جميل المغازي .. رحيل صاحب الكنوز التلفزيونية النادرة !
كتب : محمد حبوشة
أقامت أسرة المخرج الراحل جميل المغازى، العزاء في الراحل بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، أمس الاثنين بعد صلاة المغرب، وذلك بعد أن وافته المنية عن عمر يناهز 84 عاما، وشيعت جنازة المخرج الكبير جميل المغازي من مسجد الشرطة بالشيخ زايد لمثواه الأخير، ويعد المخرج جميل المغازى من أهم مخرجى التليفزيون، فضلا عن كونه مخرج ومنتج برامج وممثل، وكان له إسهامات في تسجيل لقاءات نادرة عديدة، وتوقف عن إنتاج البرامج عندما اتجه تفكير القنوات للراقصات والمطربين الشعبيين مثل (أوكا وأورتيجا وسعد الصغير).
شارك جميل المغازي مع الإعلامى مفيد فوزى فى سهرات لمجموعة من الفنانين منهم (كوكب الشرق أم كلثوم والعندليب عبد الحليم حافظ وزكى طليمات)، كما اهتم بالعمل والتصوير واللقاءات مع شخصيات أخرى منها (إحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي)، وقام المغازى بعمل تسجيلات نادرة مع عدد من الفنانين العملاقة، وشاركت معه الكاتبة سكينة فؤاد، والصحفية إقبال بركة، وقاموا بعمل حوارات ولقاءات نادرة مع عمالقة الفن والأدب والفكر، حيث تم تسجيل حلقات من النجوم العمالقة مثل: (عادل أمام ونور الشريف وفؤاد المهندس وكمال الشناوى ونجلاء فتحى وتوفيق الحكيم وعبد الرحمن الأبنودى وفيروز وماجدة الرومى) وغيرهم من الشخصيات العظيمة والحلقات تعدت 700 ساعة.
جميل المغازي رائد الأغنية المصورة
كان جميل المغازي من أوائل المخرجين الشباب الذين خاضوا تجارب الكليبات توجه إلى الإخراج السينمائي وأيضا الدراما التليفزيونية بعدها، أخرج العديد من الكليبات الغنائية لعدة مطربين مصريين وعرب، مثل: (إيهاب توفيق، محمد فؤاد، ذكرى، لطيفة، وغيرهم، وقام بإخراج مجموعة من الأعمال الدرامية منها مسلسل (لعبة التفكير) عام 1978، وشارك بالتمثيل في مسلسل (أبو زيد والناعسة) مع كلا من عبد الله غيث، هناء ثروت، محمد الشويحي، أحمد زكي يكن، كريمة الشريف، إبراهيم عبد الرازق، وأصبح المغازي من أشهر منتجي ومخرجي البرامج التلفزيونية، ومن برامجه (سهر الليالي) عام 1988.
ويحسب للمخرج الكبير الراحل جميل المغازي، أنه كان سفيرا للفن المصري من خلال عمله في العديد من التلفزيونات العربية وإخراجه لأهم برامج المنوعات فيها، منها تلفزيون الأردن وقناة أبو ظبي، والذي قدم من خلال الأخيرة واحدا من أهم البرامج الغنائية في نهاية السبيعينات من القرن الماضي، وهوبرنامج (جديد في جديد)، تقديم الموسيقار العبقري بليغ حمدي، ومن خلال هذا البرنامج أعاد لنا سندريلا السينما الغنائية (ليلى مراد) بعد اعتزالها الفن في منتصف الخمسينيات، وكان ظهورها لأول مرة في هذا البرنامج، وقدمت مجموعة من الأغنيات من ألحان بليغ حمدي ومنير مراد بالألوان الطبيعية، كما كان (جديد في جديد) سببا في ظهور مجموعة الأصوات الشابة التي استقطبت مشاهدة جماهيرية كبيرة آنذاك ، واصبحت من أهم الأصوات في مصر والعالم العربي وهى (سوزان عطية، سميرة سعيد، محمد الحلو، محمد ثروت، توفيق فريد)، فضلا عن تقديم أغنيات كثيرة للمطربة (وردة) استمعنا لها فيما بصوت (سميرة سعيد) وهذه الأغنيات هى (بنلف، فراق غزالي، توهة، مسا الجمال) والأخيرة غنتها فيما المطربة الكبيرة لطيفة، وغير ذلك من أغنيات أخرى كثيرة قدمت عبر هذا البرنامج.
قبل عدة أشهر، تحدث المخرج والمنتج الكبير جميل المغازي، عن نشأته وبدايته، وأنه ولد في محافظة كفر الشيخ وجاء إلى القاهرة بعد المرحلة الثانوية لاستكمال دراسته في المعهد الصناعي وكان يحصل على مصروف شهري 2 جنيه، كان حريصا على أن يدرس في معهد التمثيل مع دراسته الأساسية، وأضاف جميل المغازي، خلال لقائه مع الإعلامي أيمن عدلي، برنامج (كنور الوطن): قبل افتتاح التلفزيون بعام طالب الممثل والمخرج محمود السباع العمل معه كمساعد مخرج، ثم سافر إلى ألمانيا للتدريب، وعمل دبلومة في الإخراج، موضحا أن تعامل مع أفضل المخرجين في ألمانيا.
وأوضح جميل المغازي، أنه جاء إلى مصر وقدم العديد من البرامج في التلفزيون مع الإعلامية (فريال صالح)، وأجرى لقاءات مع كوكبة من النجوم الكبار منهم (فريد شوقي وحسين فهمي وهاني شاكر ولبلبة وعمر الجيزاوي وعادل إمام.
لقاءات جميل المغازي النادرة
وكشف المخرج الكبير جميل المغازي، عن العديد من الكواليس والمفاجآت التي تعرض لها مع كل شخص خلال تصويره وحواراته مع الفنانين والأدباء والمفكرين، مؤكدا أن هناك عددا من الحلقات نادرة لم تذع حتى الآن، ولم تتواجد مع أحد حتى المذيعين الذين قاموا بعمل الحوارات معهم، ورفض الراحل الكبير إهداء الكنوز لماسبيرو، مؤكدا: كبر سنى منعنى من إنشاء قناة خاصة، الفضائيات المصرية وصفت حلقاتى بأنها قديمة و(روتانا، وإم بى سى) تفاوضانى للشراء، مشيرا إلى أنه فى زمن الفن الحقيقى لم يضع نجم واحد شروطا للتسجيل معى، وإحسان عبدالقدوس رفض تقاضى أجر للتسجيل.
وتحدث جميل المغازي عن 1500 جنيه حولوا مساره الفنى من العمل كموظف بماسبيرو، إلى منتج برامج تليفزيونية كرائد فى هذا المجال، بهذه الجملة بدأ المخرج جميل المغازى يحكى كيف دخل مجال الإنتاج البرامجى كأول إعلامى مصرى يخوض هذا المجال، وهو ما نتج عنه امتلاكه لأكثر من 700 ساعة تليفزيونية تضم لقاءات نادرة مع عمالقة الفن والمجتمع تحت عنوان واحد (مشوار حياة)، معظمها لم تر النور، وهو ما دفعه للظهور على وسائل الإعلام قبل سنوات قليلة بعد أن فشلت محاولاته فى ترويجها بالشكل المناسب لها.
وعن أسباب رفضه لإهداء هذه الأعمال لمكتبة ماسبيرو قال جميل المغازي: حاولت كثيرا أن أعرض هذه الأعمال على شاشة التليفزيون المصرى، ولكن لم أجد أى استجابة، وذات مرة تلقيت مكالمة تليفونية من مكتب ممدوح البلتاجى حينما كان وزيرا للإعلام، وقالت لى مديرة مكتبه إن مفيد فوزى (دوشنا) بهذه الحلقات فأرسلها لنا لكى نعاينها، وهو ما أغضبنى كثيرا، وهنا أدركت أن زمن المجاملة انتهى، وقلت إننى لن أهدى هذه الأعمال للتليفزيون المصرى، الذى لا يقدر قيمة تلك الكنوز، خاصة أننى انتجت هذه الحلقات من جيبى الخاص، ومن حقى الحصول على العائد الذى أراه مناسبا.
تجربة برامج جميل المغازي
وعن فكرة خوض تجربة الانتاج البرامجى فى ذاك الوقت قال جميل المغازى: (فى عام 1980 طلب منى سامية صادق رئيس التليفزيون آنذاك تقديم ندوة عن أم كلثوم، بشكل مختلف، وإلا تتم مقاطعة المشاركين فى الندوة، فطلبت مفيد فوزى رغم أنه ليس من أبناء ماسبيرو لأنه رجل يهتم بالموضوع أكثر من اهتمامه بالشكل، وبالفعل قدمنا ندوة رائعة حققت نجاحا باهرا، فطلبت منا عمل ندوة أخرى عن عبدالحليم وتكرر النجاح، فعرضت عليها عمل حلقات مع نجوم على قيد الحياة، فوافقت وبدأنا بحلقة عن عادل إمام، وتحمس القطاع الاقتصادى الذى أكد أنه سيمنحنا 1500 جنيه لى ولمفيد كأجر لهذه الحلقات، وبالفعل نفذت الأمر، وفوجئت بأن مفيد يتقاضى المبلغ الذى حدده القطاع، أما أنا فكنت أتقاضى 150 جنيها بحجة أننى موظف بماسبيرو، ولهذا حدث خلاف بينى وبين سامية صادق، وتزامن معه اتصال من أحد العاملين بقناة أبوظبى يطلب منى حلقات فى نفس الإطار بمبلغ 3 آلاف دولار ثم عرض من قناة دبى بتسجيل حلقات مع عمالقة الفن بـ 6 آلاف دولار، ومن هنا راق لى المجال، وبدأت أنتج بنفسى.
ويذكر جميل المغازى، أنه لم يواجه أى مشاكل فى تسجيل لقاءات مع أى نجم فى هذا الزمن، وقال: (الكل كان يرحب لأنهم يدركون أهمية تسجيل هذه اللقاءات لتأريخ قصة حياتهم، ولم تكن هناك أى شروط لهم مقابل التسجيل، ورغم قامات النجوم الذين نستضيفهم وأسمائهم اللامعة ومكانتهم الكبيرة كانوا فى غاية الطاعة والالتزام، وتعاونت مع أكثر من مذيع، فرغم أن مفيد فوزى كان له النصيب الأكبر، لكنى تعاونت مع حمدى الكنيسى وسكينة فؤاد وإقبال بركة وفاروق شوشة، وعبدالرحمن الأبنودى).
واستطرد جميل المغازي قائلا: (كنت أدفع ألفين جنيه للضيف، وطلب منى الفنان عبدالمنعم مدبولى ويوسف إدريس زيادة الأجر إلى ثلاثة آلاف جنيه، ووافقت لأنى أعلم أنهم يستحقون، وكانت لى رؤية فى اختيار الأشخاص، الذين أسجل معهم، فأنا الوحيد الذى سجلت مع المطرب الشعبى (عباس البليدى)، الذى كان جيرانه يجهلون قيمته رغم أنه يعيش بينهم، وسجلت مع الذين قاموا بتأميم قناة السويس رغم جهلى ماذا سأفعل بهذه اللقاءات، وكان آخر من قمت بالتسجيل معهم كان جيل (عمرو دياب ومحمد منير ومدحت صالح)، وبعد هذا الوقت مزاج المسئولين عن القنوات تغير، فأصبح المزاج متجها للراقصات وأنصاف النجوم الذين تصدروا المشهد حتى وصلنا ليكون النجوم فى حجم سعد الصغير وأوكا وأورتيجا، وغلبت النظرة التجارية على القيمة الفنية فتوقفت على الفور عن الإنتاج والتسويق أيضا، لأن أصحاب هذا الفكر لن يقدروا قيمة ما أنتجته.
جميل المغازي والزمن الجميل
مقاطع صغيرة يتداولها الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي الآن ويشيدون بها، ويستعيدون بسببها ذكرياتهم مع زمن الفن الجميل ونجومه البسطاء في تعاملهم مع الغير، والذين لا يهتمون سوى بفنهم وحب جمهورهم لهم، لكن عدد قليل من المتابعين قد لا يعلم حجم الجهد المبذول من أجل تقديم لقاء نادر مع فنانه المحبوب، وبعضهم قد يجهلون الجهد المضاعف للحفاظ على مثل هذا التراث، الذي لا يقدر بثمن من وجهة نظر صاحبه.
جدير بالذكر أن جميل المغازي كان يملك 3 آلاف شريط أي حوالي 700 ساعة تلفزيونية، والشريط الخام الواحد بحوالي 30 دولار، أي كان يملك شرائط خام تقدر بحوالي 900 ألف دولار، وتحتوي على مادة كبيرة هو نفسه لم يستوعبها، وما يشاركه مع الجمهور مجرد مقاطع صغيرة من كنز كبير إذا قام بمشاركتها لن يستطيع أحد استيعابه، فالأحاديث التي كان يجريها لم يكن يستغلها بالكامل، فمثلًا كي يقدم حلقة مع الفنان عادل إمام صور ما يقرب من 18 ساعة ووقتها ما خرج على الشاشة حوالي ساعتين فقط.
حتى الآن لم يهتم أحد بما لدي، والقنوات الفضائية لم تبحث عن مثل هذه الكنوز واهتمامها الأكبر بالدراما، كما أنه ظهر أكثر من مرة مع الإعلامي الراحل وائل الإبراشي، وأيضا لم يلتفت أحدا بعد ذلك ويسأل عما امتلكه، لذلك قرر عرض هذا المحتوى عبر الإنترنت، وتمنى كما قال في وصيته لابنه المخرج جميل جميل المغازي، أن يكون هذا الأرشيف الخاص متاحا للجميع، فهل تتبنى قناة تلفزيونية مثل الوثائقية – على سبيل المثال – التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، هذا المشروع كي يخرج للنور، خاصة أنه يتضمن كنوزا نادردة يصعب أن تتكرر في زمننا الحالي، أم أننا ننتظر دولا عربية من حولنا كي تنظر بعين الاعتبار لمثل المبدعين من أمثال جميل المغازي رحمه الله؟!