بقلم الشاعر الكبير : إبراهيم رضوان
معظم أبناء الوسط الفني لا يطيقون النقد، ولا يتقبلونه، وبالطبع محمد منير من أولهم، لذلك كنت حريصا جدا معه عندما يحاول أن يقنعني أن (سوه يا سوه..حبيبي حبسوه) أغنيه سياسيه أصمت ولا أتكلم و لا أناقشه، أو أن أغنية (ساح يا بداح.. يا سؤال جراح) من الفلكلور، لا أناقشه أيضا، الأغنيه الأولي يقول فيها أن حبيبه عايز سكر وهو مش لاقي السكر و هكذا ما علاقة ذلك بالسياسة! والأغنيه الثانية كنا تغنيها ونحن صغار عندما نحب أن نضايق أي خروف نلتقي به عندما نغني له (ساح يا بداح..يا خروف نطاح)!.
كنت أتعجب كيف استطاع كل هذا الكم من المؤلفين و الملحنين أن يخدعوا ويضحكوا على محمد منير هذا المطرب الذي يملك الخبرة والجماهيرية، ووجد نفسه نجما بمجرد وصوله إلي القاهره، وغني كل أغنيات شقيقه الكبير الحاج فاروق رحمة الله عليه، التي أعدها له الموسيقار (بليغ حمدي) وما زلت أذكر كلمات الحاج فاروق لي و هو يقول : (مش عارف الواد عبد الرحيم منصور، عمل فيا كده ليه؟!، دا احنا عشرة عمر، وكنا على دكة واحدة في المدرسة، بعد ما عملت مع بليغ عشرات البروفات استعدادا لكي أقدمها للجمهور، أقنع بليغ أن لي شقيق وصل إلي القاهره أمس، ويتمتع بوسامه أكثر مني، طلب منه بليغ أن يحضره له، وبالفعل ذهب منير إليه، وفي نفس اليوم استبدلني بليغ بشقيقي محمد منير الذي أعتبره إبني، و لم أعترض ربنا ينتقم منه) يقصد عبد الرحيم منصور!.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: أنا ومحمد منير.. مطرب جديد.. جاء من النوبة (4)
كان الحاج فاروق قلبه أبيض، ومتسامح، عكس شقيقه محمد منير، الذي لا ينسي الأسيه، لأنه الملك الذي يتربع علي هذا العرش الوهمي، الذي رسمه له المنتفعين، والمنافقين وأنصاف المواهب، أذكر أنني لاحظت ضيقه، عندما سمع حديثا إذاعيا للمطرب (أحمد الحجار) يقول فيه أن أجمل صوت في مصر، هو صوت شقيقه علي الحجار.
محمد منير وأحمد الحجار
بعد فتره أخبرني أنه يريد أن يغني أغنيه من ألحان أحمد الحجار رحمة الله عليه، شممت في طلبه رائحة الغدر، ولم أتكلم مع أحمد في ذلك، حتي لا أحرج نفسي، الفنانه (سوسن ربيع) كانت قد سمعتني وأنا أتحدث مع محمد منير عن أحمد الحجار، الذي قال عنه منير: (أحمد الحجار، طبعا، دا زي ابننا يا أبورضوي)، ويومها رديت عليه ضاحكا : (زي إبنك أنت، ماتخلنيش أحس أني بقيت عجوز).
عندما علم أحمد الحجار بالخبر، حضر لي فورا، أثناء تكريمي في اتحاد كتاب مصر، وأهديته ديواني (أغنيات) ليختار منه ما يليق بـ محمد منير، وكان حريصا علي أن يسألني : (هو محمد منير اللي طلب ألحن له ولا أنت اللي عرضت عليه)، فقلت له: (أنا اللي عرضت عليه)، فرد علي بأدبه الجم : (مدام سوسن ربيع قالتلي غير كده!).
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: حكايتي مع المطرب محمد منير (1)
بعد فترة أسمعني اللحن، فأرسلته لـ محمد منير، وافق عليه، وقام الفنان أحمد الحجار، بإحضار موزع على نفقته، وحجز الاستوديوعلي نفقته الخاصه أيضا، وقام بتسجيل الأغنيه مرتين بصوته وموسيقي فقط، والكلمات كانت تقول:
أقدم ليكي نفسي، أقدم ليكي نفسي..
إنسان شريف بسيط، راسم ع الضلمه شمسي..
راسم ع النسمه بيت، وباحبك زي روحي ..
يا حبيبتي حتى أكثر، لو بالأشواق تبوحي..
الليله هايبقى عنبر
النظره الإنسانيه..باينه في دموع عنيا
علشان عاشق عنيكي.. أديكي الكون هديه
وبحبك زي روحي..يا حبيبتي حتى أكثر
لو بالأشواق تبوحي..الليل هايبقى مرمر
علشان الناس أغني..إتهني معايا تاني
فارد جناح تمني، يا جنة الأماني
وباحبك زي روحي..يا حبيبتي حتى أكثر
لو بالأشواق تبوحي..الليل هايبقى مرمر
قلبي قدمته ليكي ..مش عايز غير سعادتك
الله.. ما بين عنيكي..منعني من عبادتك
وباحبك زي روحي ..يا حبيبتي حتى أكثر
لو بالأشواق تبوحي..الليله هاتبقي مرمر.
علمت أن أغنية (أقدم ليكي نفسي) قد أعجبته، وأن عليه أن يلحن له أغنية أخري، فرح صديقي الفنان المؤدب أحمد الحجار، وأخبرني أن في الديوان أغنية أعجبته بعنوان (الطيار) وينتظر موافقتي، وموافقة محمد منير، وفرح جدا عندما أخبرته بالموافقه، وقام بتكليف موزع علي نفقته الخاصه أيضا، وحجز استوديو علي حسابه الخاص أيضا، وسجل الأغنيه بصوته، وبدون صوته.
محمد منير وأغنية الطيار
وأصبحت الأغاني عند محمد منير، متي ستغنيها يا منير؟، لا يرد، ولم يرد أيضا على (أحمد الحجار)، سألت بعض الذين يلازمونه عن عدم غناء محمد منير، فأخبروني أنه، واخد علي خاطره من أحمد من يوم ما قال إن صوت أخوه (علي الحجار) يعتبر أقوي صوت في مصر، كانت صدمة لي، وحرج ما بعده حرج بالنسبه لي مع أحمد الحجار، كل من سمع الألحان، قال أنها ستكون نقلة كبيرة في مسيرة منير، الذي فرح بوجود أبو حفيظه معه، و احتفل أكثر من مره بهذه المناسبة و بالمناسبة كلمات أغنية (الطيار) تقول:
الله.. دا صوت كرواني..
الله..عيونك غزلاني
أنزل بحورك ليل ونهار..
واقضي الحياه دايما طيار
يا حبيبتي وارجعلك تاني
……………………………
أطير ..وافتكرك وأنا فوق ..
أكتب بدمعي قصايد شوق
سواح في أرض الله ما أروق
إلا معاكي يا سحراني
أنزل بحورك ليل ونهار..
واقضي الحياه دايما طيار
يا حبيبتي وارجعلك تاني
……………………………
آن الرحيل.. آن يا حبيبتي ..
هاطير وهارجع تكعيبتي
ما تصدقيش انك غبتي ..
دقيقه.. د انتي ف شرياني
أنزل بحورك ليل ونهار
واقضي الحياه دايما طيار
يا حبيبتي وارجعلك تاني
……………………………
سبحانه جمع في قلوبنا ..
على سكه الأشواق جابنا
دوبنا وعاد لينا شبابنا.
و اتحققت أحلى أماني
أنزل بحورك ليل ونهار ..
واقضي الحياه دايما طيار
يا حبيبتي وارجعلك تاني
جرح محمد منير للحجار
ومات أحمد الحجار، وهو يلعن اليوم الذي تكلمت معه فيه عن التلحين لمن يسمونه (الملك)، والذي تسبب لصديقي أحمد الحجار في جرح لا يمحى، عندما قال له البعض أن هذا لا يصح كان يقول لهم : (ما عنده أقوي صوت في مصر، اللي هو أخوه علي زي ما قال، ممكن علي يغنيهم أحسن مني)، اكتشفت أن القلب الأسود، يتحكم في تصرفات محمد منير وأنه ليس له أمان، والمفروض أن أقطع صلتي به فورا، كما فعلت مع غيره من أمثال (هاني شاكر، و أركان فؤاد) وغيرهم.
ويحضرني هنا قصيدة كتبتها تقول كلماتها:
وملك الملوك إذا وهب ..
لا تسألن عن السبب
مَا تردى روحنا بالرجوع ..
ومعاكى عنقود العنب
المنجه طابت ع الفروع ..
وتعبنا يا شيخة العرب
……………………………
حمال..وحِملى كان براح ..
رحال ومش لاقى الفرس
والله يا أهل السماح ..
قصة حياتى ها تندرس
وانتى يا فايته حيِّنا ..
عمرك ما تلقى زيِّنا
مَا تردى روحنا بالرجوع ..
ومعاكى عنقود العنب
المنجه طابت ع الفروع ..
وتعبنا يا شيخة العرب
……………………………
إرقينى بالكف الحلال..
واسقينى من قلة دفا
أرجوكى جاوبى ع السؤال ..
ليه نظرتك فيها شفا
يا رايقه لىّ روِّقى ..
يا اللى هواكى مبدئى
مَا تردى روحنا بالرجوع..
ومعاكى عنقود العنب
المنجه طابت ع الفروع ..
وتعبنا يا شيخة العرب
……………………………
خلخال بيحضن فى الكعوب ..
والهمسه عود زايد وتر
لهواكى مش قادر أتوب ..
ووصلت مرحلة الخطر
فما تجرحيش اللى انكوى ..
يا اللى القليل منك دوا
مَا تردى روحنا بالرجوع ..
ومعاكى عنقود العنب
المنجه طابت ع الفروع ..
وتعبنا يا شيخة العرب
……………………………
شايفك شفايفك بلبلين ..
يا بحر ليل ونهار يفور
عمرى ما كانلى فى يوم بالين ..
ولا كان لمركبتى بحور
لكن معاكى هاكون ولد ..
يملك نجوم مالهاش عدد
مَا تردى روحنا بالرجوع
ومعاكى عنقود العنب
المنجه طابت ع الفروع ..
وتعبنا يا شيخة العرب.
……………………………
وللحكايات بقية..