بقلم الشاعر الكبير : إبراهيم رضوان
بداية أشهد أمام الله أن صديقي المبدع (أحمد السماحي) قال لي من البداية : (خلي بالك وأنت بتكتب عن محمد منير، لأن فيه ناس هاتحاول تصطاد في الميه العكرة)، لم أستمع لكلماته، وتركت لقلمي العنان، ولايعلم إلا الله مدي حبي لمنير، وأنه كان محطه من أهم محطات حياتي، كما كنت ــ كما قال ــ محطه من أهم محطات حياته، بالنسبة لي، انتهي التعامل مع منير، لكنني بعد أن شاهدته في حفل (جدة) الأخير أحسست أنه في أشد الحاجة لي!.
وقد وصلتني رسالة من شاعر صديق من أقرب الناس لقلب محمد منير، وقلبي يقول في رسالته: (السلام عليكم أستاذي العزيز الشاعر إبراهيم رضوان، كم أحزنني أن أقرأ سلسلة مقالاتك عن محمد منير، وأنا قادر اتفهم غضبك، وزعلك منه، خاصة في الموقف الأخير اللي أنا كنت شاهد عيان فيه، وأقسم بالله، أنه مش تحيز لمنير، ولكن أنا قلت لحضرتك عالظروف المحيطه بيه، ونقلت لك كلامه عنك المليان حب واحترام.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان : (عمايل) محمد منير .. جعلتني أترحم على محمد نوح (13)
ولما كلمت محمد منير عن أغنية (البحر معشوقي) ذكرك بكل الخير، ولما قلتله إبراهيم رضوان زعلان منك قاللي : (لايمكن إبراهيم ده حبيبي، عمرنا ما نزعل من بعض، يمكن الظروف بعدتنا، لكن يفضل حبيبي، وهو كمان بيحبنني)، وأنا اقسم علي هذا، فمش عارف ليه، وإيه لازمة سلسله المقالات اللي بتكتبها، وكلها تجريح، وتقليل من شأن محمد منير، وليه تخسر جمهوره، وجمهوره قاعده عريضة عشقت كلماتك لما سمعتها من منير، وأنا واحد منهم، كنت ممكن أسمع أغاني من تأليفك وتعجبني، لكن لما غنالك منير من سنة 1985 ولا 1986، بدأت أسمع أغانيك وأقرأ دواوينك، وسمعت مشوارك الجميل مع (محمد نوح) اللي دايما منير يشاور عليه ويقول: (من أعظم ماقدمت مصر من غناء، هو غناء محمد نوح مع إبراهيم رضوان).
عاشق محمد منير
ولا تنسى أن محمد منير اللي قال: (أنا مش خايف على الأغنية المصرية طالما إبراهيم رضوان موجود)، أنا هنا بأكلمك بلسان الصديق والأخ الأصغر، وفي نفس الوقت عاشق محمد منير، والفن الراقي المتمثل في كلماتك وشعرك، أرجوك لو تتقبلها مني، راجع السلسله دي، وخاصة الحلقه الأخيرة، فيها ظلم واضح جدا خاصة لواحد زي حالاتي شاهد عصر على علاقة منير بآل الحجار، وحبهم المتبادل.
وكمان كلامك عن الشاعر (عبد الرحيم منصور) لا يليق، للأسف بجدأ أنا حزين، وبأكلمك من العشم والمحبه اللي لمستها من خلال مكالمتنا سوا فتقبلها مني بصدر رحب).
ثم عاد ليقول لي في رسالة أخري: (أنا كمان معاك، وعارف أنك متضايق من الموقف، وأنا قلتلك وخليتك تكلم محمد مدير أعماله، لأن محمد منير ربنا يديه الصحة تعبان فعلا، غير أنه مالوش خالص في السوشيال ميديا ولا التليفونات الحديثه، وأنا كلمته بنفسي وشكر فيك جدا وفي أغنية (البحر معشوقي)، ووعدتك أني أحل الموضوع، بس حبيبي رد فعلك قاسي جدا.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان : محمد منير يكره كل من رفعوه إلي السماء! (12)
تابعت سلسلة مقالاتك، وساكت، لكن الأخيرة دي صعبه جدا، وعلى فكرة (مي منصور) زعلانه منك جدا.
صديقك طاهر الصواف.
ثم وصلتني رسالة أخرى من أعز أصدقاء محمد منير حبيبي مصطفي حمزه يقول فيها: (أرى تعجل وغضب في كلامك عن منير، في تقديري، غير موفق، على الأقل بحكم المعروف تاريخيا عن تجاربكما، وعلاقات الكبار لا تخرج أو تثار، عبر المواقع حتى وإن وصلت للخلاف أو التوقف عن التعاون).
ثم يقول في رسالة أخرى: (حق العتاب لك، لكن تعلمت منكم شيم الكبار، ومعلش حضرتك تعلم وأكيد تتابع مزايدات الصغار، عبر السوشيال ميديا، وبأكون حزين كمحب، لما أشوف قامات عظيمة، تفتح باب زى ده للصغار).
همزة الوصل مع محمد منير
ثم يقول في رسالة ثالثة: (أنا كمحب ومتابع أعرف ان حضرتك تحديدا على مستوى الكلمات كنت في تقديري همزة الوصل بين جيلين كتبوا لـ محمد منير من رموز شعر العامية اللى بنعشقه، حضرتك فتحت الأبواب امام جيل (جمال بخيت، وعوض بدوي)، وأيضا (عصام عبد الله، وحسن رياص – رحمهما الله).
بعد ذلك وصلتني مقالة أعتبرها تحفة فنيه تحت عنوان (قلب الوطن مجروح) من صديق لي أعتبره من أعظم كتاب القصه القصيرة علي مستوي العالم هو المبدع (محمد عبد الواحد) يقول فيها: (وأنت تخطو في شارع مصري صاخب مزدحم، يتناهى إليك من مقهى صوت محمد منير معاتبا (إزاى ترضيلى حبيبتى؟)، بينما في الطرف الاخر من الشارع يشحذ محمد نوح الهمم بكلمات الشاعر الكبير إبراهيم رضوان (الله حى.. مدد مدد)، فيتجلى لك غضب الوطن .
إقرا أيضا : إبراهيم رضوان: محمد منير لا يبكي إلا أمام الكاميرا (11)
يشدو محمد منير في التليفزيون (بكار..أبو كف رقيق و صغير) ينساب رقراقا من مذياع لمجند في القطار أو طالب يذاكر (شعر وموسيقى) بشعر إبراهيم رضوان، فيسهر الوطن ليله، يبتهل منير (مدد مدد يا رسول الله) ليصدح أحمد إبراهيم بابتهال رمضانى من كلمات إبراهيم رضوان (سيدنا المختار/ كان لما يغيب في الغار/ يقلق أصحابه عليه/ يخرج وعلامة الوحى بريق في عينيه) ليتردد الآذان في جنبات الوطن.
حينما كان يذوب محمد منير في (عشق البنات) كان هانى شاكر في جانب آخر يلوم حبيبته (أرجوكى يا حبيبتى)، ومحمد الحلو يتعجب منها (بتزعل ليه ؟)، من كلمات الشاعر إبراهيم رضوان، صوت المطرب محمد منير، وكلمات الشاعر إبراهيم رضوان، وجدانيات شعبية مشتركة، اقتسما فيها غضب الوطن وطعم السهر في لياليه، اقتسما العشق والهوى والتجليات الدينية.
مطرب مصر محمد منير
عقب قراءتي لسلسلة المقالات التي خطها شاعر مصر عن مطرب مصر محمد منير، شعرت بأن (قلب الوطن مجروح) بالفعل، وأنه ينزف إبداعا وفنا هما حق فولكلورى لكل المصريين، وبمعرفتى الشخصية بالشاعر الكبير إبراهيم رضوان أقول أن في صدره يخفق قلب طفل، والمبدع الحقيقى أبدا لا يكبر، الطفل يختبئ بداخله عن كل العيون داخل جسد الرجل، لذا فالمبدع الحقيقى لايكف عن الاندهاش من الدنيا.
وفى أحاسيسه الحادة تجاه كل شيء، في غضبه الذى تطفئه قطعة شوكولاته، أو حتى مجرد أن تخبئ وجهك وراء كفيك المفرودتين، ثم تفتحهما أمامه فجأة ليذهب كل الغضب، ويعود ضاحكا مقهقها.
في متابعتى لحلقات شاعر مصر عن مطربها لمحت بين السطور غضبا طفوليا لكنه في نفس الوقت غضب واع، هناك قسوة واضحة لكنها قسوة موجهة إلى القشرة الخارجية التي غلفت المطرب محمد منير ليصل إلى لبه الذى عهده منه في زمن الإبداع المشترك ليعيد هذا اللب إلى الوجود.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: أنا و محمد منير.. حكاية أغنية (المغرورة).. (10)
بالـتأكيد أن نبضات القلب لايمكن أن تتحول أبدا إلى طلقات رصاص، لكنها من الممكن أن تصبح خفقانا مضربا عاليا ينذر بسكتة قلبية ليهرع صاحب القلب بالعودة إلى عاداته الصحية، وعيادة طبيبه بل وإجراء عملية قلب مفتوح إذا لزم الأمر ..
واذا كان جميع محبى الشاعر يلمحون عند مدخل وجدانه تمثال قائم أبدا للمطرب محمد نوح، وإذا لمحوا صورة محمد نوح تعلو (الواتس أب) الخاص به في دلالة مستمرة على نوع من التوحد بينهما، فلن نعجب إذا عثرنا في ماضى علاقتيهما في أروقة المحاكم قضية رفعها الشاعر على نوح، وفي المجلات، والدوريات مقالات نارية وجهها له، و مع ذلك كان يقرآها سويا ويتعاتبان، وينغمسان في إفراز العسل الفني، ولم يبقى لمحمد نوح من بعد وفاته من وريد ينبض بنبضه سوى في جسد شاعرنا الكبير، و لم تجد سحر نوح عوضا عن أبيها إلا في صدره الواسع.
لذا لم أتعجب من فورة الغضب الطفولى بوعى في هذه الحلقات الطلقات الموجهة في إصرار على نزع القشرة الخارجية للمطرب محمد منير التي تكونت وتكلست على مر الزمن بطبقات من مطمورات شوائب الشهرة والإحساس بالتفرد، والسلطان ليصل الى الفتى الأسمر سمرة نيل النوبة، وبتواضع قرية (دراو) لينتزعه، ويعيده إلى الوجود لتعود لعلاقة الصداقة صفائها ونقائها القديم .
وإذا كان الانتحار هو أقصى درجات غضب النفس من النفس، فهذه المقالات كانت بمثابة إيذاء النفس عن الشاعر لغضبه من جزء منها، هذا الجزء هو محمد منير نفسه، وقد عهدت فيه الحزن، وتجلت أمى النفس اللومة، وهو يواصل كتابتها دون قدرة على التوقف عن الاستمرار فيها.
محمد منير .. حق الرد
لذا أدعوا شاعر مصر الكبير إبراهيم رضوان أن ينفض عنه قميص الغضب، وأن يكون البادئ بزيارة ود، وتأكيد للمطرب الكبير بأن ما كتبه هو غضب، وليس عداء، وأن من حق المطرب الكبير محمد منير أيضا الرد على كل ما ذكره من أحداث بنفى أو تأكيد، و أن يتم نشر الرد في نفس المطبوعة لنفس الجمهور.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: منير أساء لمن ساهموا في نجاحه! (9)
أتذكر هنا مقطع يوتيوب لطفلين في الثالثة من عمريهما، دفع أحدهما اصبعه في عين الآخر، فرد الآخر على فوره بصفعه، وبكى كليهما لثوان وكل يدير ظهر للآخر، لكنهما في نفس اللحظة استدارا وبينما هما مستمران في علوهما بالصراخ اندفعا يتحاضنا، وكلاهما يربت على كتف الآخر.
والمبدعين الحقيقين أطفال حقيقين، لذا أتمنى أن يستدير كلاهما للآخر في بكاءه، وأن يربت كلاهما على كتف الآخر، ولتبدأ الاستدارة بمبادرة شاعرنا الكبير بزيارة قريبة لمطرب مصر محمد منير، فمصر لاتحتمل (حدوتة مصرية) حزينة جديدة، وقلب الوطن لا يحتمل مزيدا من الجراح.
وهكذا أسدل الستار عن مذكراتي وذكرياتي مع محمد منير التي لم ولن تكتمل، وأعطي نفسي فترة طويله للراحه، خصوصا بعد أن تعرضت لحملة قذرة من شخصات أقذر، ويكفيني مكالمة محمد منير التي قال لي فيها: محمد منير: تعالي زورني علشان أصالحك، فقلت له: أنا مريض، فرد سريعا: يبقي المفروض أنا اللي أجيلك طلخا، وبالمره أشوف ولادك وأحفادك، واتصور معاهم، بس بعد العيد).
وما زلت في انتظار محمد منير من الآن.