بقلم الأديب الكبير: حجاج أدول
بداية أنصح فأقول: لا تأمن لمن لا يحب فيلم ابن حميدو !، فسيتنمر ويتحرش بك بمصطلحات كراكيبية مكعبلاتية، (آه) على رأي الباز أفندي.
وأنا المتيم بفيلم ابن حميدو، والموقن بأنه عمل صالح، فيلم منذ عام 1957 وهو ويسعد الناس بدون توقف، ابن حميدو عمل خيّر مبهر، تشاهده وحدك أو مع أصدقاءك، أو مع أسرتك.
تشاهده وتشاهدونه مرات ومرات، وكل مرة تضحك من قلبك، مهما كان مركزك ونوعية تعليمك، وسواء كنت من قاطني الكومباوندز أو المحشورين في العشوائيات، وإن كنت من المغرمين بأفلام أشهر وأعمق المخرجين مثل (كيروساوا الياباني، وفلليني الإيطالي، وبرجمان السويدي أو شادي عبد السلام المصري).
إقرأ أيضا : رسالة جمال عبدالناصر التى نفذها إسماعيل ياسين في الأسطول
سيعجبك الفيلم حتى وإن كنت ممن يرفضون دعوة المخرج الفرنسي (ليلوش) لمهرجان القاهرة السينمائي أو الداعين له، ولتكوني يا سيدتي المُشاهدة من مرتديات البيكيني أو البوركيني أو تنزلين البحر بجلباب مع البلل يصير أكثر إغراؤه وبيلا، فعليكم جميعا رجالا ونساء وأطفالا، عليكم أن تفرفشوا مع فيلم ابن حميدو، هذا الفيلم الفَلْتَة الفاتن الفتّان يقولنا كده بالبلدي.. انسوا همومكم وتعالوا نفرح ونضحك ونزأطط.
القصة والسيناريو والحوار للفذ عباس كامل، وهو مصيبة كومديانية، ومخرج أيضا، راجع فيلمه (العقل والمال)، فيلم حكاية يجعلك تنساب في الضحك ببساطة، إخراج فيلمنا ابن حميدو، للفذ شجيع السينما الكوميدية فطين عبد الوهاب، فطين جعل طاقم التمثيل في أحلى وألذ حالتهم، فهل رأيت (سمعة) إسماعيل يايسين والحلوة هند رستم والحبوبة زينات صدقي، ولا المفتري كوميديا عبد الفتاح القصري، ولا الشرير الحلو توفيق الدقن، ولا الشاب الظريف على خفيف أحمد رمزي، ولا رياض القصبجي شاويشنا عطية، أروع شاويش مضحك في الدنيا.
رائعة ابن حميدو
هل رأيتم هؤلاء الفنانين من قبل في أدوار أحلى من أدوارهم في رائعة ابن حميدو؟!، ربما تجد لبعضهم أدوارا موازية، لكن أفضل من وجهة نظري.. لا ممكن أبدا.
بعض العبارات السينمائية تدخل في معيّة الناس لتبقى جيلا بعد جيل، تصير من تراثه الشعبي، مثلا (سي السيد) في ثلاثية حسن الإمام والخال النجيب المحفوظي، فشخصية سي السيد، هو مثال لأغلب رجال عصره، في المظهر هو وقور متحفظ رزين له هيبته، وفي المخبر من تحت لتحت، هو فلاتي زير نساء، ففي الجانب المظهري يخشاه أبناءه وزوجته ترتعب منه، لا تنادي إلا وهى وجله راضخة (سي السيد) لكنه في الجانب المشخلع حين تستولي عشيقته الجديدة على بضاعة كثيرة متنوعة من محله، ويسأله مساعده عن البضاعة التي لم يندفع ثمنها، كيف تُقيد في الدفتر؟ فيقول له سي السيد وهو ولهان هيمان راضي!
– قَيّد عندك (بضاعة أتلفها الهوى) وغيرها، وحين تفضحه جليلة العالمة التي كانت خليلته ثم هجرها لغيرها، يصدم ابنه كمال فيسأل أخاه الأكبر:
– معقول أبوك كده؟!
فيجيبه أخاه وهو يتراقص: (دا كده وكده والـ… بحر بيضحك ليه)؟
نترك بين القصرين، لا أتذكر في أي فيلم قال توفيق الدقن مقالته الحكيمة (أحلى م الشرف مفيش) للدقن، والدقن من أشهر الممثلين الذين فجروا (إفيهات) جميلا مضحكة تصير أمثلة ساخرة عن الناس، جيلا بعد جيل، فتوفيق الدقن هو الذي أطلق صواريخ (آلو يا أمم) و(آلو يا همبكة) و (كله على ودنه).
إفيهات ابن حميدو
في فيلمنا ابن حميدو، وجملة مفيدة للتريقة والضحك.. (فتشني فتش) ويقولها الممثل حسن أتلة، وهو ممثل كوميدي متميز، وكان يستحق أدوارا أكثر مما قدمها، وحسن أتلة مشهور أكثر بعبارة صارت علما (أنا عندي شعره، ساعة تروح وساعة تيج)، وأيضا (يا معنمى. ويوووه ده انت نينة أوي) طبعا يقصد يا معلمي.. انت نيلة قوي.
أما زينات صدقي فهي بعفويتها أعتبرها فرقة ضحك شعبي منطلق، في أفلام سابقة أطلقت (كتاكيته بني) وغيرها، لنشاهد جبارة الضحك العفوي زينات صدقي في فيلمنا ابن حميدو وهى غارقة في حالة سَهْوَكَة تصرخ مدعية على سُمعة (إسماعيل ياسين) بالجملة التي أضحكت الممثلة هند رستم (دا حتى مش كويس أبدا على عقلي الباطن)، فعن هذه الجملة وغيرها حكت الفنانة هند رستم في كتاب (هند رستم.. ذكرياتي)، والذي كتبه على لسانها المبدع أيمن الحكيم، تقول هند عن زينات صدقي: (وكانت الكريزة نفسها تنتابني أيضا لسبب مختلف وهو زينات صدقي، كان دمها شربات، وكانت مشهورة بالارتجال، يعني تطلعلك بحاجات غريبة مش موجودة في الحوار. وفي أحد مشاهد فيلم ابن حميدو، التي تجمعنا لم استطع أن أكمل الحوار لأنني كنت أنفجر من الضحك، وأعدنا المشهد حوالي عشر مرات، فقد كانت زينات صدقي تفاجئني كل مرة بجميلة جديدة من ابتكارها تضيفها إلى الحوار الأصلي من دون أن نكون متفقين عليها، وفي إحدى المرات قالت:
(يعني ها فضل طول عمري من غير جواز؟!، دا حتى مش كويس أبدا على عقلي الباطن!).
أنا سمعت (عقلي الباطن) من هنا وانفجرت من الضحك!).
هند رستم.. فاكهة ابن حميدو
طبعا الفنانة هند رستم هى فاكهة الفيلم الطازجة، جمالها خاصة في هذا الفيلم ساحر رقيق، ووفي كتاب (هند رستم.. ذكرياتي) للأستاذ أيمن الحكيم، يذكرنا بمقولات قيلت عن هند رستم، قيلت في أشهر المجلات العالمية وقالها عنها نجوم مصريون نوجوم عالميين مثل ماتشيلو ماستروياني، هنا سأذكر ما قاله عن مصر وعنها الممثل المطرب الأمريكي دين مارتن. قال (أروع ما أحببت في مصر: هند رستم والشيشة).
ثم في مشهد مذهل من ابن حميدوا، هى وإسماعيل ياسين ودخول الباقين عليهما: (يا سارق قلوب العذارى) ثم (إنسان الغاب طويل الناب)، فينفعل القصري وهو يشحذ سكينة قائلا: (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُرَاقَ عَلى جَوَانِبِهِ الدّمُ).. ياواد يا حِمِش، عبد الفتاح القصري تحفة كوميدية في دور المعلم حنفي. نستمع لمقولته الشهيرة: (أنا كلمتي متنزلش الأرض أبدا) ثم خواره وانسحابه أمام (رجولة) زوجته الطاغية اللطيفة مدام حنفي، فيحاول التخفيف من خزيه فيقول وهو يهدد مكشرا: (خلاص حتنزل المرة دي، بس أعملي حسابك، المرة الجاية..)، عبارة صارت تراثا نردده حين تتجبر علينا زوجاتنا، نردده ضاحكين، سواء ضاحكين ونحن الأعلون، أو ضاحكين مداراة للخزي الرجولي الغالب، المتمثل في المعلم حنفي القصري. علما بأن اكلاشيهات الجُمَل التي صارت أمثله، تستحق مقالا طويلا عريضا من جمالها، فليقم بهذا غيري.
ما أحلى توفيق الدقن في هذا الفيلم، الدور وكأنه مرسوم عليه هو شخصيا، غيره لأ (آه)، وكمان نقول عليه جملته في الفيلم (صلاة النبي أحسن) هذا حتى لا نحسده، وهذا أيضا ما نستطيع قوله على بقية الممثلين العظام، فلا فيلم ابن حميدو، بدون إسماعيل ياسين ولا بدون القصري ولا بدون زينات ولا بدون الشاويش عطية، ويقينا ولا بدون هند الراسخة فيه بحلاوتها وظرفها، فهند الجانب الأنثوي اللطيف، هى نسمة بحر منعشة.
أحمد رمزي من نجوم السينما المصرية بلاك شك، وبلا شك رمزي ليس ممثلا عظيما، لكنه منح من الخالق جاذبية سينمائية هائلة، أي كاريزما، خاصة في أفلامه الأولى حين كان في فتوة الشباب، أحبه الجمهور من أول طلّة وكانت طلته في فيلم (أيامنا الحلوة) مع صديقه من قبل الدخول في السينما عمر الشريف، لآخر أيامهما التي انتهت بداية من موت عمر فتأثر بعمق أحمد رمزي حتى رحل من بعده بعدة سنوات، وفيلم (أيامنا الحلوة) بند من بنود نجاحه أن البطولة فيه جماعية وليست فردية، ولهذا مساحة احمد رمزي وعبد الحليم حافظ في الفيلم ممتازة، هذا رغم أنهما وجوه جديدة. أحمد رمزي في أفلام كثيرة ونجح وأضاء الشاشات بعفويته الجميلة وكما قلنا بكاريزم والكاريزما أي القبول منحة يهبها الله، ولا تشطرت بالإجادة، لكن إن اجتمع الكاريزما مع الإجادة يكون الفنان قد وصل للقمة، مثلما حدث مع عمر الشريف صديق العمر لأحمد رمزي.