه للأجيال القادمة، ولكن إرضاء الحاكم وما يتبع ذلك من تسيير العديد من المصالح بناء على هذا الرضا.