بقلم: محمود حسونة
ستظل إسرائيل بالنسبة للمصريين كيان تم زرعه في أرض فلسطين لأهداف سياسية تحت غطاء ديني أسطوري، وستظل مصر بالنسبة للإسرائيليين فيلم عربي سواءً بإرادتهم أو رغماً عنهم، الدولة التي صنعت التاريخ وصاحبة واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية، ومن خلال هاتين الرؤيتين تتحدد ملامح العلاقة الثابتة والراسخة في وجه المتغيرات في علاقات البلدين وفي وجه المتغيرات الدولية، سيظل المصريون رافضون لأي تطبيع شعبي أو ثقافي يمكن أن يتواءم مع التطبيع السياسي مع إسرائيل.
نعم بيننا وبينهم معاهدة سلام بلغ عمرها 45 عاماً، ولكن القلب لن يصفو لمغتصب والعقل لن يتقبل قاتل والوجدان لن يستوعب مدّعي، وسيظل الاسرائيليون يتحرشون بالتاريخ المصري ويسعون للادعاء بفيلم عربي عن دور لهم في الحضارة المصرية ويشككون في قدرات المصري الذي صنع حضارة لا زالت تبهر الدنيا وقهر الكثير من الأعداء الذين طمعوا بأرضه وبثرواته وتاريخه.
إقرأ أيضا : شيرين أبو عاقلة.. لتبقى ذكراك عنوانا للوحشية الإسرائيلية !
شهدنا خلال الأيام الماضية حدثان، الأول صنعه جندي مصري، لم تنتقص محدودية تعليمه من حرصه على حماية حدود مصر من مهربي المخدرات الذين يستهدفون شبابها، والذين لا يختلفون عن أعدائها الذين يوفرون لهم الغطاء ويسهلون لهم المهام، طارد المهربين وقتل حماتهم، وتباينت بشأنه الروايات، المصريون يعتبرونه بطلاً استشهد وهو يدافع عن وطنه وأهله، والاسرائيليون يعتبرونه إرهابياً قتل جنودهم في فيلم عربي، وخلق حالة من الجدل بشأنه على مواقع التواصل الاجتماعي، بين المصريين والإسرائيليين، وهو جدل يؤكد المؤكد، العقول لن تتلاقى والمشاعر ستظل متنافرة، والمصريون لن ينسوا الأفعال والتجاوزات والحروب وأشكال الغدر الإسرائيلية على مدار 75 عاماً، كما أنهم لن يغفروا للناشطين الإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي تجاوزاتهم في حق مصر ومحاولاتهم النيل من تاريخها والوقيعة بين شعبها وقياداتها والتشكيك في قدرات أهلها الذين قهروهم مرات ومرات سواءً خلال حرب الاستنزاف أو حرب أكتوبر أو عبر سلوكيات فردية بعد اتفاق كامب ديفيد، كما قهروهم من خلال رفض العقل الجمعي المصري للتطبيع أو لمجرد التعامل مع الاسرائيليين.
محمد صلاح وقائمة الأبطال
محمد صلاح سينضم إلى قائمة من الأبطال المصريين الذين قهروا أعداء مصر سواءً من الداخل أو من الخارج ليس بـ فيلم عربي صنعه الخيال الإسرائيلي، بل سيظل مرتبطا في أذهان الناس بأنه قاهر الجيش الذي يدعي أنه لا يقهر، وحالة الصخب المثارة حوله ستخفت رويداً رويداً حتى تتلاشى تماما.
الحدث الثاني هو ما أثارته بعض الصفحات على تويتر بشأن فيلم تسجيلي إسرائيلي اختار له مخرجه اسم فيلم عربي، وإتاحة الرابط الذي يمكن مشاهدته عبره، وهو فيلم يتناول حالة ولع بعض الاسرائيليين بالسينما المصرية، وذلك من خلال تأثير عرض فيلم مصرية في التليفزيون الإسرائيلي كل يوم جمعة خلال السبعينات والثمانينات، حيث كانت شوارع تل أبيب شبه خالية من الناس في توقيت عرضه، حسب الفيلم، ولعل المخرج ايال ساجي بيزاوي والسينمائية والاعلامية سارة تسفروني واللذين صنعا الفيلم سوياً يريدان التعبير عن شدة ولع الاسرائيليين بالسينما المصرية وبنجومها، خصوصاً أن بوستر الفيلم تصدرته صور نجوم مصريين مثل عادل إمام وفريد شوقي وحسين فهمي وسعاد حسني وفاتن حمامة، كما يتضمن الفيلم العديد من أغنيات العندليب عبدالحليم حافظ.
إقرأ أيضا : أم كلثوم تشعل أزمة في الشارع السياسي الإسرائيلي
فيلم عربي تصدر التريند لبعض الوقت مؤخراً، وأثار حالة من الارتباك الفكري عند بعض مشاهديه، خصوصاً من لا يدركون أبعاد اللعبة الاسرائيلية، ولكن الحقيقة تقول أن ذلك مجرد فيلم واحد لم يكن هدفه تشويه مصر وإنما يقر بعظمة الفن المصري، وعندما ندرك أن مخرج الفيلم ينتمي لعائلة يهودية كانت تعيش في مصر قبل زرع الكيان، وكانت جدته تدمن مشاهدة الأفلام المصرية، وبعد هجرتها لإسرائيل لم تتخلص من إدمانها مثل الكثير من الاسرائيليين ذوي الجذور العربية، وعنها ورث هذا المخرج الذي يجيد العربية حب السينما المصرية فقدم هذا الفيلم الذي ليس سبق أن شارك في مهرجان تل أبيب للأفلام الوثائقية عام 2016، ولكن الجديد هو إتاحة رابطه لمن يحب مشاهدته.
ولع إسرائيل بـ فيلم عربي
ليس جديداً أيضاً ولع بعض الاسرائيليين بالفن العربي تشدق بـ فيلم عربي عموماً والمصري خصوصاً، ولذا نشطت عبر فترات زمنية مختلفة عمليات سرقة وتهريب المصنفات الفنية المصرية إلى إسرائيل، بجانب أن هذا الكيان الذي ليس له وجود تاريخي، لم يجد أمامه سوى التحرش بالفنانين المصريين والعرب وتقديم أعمالهم عبر محطاته الاذاعية والتليفزيونية، للإيحاء بأنه امتداد لهم والأمر نفسه فعله مع الملابس والمأكولات والتراث العربي عموماً.
حقيقة المشاعر الاسرائيلية تجاه مصر، بعيدة تماماً عن ما جاء في فيلم عربي، والحقائق دائماً تختلف عن المواقف الانطباعية والتحليلات الانفعالية التي تسوقها مواقع التواصل الاجتماعي، ولو أردنا معرفة صورة مصر ورؤسائها وتاريخها في الدراما والسينما الاسرائيلية فليس أمامنا سوى العودة للدراسة التي أجرتها الباحثة رانيا محمود، خريجة كلية الإعلام جامعة 6 أكتوبر، والتي نالت عنها درجة الماجستير وتناولت خلالها الصورة منذ النكبة عام 1948 وحتى العام 2021، وبعد المشاهدة والبحث والتحليل توصلت الباحثة إلى أن الموضوعات الحربية احتلت المرتبة الأولى في المعالجة المُقدمة في الأفلام والمسلسلات الإسرائيلية عن مصر، حيث بلغت نسبة الموضوعات الحربية المُقدمة عن مصر في الأفلام الروائية الإسرائيلية 73,34%، فيما بلغت نسبة الموضوعات الحربية المُقدمة عن مصر في الأفلام الوثائقية الإسرائيلية 60%.
أما المسلسلات الإسرائيلية فبلغت نسبة الموضوعات الحربية المُقدمة عن مصر 42,85. غلب الطابع السلبي على الصورة المقدمة عن مصر في الدراما والسينما الإسرائيلية. كان تمثيل الرئيس جمال عبد الناصر تمثيلاً سلبياً للغاية وتم وصفه بالشرير الذي قاد مصر للهزيمة. غياب تمثيل فترة حكم جماعة الإخوان المحظورة عن كل المعالجات الدرامية الإسرائيلية المقدمة عن مصر خلال الفترة الزمنية محل الرصد.
ستظل مصر تحتل المساحة الأكبر في الفكر الاستراتيجي والثقافي والفني الاسرائيلي، وسيظل تاريخها مصدر ازعاج لهم، كما أن قلوب المصريين لن تصفو لمن تجاوزوا المدى قتلاً وظلماً واغتصاباً واعتداءً على الأرض العربية وناسها، وسيظل السلام علاقة سياسية تعطل اندلاع أزمات جديدة مباشرة، وان كانت الحيل الاسرائيلية لا تمنع استمرارها في السعي لخلق أزمات لمصر ولكن بطريقة غير مباشرة وعبر بوابات خلفية، وستظل مصر يقظة وكاشفة للألاعيب والمؤامرات والتواطؤ الاسرائيلي في العديد من أزمات المنطقة التي عايشناها ونعايشها وربما يعايشها أولادنا مستقبلاً.
mahmoudhassouna2020@gmail.com