بقلم الإعلامي : علي عبد الرحمن
ظلت مصر خلال سنوات الستينات وماتلاها تتمتع بنفوذ طاغ لـ القوى الناعمة، سواء الفن بفروعه من طرب ومسرح وسينما وكذا الميديا وماتبثه من رسائل داخل محتواها، والكتاب ودوره، إضافة إلي دوري الأزهر والكنيسة ودور بعض مؤسسات الدوله السياديه والخدميه وغيرها، مما أسفر آنذاك عن طغيان اللهجة المصريه والثقافه المصريه وازدهار السياحة والتعليم والتداوي والاستثمار في مصر، وقبل كل ذلك الحب والولاء والإنتماء والتقدير لمصر وقواها الناعمه ونفوذها.
ثم تلا ذلك فترة تراجع القوى الناعمة كل شئ وتقوقع التأثير المصري وتضاءل تأثيرها، وقل انتشار اللهجة المصرية وضعف التأثير، وتراجعت الريادة، وتقلص دور المؤسسات الفنية والإعلامية والثقافية والدينية والسيادية، ثم جاءت فتره إنشغل المصريون بأمورهم الداخليه وبانكماشهم للداخل، وكسل القائمين على هذا الملف على متابعته ودراسته وتدعيمه، في هذه الأثناء سعت دولا وأجهزة كثيرة من حولنا لبسط نفوذها من خلال نشر قواها الناعمه من ميديا وفنون وصناعة الاحداث.
إقرأ أيضا : علي عبد الرحمن يكتب : (نيليود الشرق .. والقوي الناعمة)
ليس هذا فقط بل وتقليص نفوذ القوى الناعمة المصرية ومحاولة سحب البساط من تحتها خاصة في مجال الميديا ومحتواها والفنون وأحداثها، والإنتاج وجودته، والكتاب ونشره ونشاط المؤسسات الدينية والخدمية وظواهرها علي أرض الواقع، وأصبح صراع القوى الناعمة متقدما بين صراعات المياه والحدود وبنوك المعلومات وغيرها مما تسعي خلفه الدول والأجهزه بدأب شديد، وبدا جليا لنا ظهور منافسين جدد في هذا المجال منهم من أطلق العنان لإعلامه ومحتواه ورسائله، ومنهم من دعم مشروعاته الفنيه وإنتاجه وحفلاته وأحداثه ودور عرضه، ومنهم من أنفق بسخاء علي دراما تاريخيه تدعم توجهه وأهدافه، ومنهم من انفرد بدولة التلاوة أو الكتاب أو الوعظ أو الإنتاج الفني والإعلامي، كما نشطت أجهزته ومؤسساته في توسيع مساحة قوي دولته الناعمة خصما من مساحة قوي مصر الناعمه.
هل نراجع ملف القوى الناعمة؟
ولما استقرت أمور مصر الداخلية وصمدت مؤسساتها وأفاق شعبها وبدأت عملية البناء والتنمية استعداد لدخول عصر الجمهورية الجديدة بكل تفاصيلها وملامحها، ظننت أننا سنراجع ملف القوى الناعمة وروافده ما ضعف منها وما اختفي، وندرس منافسينا وأدواتهم، وندرس تأثير هذا التراجع وكيفية استرداده، وطننت أن سيكون لدينا مجلسا أعلى أو لجنة قومية لقوي مصر الناعمة، ذلك لما لهذه القوى وتأثيرها من تأثير إيجابي على دور ومكانة مصر إقليميا ودوليا، إضافة إلي توسع مؤسساتنا الإعلامية وقوة مؤسساتنا الثقافيه وعراقة مؤسساتنا السيادية وثقل مؤسساتنا الدينية.
إقرأ أيضا : هاني شاكر : القوى الناعمة قادرة على إذابة جليد الخلافات بين الدول
وظننت أن هذه المؤسسات كل سيسارع للقيام بدوره في مجال إسترداد القوى الناعمة المصرية، إضافة إلي دعم الدولة لرسائل الإعلام ومحتواه وتدخل الدولة في عالم الإنتاج الديني والتاريخي والثقافي، وحث المؤسسات الدينية والتعليمية والسيادية على سرعة استرداد نفوذ القوى الناعمة في مصر، والصمود والتغلب على منافسيها الجدد في مجال كان لنا الريادة فيه وهم فيه جدد بلا امتداد تاريخي في عوالم القوى الناعمة، ولكن ماظننته لم يحدث، وظل إعلامنا المتعدد النوافذ، كثير الإنفاق دون حد المنافسه برامجيا ودراميا وعلى مستوي الرسائل والتسويق لمصر وقواها الناعمة، كما ظلت فنوننا قليلة الإنتاح والتنقل وضعيفة المحتوي، وقلت صناعة الأحداث الناعمة على أرض المحروسة وتراجع دور الكتاب، وتزلزلت دولة التلاوة والمنوعات والدراما والمحتوى الثقافي والديني الجاد والمؤثر، ولم تشكل لجنة ولم يعلن عن تشكيل المجلس الأعلى لقوى مصر الناعمة.
القوى الخشنه والقوى الناعمة
وأصبح المتابع للأمر يجد انحسارا للهجة المصرية وتنامي لهجات أخرى وإعلاما جادا يخدم أغراض بلاده تم التخطيط له بعناية، وفنون صاعدة تنتشر وتستحوذ، وإنتاجا ضخما غير ما ننتج، وكتبا ومطابع وأصوات وخدمات وانتشارا واستهداف غير الذي عندنا، ومازلت أنتظر قرارا سياديا بتكليف الخبراء وأولي الأمر بدراسة هذا الملف ونفض الغبار من فوقه ودفعه قدما ليواكب نهضة مصر وطموحها، وعظمة مصر وعراقتها، وشعبها وآصالته، عندها فقط سيجتمع لمصرنا قواها الخشنه القويه والقوى الناعمة المؤثرة.
ودعونا نسوق مثلا عن السينما ونترك ملف الميديا بإسرافها وإخفاقاتها، والغناء والمسرح وقلة إنتاجهما، وروافد القوى الناعمة الأخري تركناها لمصيرها غير محدد المعالم، لقد كنا ننتج قديما 50 فيلما سينمائيا سنويا بمضامين جادة ونجوم لاتنافس وتوزيع واسع ودور عرض منتشرة، ولكن كم ننتج الآن وبأي محتوى ولمن من النجوم ننتح، ولكم دولة نوزع وفي كام دار عرض نعرض؟، فالإنتاج قل ومحتواه ضعف ومنافسته تراجعت ومعظم دور العرض معطلة وتحتاج إلي صيانة، ومحاولات التوزيع تقلصت، والإهداءات من أجل عيون القوى الناعمة انعدمت، ودور الدوله توقف وتعدد الأحداث ذات الصله بالإنتاج السينمائي والفني قلت!
إقرأ أيضا : الإعلام المصري بحاجة إلى يد حانية من جانب الرئيس السيسي
ولو تطرقنا إلي روافد أخري من روافد القوى الناعمة المصرية عدا وحصرا سنجد مالا يسرنا، فإلى متى نهمل ملف قوانا الناعمة، وإلى متي نغفل تأثيرها، وإلى متى نترك منافسيها، وإلي متي نغض الطرف عن بساطها المسحوب تدريجيا، وإلي متي يظل محتوانا ضعيفا، وإنفاقنا مسرف وتأثيرنا أقل؟
نظرة إلي ملف القوى الناعمة، فمصر تستطيع، ومصر تستحق، وخبراتها تقدر، ونحن ننتظر عودة قوتنا الناعمة وتأثيرها المنتشر ونفوذها الطاغي لتلائم قيمة مصر وقامتها، وتحيا دوما مصر العراقة والريادة والقدره..اللهم آمين.