بقلم : بهاء الدين يوسف
شاهدت حديثا الحلقات الثلاثة المتاحة من المسلسل الأمريكي الاسرائيلي أشباح بيروتGhosts of Beirut الذي بدأ عرضه في التاسع عشر من مايو الماضي على (شبكة شوتايم) بالتزامن مع شبكة يس الإسرائيلية، ويصور أو يحاول أن يقدم صورة مضيئة لنجاح الموساد والسي آي أيه في اغتيال قائد المقاومة اللبنانية عماد مغنية.
دفعني لمشاهدة مسلسل أشباح بيروت أكثر من سبب في الواقع، أبرزها الدعوة التي أطلقتها أكثر من هيئة فلسطينية وعربية ضد المسلسل من بينهما حركة حماس وحزب الله وأيضا الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وإدانة الممثلين العرب الذين شاركوا فيه واتهامهم بالتطبيع الفني والثقافي مع إسرائيل والاشتراك في عمل يدنس سيرة واحد من أهم قادة المقاومة ضد المحتل الاسرائيلي للبنان وكذلك داعمه الأمريكي.
السبب الثاني أن مؤلف أشباح بيروت، ممثل وصحفي إسرائيليان وسبق لهما المشاركة في أعمال حاولا من خلالها تمرير التطبيع الثقافي مع العرب وفي نفس الوقت شيطنة فكرة المقاومة العربية ضد إسرائيل مثل مسلسل فوضى الذي عرض قبل سنوات وآثار ضجة واسعة وقت عرضه، وبالتالي انتباني الفضول لما يمكن أن يقدمه هذان من سم في الدراما أو في العسل حول سيرة مغنية.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب : فيلم عربي .. حيلة إسرائيلية مكشوفة
السبب الثالث متابعة الممثلين العرب وخصوصا الفلسطينيين الذين شاركوا في أشباح بيروت وأبرزهم هشام سليمان الذي قام بدوره عماد مغنية، في ثاني مشاركة كبرى له في دراما اسرائيلية بعد دوره في مسلسل فوضى، رغم المحاولة الظاهرية لتقديم عمل محايد خليط بين الدرامي والتسجيلي توقفت أمام بعض التفاصيل سواء هفوات ارتكبها المؤلفان لتوقعهما في شر أعمالهما كما تقول الحكمة، أو مشاهد تحاول استدرار تعاطف المشاهدين مع قضيتهما وتدنيس عماد مغنية كبطل من أبطال المقاومة اللبنانية والعربية ضد الاحتلال.
ملاحظات حول أشباح بيروت
أولى التفاصيل أو الملاحظات حول أشباح بيروت ، أن المؤلفان لا يملكان أي معلومات دقيقة أو حقيقية عن عماد مغنية وحياته وتنقلاته، كما أنهما لا يعرفان – مثلهما مثل خبراء الموساد والسي آي أيه – كيف استطاع الشاب الذي انخرط في العمل الجهادي وهو في العشرين من عمره أن يعذب أقوى أجهزة المخابرات في العالم طوال 26 عاما، ويكبدهما مئات القتلي ومليارات الدولارات حول العالم دون أن ينجح جهابذة الجهازين في تعقبه أو الوصول له، وفي غياب المعلومات التفصيلية لجأ المؤلفان إلى حيلة خائبة بالتنويه في مقدمة الحلقات عن أن أحداث المسلسل تخيلية مستمدة من أحداث حقيقية.
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب : (نتفليكس) تداعب خيال الفلسطيني في الغربة
نتيجة لغياب المعلومات وضع مولفي أشباح بيروت نفسيهما في موضع السخرية من أي ناقد فني نزيه، خصوصا إنهما حاولا المرور على الأحداث المهمة بشكل عابر مع التركيز على الرسالة السامة التي حاولا تمريرها وهى أن من يقاوم اسرائيل وأمريكا لابد وأن يقع في أيديهما مهما طال الزمن، وفشل المسلسل ومؤلفاه في توضيح أي تفاصيل تتعلق بكيفية تطور (عماد) من مجرد شاب لبناني حانق على المحتلين إلى خبير استراتيجي عسكري نجح في التلاعب باثنين من أكبر أجهزة المخابرات في العالم.
فشل مؤلفي أشباح بيروت
أيضا فشل مؤلفي أشباح بيروت ، في تقديم حبكة درامية مقنعة حول حياة عماد مغنية ووقعا في فخ الاستسهال بتصويره يعيش حياة عادية ويتنقل مثل أي شخص عادي ويقع في الحب وهو في الأربعينات من عمره ويبوح لحبيبته بكل أسراره، وهى هفوة سخيفة من مسلسل يقدم نفسه للمشاهدين باعتباره عملا تسجيليا، إذ كيف يكون أهم وأخطر قائد للمقاومة المسلحة ضد المحتلين بهذه السذاجة؟!، ولو فرضنا أنه – رحمه الله – كان كذلك فكيف هو حال خبراء الموساد والسي آي أيه إذا كان شخصا ساذجا استطاع أن يضربهم على (قفاهم) مرارا وتكرارا طوال 26 عاما كاملة؟!
الملاحظة الثالثة او الهفوة التي ارتكبها مؤلفي أشباح بيروت ، وقوعهما في خطأ تصوير التعاون الوثيق و(الحميمي) بين سي آي أيه والموساد طوال تواجد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان المدعوم بغطاء دبلوماسي ومخابراتي أمريكي من خلف الستار، وهو تعاون ظل واشنطن تحديدا تحرص على نفيه طوال عقود.
الهفوة الرابعة تمثلت في مشهد تورط الأمريكان في تفجير (مسجد بئر العبد) ضمن محاولتهم لاغتيال الشيخ محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله ومقتل المئات من اللبنانيين الذين تصادف وجودهم في باحة المسجد، حيث حاول مؤلفي أشباح بيروت التمهيد لهذه الجريمة بتقديم عدة مشاهد لتفجيرات دبرها مغنية ضد أهداف أمريكية واسرائيلية، لكنهما غفلا عن مقارنة بسيطة أن تفجيرات المقاوم اللبناني كانت ضد أهداف عسكرية أو غطاءات مخابراتية أمريكية، بينما كان ضحايا التفجير الأمريكي كلهم من المدنيين العزل.