بقلم الكاتب العراقي الكبير : سعد الأوسي
ظلت قصيدة (أنا وليلى) التي كتبها الشاعر العراقي حسن المرواني ولحنها وغناها الفنان كاظم الساهر أيقونة أغانيه على مدى العقود الأربعة من عمره الفني رغم أنه لحن وغنى المئات غيرها، وبضمنها عشرات القصائد من ديوان الشاعر الكبير نزار قباني ، ومع أن كثيرا من تلك الأغاني حظي بنجاحات كبيرة وكانت وماتزال تتردد في ذاكرة الجمهور السمعية بمزيج من المتعة والنوستالجيا ، إلا أنّ أيا منها لم تصل في أعلى تقييماتها النقدية والجماهيرية إلى النجاح الذي حققته (أنا وليلى) التي مثلت نقلة موسيقية هائلة في حياة كاظم الساهر ووضعته في قائمة المبدعين الكبار من أعلام الموسيقى والغناء العربي.
إقرأ أيضا : كاظم الساهر .. كتب أكثر من 40 أغنية، وموهبة الشعر ساعدته فى اختيار ما يغنيه
وقد كانت هذه الأغنية وماتزال نموذجا عاليا للمعمار اللحني المركب القريب من التأليف السيمفوني، سواء كان ذلك بمقاطعها المغناة أو مقدمتها وفواصلها الموسيقية، مع ضرورة الإشارة إلى جهد وابداع وبصمة الموزع الموسيقي الكبير فتح الله أحمد رحمه الله في موسيقى هذه الأغنية الرائعة، وأعتقد برسوخ أن سحر قصيدة المرواني وجمال أبياتها المليئة بالصور والمعاني الشعرية الجديدة، وتعبيرها المحموم عن قصة الحب الملتهبة التي عاشها الشاعر أثناء دراسته الجامعية في كلية الآداب، كانت وراء إلهام كاظم الساهر بهذا اللحن الرائع والموسيقى الراقية التي لا تشبه خطه اللحني الذي بدأ به غناءه والمعتمد على الكلمات الشعبية البسيطة كأغنية عبرت الشط على مودك والتگرصة الحية بيده وسواها كثير.
كاظم الساهر وأنا وليلى
فقد نقلت (أنا وليلى) كاظم الساهر من مستوى إلى مستوى ومن عالم إلى عالم، وكانت وماتزال أغنية الساهر الأثيرة التي يحرص على غنائها في حفلاته الكبرى والتي يستعرض ويؤكد فيها اقتداره وموهبته وموقعه بين كبار أهل الصنعة، هذا غير العائدات المادية الكبيرة التي حققتها هذه الأغنية للساهر وهو يستحقها بكل تأكيد.
هذه القصيدة الاغنية الخالدة التي تبدأ أول أبياتها بـ:
ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتي
واستسلمت لرياح اليأس راياتي
اليوم يموت شاعرها حسن المرواني موتاً بطيئاً بعد أن نهش المرض والفقر جسده، وبعد أن استسلم لرياح اليأس والخيبة والحزن لأنه لم يعد قادرا على توفير لقمة عيشه وتكاليف علاجه!
إقرأ أيضا : المحذوف من رائعة “أنا وليلى” لـ “كاظم الساهر”
مبدع القصيدة الخالدة التي يتغنى بها ملايين العرب في كل أرجاء الدنيا، مهمل عاجز متروك لا يسأل عنه احد ولا تمد له يد عون حتى من شريكه في ابداعها كاظم الساهر، رغم أنه مليونير كبير يملك أن يساعد المرواني ويعالجه بل ويغير كل حياته في طرفة عين ودون أن يتأثر عرشه المالي المتين، لأن مايحتاجه المرواني يعد ملاليما تافهةً لاتذكر أمام ملايين كاظم الساهر وقصوره وفلل يملكها واستثماراته المنتشرة في أكثر من بلد بلا حسد وغيرة.
حتى من باب إسقاط الفرض والمحافظة على صورته وبرستيجه، كان يجدر بـ كاظم الساهر أن يستجيب لنداء (المرواني) وحاجته، فان لم يكن لذلك فليكن من باب فعل الخير وفكّ الكربة ، لعلها تدفع بلاءً أو تشفع في مشهد يوم عظيم يوم تقف كل أموال وأملاك الدنيا عاجزة عن عون أصحابها، بل ربما كانت وبالا عليهم لأنهم سيسألون عنها فيم اكتنزوها وأين انفقوها، وستكوى بها جباههم وأوجههم جزاءً وفاقاً، وهذا ما لانتمناه للفنان كاظم الساهر لأننا نحبه ونحب فنه وإبداعه.
حين اتصل بي الشاعر جواد الحطاب قبل يومين منتخيا ومستنجدا لمساعدة الشاعر (المرواني) الذي يعاني من جلطة طارئة طريح الفراش بعد أن تخلى عنه (الجميع)، وأول المقصودين بكلمة (الجميع) هنا هو كاظم الساهر الذي تخلى عن الشاعر المرواني ولم يلتفت لسوء أحواله وتدهور صحته !
لا تعوّل على كاظم الساهر
قلت للصديق النبيل جواد الحطاب: لا تعوّل على كاظم الساهر ولا تعتب عليه، فقد علمت أنه لا يلتفت ولايهتم، وحتى لو فكرنا أن نستحثه بنداء أو انتخاء لا اظنه سيستجيب، لأن من يريد أن يعين و(يفزع) لا ينتظر أن يحثه أو يرجوه أحد على فعل الخير، خاصة إذا كان هذا الـ (أحد) رديفه وشريكه في أجمل إبداعاته وأهم نجاحاته.
دع الامر لي، سأعرضه على من هو أهله وعدله، من لا نخشى أن يردنا خائبين، وقد جرّبناه في أمثال هذه من المكرمات كثير.
أعطني ربع ساعة من الوقت وسآتيك بالخبر اليقين الذي يسرّك وينتشل المرواني من الذي هو فيه.
إقرأ أيضا : صيف (كاظم الساهر) ساخن جدا، ووحدة عربيه في ألبومه الجديد
أقفلت المحادثة مع الحطاب وكتبت للرئيس محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق، ونسيت في غمرة حماسي لمساعدة المرواني في أسرع وقت وحزني على حالته، وربما زعلي وغضبي من كاظم الساهر، أن الرئيس السوداني في زيارة لأم الدنيا مصر، وأنه بالتأكيد لن يرد على في غمرة انشغاله بجدول الزيارة واجتماعاتها وبرنامجه المزدحم.
لم أكد أكمل شريط هذه الأفكار المتداعية في عقلي، حتى التمع ضوء إشارة (الواتس آب) في هاتفي، ففتحته على عجل لأرى رسالة من دولة الرئيس السوداني يسألني فيها عن عنوان الشاعر المرواني ورقم هاتفه، ويخبرني أنه أصدر أمره إلى سكرتيره الخاص لعمل كل مايلزم ويحتاجه المرواني في مرضه وعلاجه !
السوداني أنقذ المراواني
لم يستغرق الأمر سوى دقائق معدودة واستجاب رئيس أعلى سلطة في البلد في غمرة انشغالاته ومسؤولياته، وأمر بعلاجه ومساعدته ماديا، بل وتواصل معي للاستعلام عن عنوانه، من أجل ارسال مسؤول رفيع من مكتبه الخاص لزيارة المرواني ومتابعة حالته.
أخبرت الحطاب أن دولة الرئيس أجاب واستجاب وأن المرواني أصبح الآن في أيد أمينة.
لم يصدق الحطاب أن الموضوع حل بهذه الدقائق المعدودة،
فقال: أشعر بالفخر أن لنا رئيس وزراء كمحمد شياع السوداني، وأن لي صديقا مثلك، فأجبته: أما أنا فأشعر بالأسف والحزن والأسى على الصديق كاظم الساهر لأن الخير قصده لكنه خيّبه ولم يفعله، وأن الله أرسل له بسوء حال المرواني رسالة شفاعة ورحمة لكنه لم يقرأها، وأن (أنا وليلى) التي جلبت له مزيدا من الشهرة وكثيرا من المال، تعتب عليه لأنه ترك شاعرها مريضا ذليلا ولم يفكر حتى أن يربت على كتفه.
وأعده انني لن أسمع هذه الأغنية بعد الآن لأنها أثبتت أنها جاحدة قليلة الوفاء:
واحسرتاه و واخيبتاه
ولاحول ولاقوة الا بالله.