عبدالحكيم قطيفان.. الدنجوان الذي منعته الظروف السياسية من الانطلاق
كتب : أحمد السماحي
عبدالحكيم قطيفان من النجوم الذين تألقوا بقوة في مسلسل (ابتسم أيها الجنرال)، تأليف سامر رضوان، إخراج عروة محمد، والذي عرض طوال شهر رمضان الماضي، وحقق مشاهدة جماهيرية ضخمة، وقد أجلت الكتابة عنه طوال الأسابيع الماضية نظرا لسخونة وتسارع بعض الأحداث الفنية وملاحقتنا لها، ورغم أن شيئا مما يرويه مسلسل (ابتسم أيها الجنرال) لم يحدث لي شخصيا أو لأحد من أقاربي أو أصدقائي، لكني أحسست في بعض مشاهد المسلسل – على الرغم من سوء الإخراج – والقشعريرة تهز بدني، رغم علمي أنه فن، وأن مهنتي هى أن أشاهد الدراما أو السينما، ودربت نفسي على أن أتعامل مع الأعمال الفنية بعقلي البارد وليس بعواطفي، فأنا اعرف جيدا كيف تصنع تلك الأعمال.
وأن المسألة كلها تمثيل في تمثيل، ومع ذلك فقد أحسست بالظلم والقهر في بعض المشاهد التى نجح فيها المخرج الذي لا أريد ذكره لأن اسمه (بينرفزني) لأنه أضاع من يده نص ثمين كان يمكن أن يكون صانع هذا النص عالميا لو كان على درجة كبيرة من الحرفية، لكنه يبدو أنه من المخرجين ضعاف النفوس الذين يلهثون وراء النجوم وتحقيق طلباتهم على حساب النص والرؤية والإخراج، ومع ذلك تميز عبد الحكيم قطيفان وسط تلك اللوحة المرتبة فنيا.
إقرأ أيضا : (ابتسم أيها الجنرال ) يثير جدلا كبيرا قبل عرضه في رمضان القادم
لقد تألق عبدالحكيم قطيفان في (ابتسم أيها الجنرال) بشكل لافت، فموهبته مضمخة بعطر عمالقة الفن الكبار على مستوى العالم العربي، وقدم شخصية جديدة ومختلفة عن كل الشخصيات التى قدمها من قبل، إنه هنا ليس الوسيم المليئ بالسحر والغموض الذي تطل من إحدى عينيه إغراءات الدنيا والقلب والجسد، ومن عينه الأخرى هموم العالم والعقل والذي نعجب كيف لا تقع أي أنثى تقابله في حبه؟!، لكنه صال وجال في شخصية (حيدر بك) اللواء في المخابرات السورية، واسع النفوذ والسيطرة، الذي يخشى الكل من بطشه!.
عبدالحكيم قطيفان البطل الحقيقي
كان عبدالحكيم قطيفان أو اللواء حيدر هو البطل الحقيقي للمسلسل مع النجم المبدع (غطفان غنوم)، وقدم ببراعة شديدة وبنظرات ثعلبية، شخصية مركبة تلتمع كورق السلوفان من الخارج، لكنها تغلي بنار الحقد وكل أنواع السموم في الداخل، وقد برز حقده في مشهد هروب (عاصي/ غطفان غنوم) خارج البلاد، هنا أذهلنا بغضبه وشهوته وحقده، ولم يكن هذا المشهد، هو الوحيد فقدم مشاهد رائعة تتسم بالدهاء والهدوء والرزانة، مع بطل المسلسل مكسيم خليل، منها مشهده وهو يستسمحه بعدم التخلي عنه، وغيرها من المشاهد التى قدمها بهدوء ونعومة شديدة تشبة نعومة الثعبان السام، وترجم بدقة شديدة ومهنية عالية سطور المؤلف المبدع سامر رضوان، وحول هذه السطور من مجرد كلمات على الورق إلى شخصية حية تنبض بالحياة، بكثير من الصدق، والاقتصاد في الحركة والتعبير، مما جعله بالغ التأثير شديد الوقع على نفوسنا.
عبد الحكيم قطيفان والمسرح
المتابع لمشوار النجم السوري المبدع عبدالحكيم قطيفان يجد أنه عشق الفن منذ صغره، وكان مولعا بمتابعة عروض المسرح الجوال، وينتظر قدومها بفارغ الصبر، وعندما ترحل كان يشعر بالحزن، ويتمنى لو كان واحدا من أعضائها، وشيئا فشيئا كبر عشقه للفن، حتى قرر بعد حصوله على الثانوية العامة أن يأتي إلى القاهرة لدراسة الإخراج السينمائي، لكن الحظ لم يحالفه بفعل الظروف، فعاد إلى سوريا مع افتتاح المعهد العالي للفنون المسرحية، وتقدم إلى امتحان القبول ونجح في الامتحان، وانخرط في صفوف المعهد المسرحي، وكان يتابع مع زملائه بشغف المسلسلات الإذاعية، ويقمون بإعادة تقديمها بطريقتهم وأسلوبهم الخاص، وبعد سنوات قليلة تخرج مع طلاب الدفعة الأولى في المسرح.
لأن فرص العمل في الوسط الفني ليست محكومة بخبرة الفنان وقدرته على أداء الدور وملاءمة شخصيته مع الشخصية التى سيلعبها وحسب، وإنما بجملة من علاقات المصلحة الشخصية والاعتبارات الخاصة، وعبدالحكيم قطيفان فاشل جدا في (مسح الجوخ) للمسئولين في شركات الإنتاج والمخرجين، لا يجيد لعبة العلاقات الخاصة، لهذا لم يأخذ الفرص الحقيقية التى يستحقها، وتستحقها موهبته.
كانت بداية عبد الحكيم قطيفان الفنية عام 1991من خلال دور بسيط في مسلسل (أيام الخوف) تأليف ممدوح عدوان، وإخراج هيثم حقي، وبطولة جمال سليمان، وبسام كوسا، بعدها قدم دور الرائد سعيد في المسلسل البوليسي (جريمة في الذاكرة) تأليف الكاتبة العالمية أجاثا كريستي، سيناريو وحوار ممدوح عدوان، وإخراج مأمون البني، بطولة سمر سامي، سلوم حداد، عبدالهادي الصباغ، رياض نحاس ليلى سمور، نجاح سفكوني، وحقق المسلسل نجاحا كبيرا جعل اسمه يتردد بقوة في الوسط الفني، لهذا شارك في الجزء الأول من مسلسل (الأخوة)، كما قدم في نفس العام أول أعماله البدوية مسلسل (غدر الزمان).
عبد الحكيم قطيفان وإخوة التراب
بعد نجاح أعمال عبد الحكيم قطيفان الأولى توالت الأعمال نذكر منها (شيمة، المستجير، بنت الطناب، قانون الغاب، الحصاد المر، سماح، إخوة التراب، خفايا الليل، عدالة الصحراء، العبابيد، الفراري، القلاع، النصية، حمام القيشاني، الطويبي، الطير، ثلوج الصيف، دنيا، جلد الأفعى، الانهيار، الخيزران، تلك الأيام، قصص الغموض، ليل المسافرين، أزهار الشتاء، بيت العيلة، سحر الشرق، سر الكنز، البحث عن صلاح الدين، الأيام المتمردة، أحلام لا تموت) وغيرها.
وقد صرح عبدالحكيم قطيفان في حوار بيننا نشر في مجلة (الأهرام العربي) قبل سنوات، أنه غير راض عن بعض هذه الأدوار، لكنه قدمها لأجل أن يضمن وجوده في الساحة الفنية، ولكي يؤمن المال الكافي لمعيشته البسيطة.
عبد الحكيم قطيفان في مصر
شارك عبدالحكيم قطيفان في مجموعة كبيرة من أهم المسلسلات السورية مثل (بقعة ضوء، التغريبة الفلسطينية، نزار قباني، الولادة من الخاصرة، المارقون، الظاهر بيبرس، الحور العين، غزلان في غابة الذئاب، قمر بني هاشم، أسمهان، لعنة الطين، لورنس العرب، القدس أولى القبلتين، شتاء ساخن، ما ملكت أيمانكم، في حضرة الغياب، عمر، المفتاح، نابليون والمحروسة، خيبر، وجوه وأماكن).
كما كان (عبدالحكيم قطيفان) من أول النجوم السوريين الذين شاركوا في الدراما المصرية حيث قدم دورا مميزا مع النجم الكبير محمد صبحي في مسلسل (فارس بلا جواد) عام 2002، حيث جسد شخصية (أمين حداد)، بعده شارك في مسلسل (أحزان مريم) عام 2006، و(فرقة ناجي عطا الله) 2012، و(تحت الأرض) 2013، و(سرايا عابدين) 2014.
عبدالحكيم قطيفان أحد نجومنا الموهوبين الذين يتمتعون بعزة نفس وكرامة وكبرياء، ويعتمد على فنه، وليس على أشياء آخرى!، لهذا لم يأخذ حقه من النجومية التى يستحقها، كما أن مواقفه السياسية المعارضة للنظام السوري منذ سنوات طويلة، وقبل الثورة، منعت عنه العديد من البطولات التى كان يستحقها، وقد عرض عليه في فترة مبكرة من حياته أن يعمل في مجال التدريس بالمعهد العالي للفنون المسرحية، لكنه رفض لأنه لا يتواءم مع الوظيفة والروتين، وانما يريد أن يكون حرا حتى يتمكن من الأبداع.