بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
إختارت لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة في دورة 2022/2023 أن يكون موضوعها القومى الثانى الذى ستقوم بدراسته هو المسرح المدرسى ، بحيث تغطى الدراسة النشاط المسرحى في مدارسنا من حيث الأهداف ومدى تحققها ، للتعرف على كل ما يعترضه من معوقات ومشاكل لتضع خطة للنهوض به وتوسيع دائرته ، أملا في أن تصل في نهاية الدراسة الى وضع استراتيجية للمسرح المدرسى، لتنفيذ أهداف رؤية مصر 2030 الثقافية ، لتكون بمثابة دستور للمسرح المدرسى فى جميع مراحله (إبتدائى – إعدادى – ثانوى ) مع إدراك اللجنة التام أنها لن تبدأ من فراغ ، بل ستستفيد من جهود سابقة قامت بها جهات متعددة تناولت أطرافا من هذا الموضوع مثل الدراسة التي قامت بها الأستاذة الدكتورة نسرين البغدادى، رئيس المركز القومى للبحوث الاجتماعية سابقا عن مسرح الطفل ، ومثل استراتيجية مصر الثقافية التي وضعتها الوزارة تحت اشراف الأستاذ الدكتور جابر عصفور ، ومثل استراتيجية المسرح المدرسى التي أصدرتها الهيئة العربية للمسرح والتي شارك في وضعها متخصصون من كافة أرجاء الوطن العربى ، وكل هذا على سبيل المثال لا الحصر.
ورأت اللجنة في البداية أن تقرر حدودا لتلك الدراسة من خلال تعريف المسرح المدرسى بأنه النشاط المسرحى الذى يقوم به الطلاب بأنفسهم كعارضين و مؤديين – حتى و لو تم الاستعانة بمحترفين في التأليف والإخراج والتصميم لاستكمال العملية الفنية – سواء كان هذا النشاط يناقش مشاكل الطلاب اجتماعيا او نفسيا ، أو أن يرتبط بالمناهج المقررة ( مسرحة المناهج ) أو يسعى حتى لتقديم تسلية راقية لا تتعارض مع القيم و المبادئ . وفي هذا المجال هو يختلف عن مسرح الطفل الذى من الممكن أن يسبق دخول المدرسة ويتحدد بمرحلة عمرية معينة أقل إتساعا ، ولا مانع أن يقدمه الكبار للصغار ، ولكن يشترك مسرح الطفل مع المسرح المدرسى في ضرورة أن تقوم عروضهما بتعزيز قيم الانتماء و المشاركة .
إدارة ملف المسرح المدرسى
وبالطبع لا تقصد هذه الدراسة الى القول بأن هناك تقصير من وزارة التربية والتعليم في إدارة ملف المسرح المدرسى، ولكنها تهدف الى الوقوف الى جانبها ومساعدتها في تعظيم الفائدة من هذا النشاط والتدخل لدى الجهات المعنية للمساهمة في حل المعوقات التي تعترضه، فقد كانت وجهة نظر اللجنة أن المسرح المدرسى يجب أن تتشارك في تقديمه وصناعته عدة وزارات إلى جانب وزارة التربية والتعليم ، فوزارة الثقافة تملك الطاقات البشرية لصناعته و تملك أيضا وسائل الدعم اللوجيستى ، ولا يمكن أن يتم بعيدا عن وزارة التنمية المحلية التي تضم جميع المحافظات التي ينتشر بها هذا النشاط ولا يمكن ان يتم بمعزل عن دعمها، كما يتماس هذا النشاط مع ما تقدمه وزارة الشباب من خلال نشاط الطلائع بها، ولا يمكن أن ننسى جهد وزارة الأوقاف في الوقوف مع هذا النشاط ، أو على الأقل ضمان عدم محاربة بعض الزوايا له .
إقرا أيضا : هدى العجيمي تكتب : أضواء المسرح (7) .. إنشاء مسرح مدرسي
وعلى الفور تم اختيار لجنة مصغرة من أساتذة الفن المسرحى المتخصصين من أعضاء لجنة المسرح أو من خارجها إلى جانب عضو عن إدارة النشاط بوزارة التربية والتعليم وممارسين للعمل بـ المسرح المدرسى سابقين وحاليين، وقررت لجنة المسرح أن يتكامل عمل هذه اللجنة المصغرة مع لجان المجلس الأعلى للثقافة ذات الصلة كلجنة الطفل ولجنة التربية وعلم النفس و لجنة الدراسات الاجتماعية، ولكن للأسف الشديد لم تتمكن هذه اللجنة من استكمال عملها.
مبادرة إحياء المسرح المدرسى
وفي بداية شهر يونيو 2023 و في إطار مبادرة (إحياء المسرح المدرسى والفنون المدرسية) التي تتعاون فيها وزارة الثقافة مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني صدر قرار من وزيرة الثقافة الأستاذة الدكتورة نيفين الكيلانى، بتكوين لجنة علمية للإعداد للدورة الأولى لملتقى (النشاط الفني بالمدارس بين الواقع و المأمول) برئاسة الأستاذ الدكتور هشام عزمى أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، ضمت العديد من مقررى لجان المجلس وخبراء من خارجه، واختارت لها المخرج أحمد السيد مقررا، على أن يكون أحد محاور الملتقى كيفية الارتقاء بـ المسرح المدرسى، فكانت تلك فرصة لاستكمال ما بدأته لجنة المسرح، ولذا طالبت في الاجتماع الأول بأن يكون بين أيدينا في البداية معلومات كاملة عن النشاط المسرحى الطلابى وذلك عن طريق:
أولا: إجراء حصر لجميع الأنشطة المسرحية التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم وبيان نوعياتها ومدى توزيعها على المستوى الجغرافى ومدى تحقيقها للمستهدف.
ثانيا: المشاكل والمعوقات المالية والإدارية والفنية التي تواجه المسرح المدرسى عن طريق عقد جلسات استماع للقائمين عليه والناشطين فيه، وحصر قواه البشرية ومدى كفاءتها الفنية.
ثالثا: المشاريع السابقة للنهوض به ولماذا لم تكتمل؟، فحسب معلوماتى هناك بروتوكول تم توقيعه بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة في عصر الأستاذ الدكتور جابر عصفور للتعاون في مجال مسرحة المناهج، وبالفعل تم تقديم عروض لطلاب المدارس ولكنها توقفت بعد فترة، وهناك أيضا استراتيجية وضعتها وزارة التربية والتعليم لنفسها في عصر الأستاذ الدكتور محمود أبو النصر، وهناك بروتوكول تعاون بين الهيئة العربية للمسرح ووزارة الثقافة في مجال المسرح المدرسى.
رابعا : كيفية الربط بين مبادرة احياء النشاط الفني و بين أنشطة قائمة فعليا في وزارة الثقافة مثل مسابقة المبدع الصغير.
خامسا: معرفة اتجاهات الطلاب ورغباتهم في مسرحهم الذى يقدمونه أو يقدم لهم، مع إيجاد آلية علمية لقياس المردود الفني والتربوى عليهم .
إقرأ أيضا : القاسمي ينادي بالنهوض بالمسرح المدرسي، لأنه أساس نقل الثقافة العربية للأجيال الجديدة
ولقد أضاف الأساتذة الزملاء في اللجنة العلمية الكثير من النقاط الهامة في كافة أفرع النشاط الفني من موسيقى وغناء وفنون أدائية وفنون تشكيلية وحرف بيئية، وتعددت الرؤى والوسائل والطرق ولم تختلف الأهداف، و لذا فالكل أجمع على ضرورة عودة (حصة النشاط) التي كان الطالب فيها يمارس هوايته داخل المدرسة.
و لكن أكثر ما أثار انتباهى هو ما قاله الدكتور محمد فتحى الكاتب و الإعلامى الكبير عن ضرورة وجود منصة للطفل المصرى – برغم وجود قنوات تليفزيونية تحمل اسم مدرستنا، وبرغم وجود موقع لوزارة التعليم – منصة تحمى أولادنا من تجاوزات المنصات الأجنبية، وتحافظ على قيم مجتمعنا وأخلاقياته ولا تقتصر على الأمور التعليمية فقط بل تيسر لأبنائنا المعارف العامة، وفي نفس الوقت تتسع لأعمالهم الفنية التي يقومون بها بأنفسهم و تسجل نشاطاتهم، و تقوم بعض برامجها على الرياضة الترفيهية البعيدة عن العنف وهي نوع من العروض السلمية والتنافسية الحركية؛ وذلك بهدف الترفيه والتسلية وتسمح لأفرادها بتطوير قدراتهم الجسدية والاجتماعية والعاطفية والأخلاقية وتحارب التعصب كما يقول علم الاجتماع الرياضى.
نتمنى أن توفق اللجنة العلمية في أعمالها و أن نشهد بالفعل إحياءً للنشاط الفني في مدارسنا من أجل مواطني المستقبل، وألا تنتهى هذه المبادرة كسابقاتها دون إبداء الأسباب، أو أن تكتفى بالتصريحات والضجيج الإعلامى فقط.