* استقال من عمله في هيئة الإذاعة البريطانية احتجاجا على اشتراك الدولة التى يعمل في إذاعتها على العدوان على مصر
* أخرج للطالب والفنان فيما بعد – وحيد سيف – مسرحية بعنوان (مذكرات محتال)
* قرر بعد إخراجه لسهرة (الحب الكبير) عدم ممارسة الإخراج التليفزيوني أو حتى التمثيل التليفزيوني
* هرب فؤاد المهندس من (رمضان والناس) فأنقذ محمود مرسي العمل
* أقنعته بخلع ملابسه الداخليه في مسلسل (أبوالعلا البشري 90) واستجاب!
كتب : أحمد السماحي
نحيي اليوم الذكرى المئوية لميلاد واحد من عمالقة التمثيل في مصر، وهو الأستاذ محمود مرسي، وأستاذية محمود مرسي كانت من النضج والعراقة والثقل العلمي إلى حد نفي الأستاذية، لأنه كلما امتلأ الإنسان علما تواضعت شخصيته أكثر فأكثر، حيث يؤمن بأنه فوق كل ذي علم عليم، كان محمود مرسي فنانا من ساسه لراسه، لا يشعر المتلقي وهو يشاهده بأنه يتفرج على ممثل دورا، لكنه يشعر أن هناك طاقة ضوئية تشع داخل كيان إنساني يرينا نفسه بوضوح كامل، يكشف لنا عن (المفروض) في الشخصية حتى لا تقلده، وعن الجمال الذي يجب أن تتأثر به وتقتديه، وذلك دونما خطابة في الأداء القولي أو الحركي، ويحقق ذلك عن اقتدار.
محمود مرسي يحتاج مجلدات
الكلام عن محمود مرسي وشرح طريقته وأدائه في التمثيل يحتاج مجلدات ومجلدات، حيث قدم في السينما والتليفزيون والإذاعة روائع لا تنسى، وقدم أداءا عالميا في بعض الأدوار، اليوم سنفتش عن هذا العملاق من خلال عملاق آخر ربطت بينهما صداقة جيدة، ومعرفة قوية هو عميد الدراما المصرية والعربية المخرج الكبير محمد فاضل ، حيث قدما معا العديد من العلامات المتميزة في الدراما المصرية مثل (رمضان والناس، رحلة السيد أبوالعلا البشري، المحروسة 85، عصفور النار، أبوالعلا البشري 90) فضلا عن سهرة درامية بعنوان (سكة رجوع).
إقرأ أيضا : د. ثروت الخرباوي يكتب : سرقات فنية غير مشروعة
من المشاهد القوية التي أبدع في إخراجها محمد فاضل، وتألق فيها محمود مرسي بشكل قوي، مشهد البداية – الآفان تتر – في الحلقة الأولى من مسلسل (عصفور النار) الذي يدور بين (صقر الحلواني) وشقيقة (صادق الحلواني) حول بلدة الحلوانية، هذا المشهد الذي يقوم فيه محمود مرسي بدور الشقيقيين المتناقضيين، أحدهما وهو (صادق) الوديع، الطيب، العادل، الذي يحمل سلاما داخليا كبيرا، وينتمي إلى الخير في أنقى درجاته، والثاني (صقر) الذي يجسد الطمع والشر في أبشع صوره، والذي تمكنت منه شهوة السلطة، وجنون الجاه، وفي الدورين استطاع محمود مرسي بكل حرف يقوله، وكل لفته، وكل حركة، وكل نظرة من عينيه، أن يقدم واحدا من أقوى مشاهده التى تؤكد عبقريته في التمثيل.
محمود مرسي والـ BBC
عن ظروف تعاونه معه وذكرياته مع هذا العملاق يقول مبدعنا الكبير محمد فاضل : علاقتي بالفنان الكبير محمود مرسي كانت في البداية عن بعد، فعندما كنا في الجامعة عام 1956، ودخلت مصر معركة العدوان الثلاثي، فقرأنا أن مذيعا مصريا شابا استقال من عمله في هيئة الإذاعة البريطانية احتجاجا على اشتراك الدولة التى يعمل في إذاعتها على العدوان على بلده، وعاد إلى مصر حيث عمل كمخرج في إذاعة (البرنامج الثاني) وقدم العديد من المسرحيات العالمية لكبار الكتاب والأدباء مثل (انطوان تشيكوف، أرثر ميللر، تنسي وليامز) وغيرهم.
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب : الخلاص من شاوشانك Shawshank Redemption
وفي هذه الفترة وبحكم كونه إسكندرانيا كان يخرج أيضا لبعض الكليات في جامعة الأسكندرية منها كلية الآداب، حيث أخرج للطالب والفنان فيما بعد ــ وحيد سيف -مسرحية بعنوان (مذكرات محتال)، وطوال هذه الفترة كانت علاقتي به عن بعد، إلى أن تم افتتاح التليفزيون المصري وكنت تخرجت من الجامعة وبدأت عملي كمساعد مخرج – من الخارج – للمخرج الكبير نور الدمرداش، وأثناء ذلك قدم محمود مرسي كمخرج سهرة تليفزيونية حققت نجاحا كبيرا بعنوان (الحب الكبير) كانت بطولة الفنان يوسف شعبان، والفنانة ليلى طاهر.
محمود مرسي والتليفزيون
ويضيف مخرج مسلسل (للعدالة وجوه كثيرة): وفي هذه الفترة كان التصوير يتم على الهواء، وبدون مونتاج، وبالتالي بدون أخطاء، لأن أي خطأ مهما كان صغيرا يترتب عليه إعادة العمل من البداية، لهذا كان العمل مرهقا جدا ويسيطر على العاملين في الأعمال التليفزيونية سواء ممثلين أو مخرجين أو تقنيين قلق وتوتر رهيب، لهذا قرر محمود مرسي بعد إخراجه لسهرة (الحب الكبير) عدم ممارسة الإخراج التليفزيوني أو حتى التمثيل التليفزيوني، وكان كارها لهما، حيث كان يعتبرهما عقاب للفنان، أن يمثل، أو أن يخرج لمدة نصف ساعة مثلا بدون أن يخطأ.
يستكمل مخرج (الشارع الجديد) ذكرياته ويقول: ابتعد محمود مرسي عن التليفزيون واتجه بقوة إلى السينما، وفي هذه الفترة إشترك في بطولة فيلم بعنوان (ثمن الحرية) مع مجموعة كبيرة من النجوم مثل : صلاح منصور، عبدالله غيث، كريمة مختار، حامد مرسي، كمال ياسين، ناهد سمير وغيرهم، وكان الفيلم من إخراج نور الدمرداش، وأثناء العمل في هذا الفيلم تعرفت على محمود مرسي عن قرب، وربطت بيننا معرفة جيدة، وتوطدت هذه المعرفة من خلال جلسات فندق (سميراميس) حيث كان له (شلة) يجلس معها بصفة منتظمة منهم الفنان أحمد توفيق، وآخرين، وكنا أنا والكاتب والسيناريست فيصل ندا وآخرين من (شلة) المخرج نور الدمرداش، ونتقابل بصفة منتظمة.
محمود مرسي ورمضان والناس
يضيف مخرج مسلسل (لدواعي أمنية): مرت الأيام والشهور والسنين وأثناء ذلك تطور العمل في التليفزيون وأصبح ميسرا إلى حدا ما لنجوم التمثيل والإخراج والتقنيين، وظل محمود مرسي على موقفه من الابتعاد وعدم تقديم أعمال تليفزيونية، وفي عام 1977 كنت أحضر لمسلسل بعنوان (رمضان والناس) وأقنعت النجم الكبير فؤاد المهندس ببطولته مع (ليلي طاهر، ونسرين)، وممدوح عبدالعليم في أول أعماله بعد أن أصبح شابا، وبعد أن أجرينا العديد من بروفات (الترابيزة)، وقبل التصوير مباشرة، فجأة اختفى (فؤاد المهندس)، بحثنا عنه، فلم نجده!.
وأثناء ذلك جاءني تليفون من صديقه المنتج والكاتب (سمير خفاجي) يبلغني اعتذار (فؤاد المهندس) لخوفه ورعبه الشديد من العمل في التليفزيون، وفي وسط هذه الدوامة فجأة قفز اسم محمود مرسي إلى عقلي فذهبت إليه في منزله في المهندسين وحكيت له ما حدث وأقنعته ببطولة المسلسل وأزلت من قلبه الخوف والرهبة من العمل في التليفزيون، وأوضحت له الصورة التى أصبح عليها العمل التليفزيوني بعد التطور الذي حدث فأقتنع، وكان مسلسل (رمضان والناس) هو أول عمل درامي للفنان الكبير محمود مرسي.
يسترجع مخرج مسلسل (ومازال النيل يجري) ذكرياته ويقول : بعد مسلسل (رمضان والناس) مرت الأيام وتشجع محمود مرسي على استكمال مسيرته التليفزيونية من خلال تقديم بعض المسلسلات المهمة، حيث لم يعد العمل التليفزيوني مرعبا بالنسبة له، وفي نفس الوقت قمت أنا بإخراج مجموعة من المسلسلات منها (أحلام الفتى الطائر، علياء والمدينة، أبنائي الأعزاء شكرا، طائر الأحلام، صيام.. صيام، ليلة القبض على فاطمة، وقال البحر، أخو البنات) وغيرها، وطوال هذه الفترة كان متابعا لأعمالي، وكنت متابعا لأعماله، حتى قدمنا معا مسلسل (رحلة السيد أبوالعلا البشري) عام 1986، وفى هذا المسلسل تحديدا توطدت علاقتي به، وأصبحنا أصدقاء.
محمود مرسي والمحروسة 85
ويتوقف محمد فاضل عن الاسترسال ويتذكر شيئا فيقول: نسيت قبل لقائي معه في مسلسل (أبوالعلا البشري) كان هناك بيننا عمل لا أضعه ضمن أرشيفي، لهذا يقع من الذاكرة، وهو مسلسل (المحروسة 85) تأليف الكاتب سعد الدين وهبه، ولقد قمت بإخراجه انقاذا للموقف!، حيث كان مقررا أن يقوم بإخراجه زميلي المخرج الراحل يوسف مرزوق، لكن بعد بناء الديكورات، تعب (يوسف) ودخل المستشفى، وكنت في هذا الوقت وكيل نقابة السينمائيين، وكان الراحل سعد الدين وهبه، نقيبا، وكنا نلتقي بصفة مستمرة، وأقنعني بإخراج العمل، وبالفعل قمت بإخراجه لكني لا أضعه في الـ (C.V) الخاص بي، وكان هذا المسلسل أول عمل يجمع بين محمود مرسي، وسميحة أيوب، بعد طلاقهما.
بعد مسلسل (أبوالعلا البشري) والنجاح الكبير الذي حققه، قدمنا معا مسلسل (عصفور النار)، بعدهما عرضت عليه بطولة مسلسل (الراية البيضاء) تأليف أسامة أنور عكاشة، وبطولة (سناء جميل، وهشام سليم، وسمية الألفي، هادي الجيار) وغيرهم، وكان من المقرر أن يجسد دور (مفيد أبوالغار)، وبعد قراءته للدور رفض وعندما جلست معه لمعرفة أسباب الرفض أقنعني برفضه ورشح لنا زميله الفنان الكبير جميل راتب الذي لعب الدور بشكل رائع.
وبعد (أبو العلا البشري) و(عصفور النار) قدمت معه سهرة تليفزيونية بعنوان (سكة رجوع) تأليف أسامة أنور عكاشة، وبطولته مع ليلى طاهر فقط، وكانت عبارة عن ديكور واحد، وحوار بين اثنين فقط، وكان آخر أعمالنا معا الجزء الثاني من مسلسل (أبوالعلا البشري).
محمود مرسي يخلع ملابسه الداخلية
عن الذي يميزه كممثل قال مخرج مسلسل (أنا وأنت وبابا في المشمش): ممثل من طراز فريد، على درجة كبيرة من الثقافة والوعي والفهم، لا يرضى بالأخطاء، وكان لا يحفظ دوره بنسبة مائة في المائة، وكان يقول لي (لو حفظت تماما مش همثل، هسمع، هاحفظ دوري، لكن لازم أحس اني بدور على الكلام أثناء التمثيل!).
وكنا نشتغل أنا وهو بمنطق جميل جدا وهو (لتقنعني، لاقنعك)، بمعنى أي حاجة أطلبها منه نتناقش فيها، إذا اقتنع ينفذ ما أطلبه فورا وإذا كان لديه اعتراض على شيئ اسمع منه واستفيد، وإذا اقتنعت أنفذ، فمثلا من الأشياء الطريفة التى أذكرها بخصوص هذا الموضوع، كان هناك مشهدا في مسلسل (أبوالعلا البشري 90) وفيه يذهب (أبوالعلا) وابن عمه (مرتضى البشري) إلى حي شعبي، وفي هذا الحي يتم سرقة ملابسهم كاملة، حتى الملابس الداخلية، وأصريت على تصوير المشهد، وبعد كلامي معه، اقتنع بوجهة نظري، ولم يتردد إطلاقا في خلع ملابسه الداخلية، طالما هذه وجهة نظر المخرج الذي يعمل تحت قيادته.