ريم بنا .. التى اتهمت بالإلحاد في (تجليات الوجد والثورة) !
كتب : أحمد السماحي
ريم بنا مغنية فلسطينية مرت في حياتنا كالنسمة الرقيقة في يوم صيف حار، كانت تطير بنا بصوتها الدافئ، لتُحلق بعيدا عن دائرة الفن الاستهلاكي، لتصل إلى إطارات أوسع نحو الفن العربي، والعالمي، وذلك بفضل موهبتها الفنية التي صقلتها أكاديميا، خلال دراستها تطوير الصوت وتاريخ الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى في موسكو، لهذا لم يكن مستغربا أن يتم اختيارها كواحدة من أفضل 5 موسيقيين في العالم، الذين ساهموا في التطورات الموسيقية على الساحة الفنية العالمية المعاصرة، منذ بدأت مسيرتها عام 1985.
رحلت ريم بنا عام 2018 بعد أن هذبت وجداننا بالعديد من الأعمال الغنائية القليلة لكنها على درجة كبيرة من الرقي، والعذوبة الشديدة، رغم إمكانات ريم بنا المحدودة في الغناء كصوت مثقف واع لكن كان أدائها وإحساسها رائعا ومتميزا للغاية، ويمكن أن نطلق على ما قدمته خلال مشوارها الفني القصير تجارب غنائية، فأعمالها القليلة كانت عبارة عن مجموعة من التجارب.
إقرأ أيضا : أغاني المولد النبوي .. نفحات روحانية تعانق حناجر المحبين
ومن الألبومات الغنائية المتميزة للمغنية الراحلة ريم بنا ألبوم (تجليات الوجد والثورة) الذي طرح في الأسواق في شهر مارس عام 2013 في العاصمة النرويجية أوسلو، ثم طرح بعد ذلك في الأسواق العربية، وجاء إنتاج هذا الألبوم بدعم من وزارة الخارجية النرويجية وجمعية صوت وصورة، وتكفل بالإنتاج والتوزيع الموسيقي عازف البيانو العالمي الفنان النرويجي (بوغي وزلتوفت)، ولحنت كل قصائده وأغانيه ريم بنا.
ريم بنا .. تجليات الحب والثورة
و تضمن ألبوم (تجليات الحب والثورة) 12 أغنية وقصيدة، ست منها صوفية وهي قصائد لـ (رابعة العدوية، وابن الفارض، والحلاج، وابن عربي)، أما بقية الأغاني فهي لشعراء عرب بينهم الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، وراشد حسين شاعر المقاومة الفلسطينية الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في السبعينيات من القرن الماضي، وبدر شاكر السيّاب، بالإضافة إلى قصيدة من كلمات المناضل التونسي عمارة عمراني الذي عانى ويلات التعذيب وقضى فترة من عمره في زنزانات السجون أيام حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، بعنوان (الحر) وقامت ريم بأداء الأغنية باللهجة التونسية.
ريم بنا .. عمل جماعي
وكان الألبوم هو الأول الذي تقوم فيه ريم بنا بعمل جماعي مع مجموعة من الموسيقيين من دول مختلفة هى (فلسطين، تونس، النرويج، الهند)، وكذلك مشاركة فنان الراب التونسي (مستر كاز) في قصيدة (الحر)، وكان الألبوم تحديا لمسيرتها الفنية القصيرة – لها كما ذكرت لي – نظراً لأنه أول ألبوم تتولى فيه تلحين جميع القصائد ويأتي متزامناً مع سقوط بعض الأنظمة العربية (تونس، مصر، ليبيا) التي جثمت على الشعوب العربية لفترة طويلة والمقاومة المستمرة في دول أخرى.
وعن سبب اختيارها هذا النوع من الغناء، قالت ريم بنا: إنها لا تبحث عن أغانٍ تحقق لها الشهرة، بل تركز كل اهتمامها على الأغاني التي تعبر عن مواضيع تنتصر للقضايا التي تشعر بأنها قريبة من روحها، وشكرت ريم في هذا الألبوم وكما جاء في الغلاف مجموعة من الأصدقاء الذين ساندوها وذكرتهم بالاسم، كما شكرت أولادها (بيلسان، قمران، وأورسالم)، كما شكرت شكر خاص الفنان الكبير (بوغي وزلتوفت) لإيمانه بهذا الألبوم، ولإدارة قصر النجمة الزهراء في سيدي بوسعيد، ولوزارة الثقافة التونسية لإجازة التسجيل في القصر.
ريم بنا وليلى خالد
كما وجهت تحية خاصة لكلا من المناضلتين من أجل الحرية جميلة بوحيرد (الجزائر)، وليلى خالد (فلسطين)، وإلى أمها الغالية زهيرة صباغ على مساندتها ودعمها لها، وإلى أبوها الروحي القديس الهندوسي شري برايهوجي، وخصت بالتحية الغالي على قلبها أيمن عمراني.
جاء غلاف الـ (C.D) الخاص بالألبوم متميزا للغاية يتضمن صور كثيرة لكل العاملين في الـ (C.D) فضلا عن صور للمغنية الراحلة ريم بنا، مع كتابة كلمات الأغنيات والقصائد باللغة العربية والإنجليزية، وقد ترجمت والدتها القصائد إلى اللغة الإنجليزية، والقصائد هى (شمس الهوى) شعر إبن عربي، (قلبي يحدثني بأنك متلفي، وطعم الهوى، زدني بفرط الحب) شعر إبن الفارض، (أحبك حبين) شعر رابعة العدوية، (عجبت منك ومني) شعر الحلاج، (غريب في الخليج، وأنشودة المطر، ولا تزيديه لوعه) شعر بدر شاكر السياب، (أثر الفراشة) شعر محمود درويش، (الغائب) شعر راشد حسين، (الحر) شعر عمارة عمراني.
كلمات أغنية الحر:
الحر ما بين الأندال، مخنوق يصعب صياحو
كي الطيران ما بين الأوحال، جات ضربتو في جناحو
يا وقت داويه بالنار بالكي تبرا جراحو
يزّيه ما شْرَب مُرّار سنّيه بالهم طاحوا
الحُرّ مهما تدمّر لا يساوم
لا يطبّل ولا يزمّر يموت واقف والسلاح معمّر
يحبّ الرصاصة نار تقديه حيّه
كلاب الجِيف يعرفها
لا مشى معاها يوم ولا حالفها
وغزلان الصحرا يعرفها
توالفوا ويوالفها
ويتفاهموا برمشة عيون ذكية
…………………………..
كلمات أغنية الغائب:
لله أصبح لاجئاً يا سيّدي
صادر إذن حتّى بساط المسجد
وبع الكنيسة فهي من أملاكه
وبع المؤذّن في المزاد الأسود
واطفئ ذبالات النجوم فإنّها
ستضيء درب التائه المتشرّد
غائب حتّى يتامانا أبوهم
صادر يتامانا إذن يا سيّدي
لا تعتذر! مَن قال أنّك ظالم
لا تنفعل! مَن قال أنّك معتدي
حرّرت حتّى السائمات غداة أن
محمد حقل أبراهام أعطيت
أنت الذي قتل الربيع فبيدري غضب يهزّ وثورة لم تخمد
أنت الذي لغمت يداك حدائقي ونسفت موسم لوزها المتوّرد
وجبلت نوّاباً لنعبدهم وهم مستعبد يبكي على مستعبد
وأردتني عبداً يباع ويشترى, وأردتني يأساً يعيش بلا دد
لا تنفعل! هذا الكلام بلا فم
لا تنذعر! هذا الكلام بلا يد
أنا لو عصرت رغيف خبزك في يدي
لرأيت منه دمي يسيل على يدي
جرأة ريم بنا
كانت جرأة من ريم بنا أن تُغني (الغائب) ضمن أغنيات ألبومها نظرًا لكلمات القصيدة الجريئة، إذ اتهمها البعض بالإلحاد بسبب غنائها لهذه القصيدة الجريئة والمتميزة، التى تُجسد قضية هامة من معاناة الشعب الفلسطيني وهى مسألة مصادرة أملاك الغائب – أراضي اللاجئين الفلسطينيين.
لن نكتب كلمات باقي القصائد نظرا لشهرتها الكبيرة، ووجودها على مواقع الإنترنت، وفي النهاية رحم الله الصوت المثقف الواعي صاحب التجارب الغنائية المتميزة ريم بنا.