بقلم محمد حبوشة
تعتبر النجمتين المصريتين منى زكي وفاتن حمامة – من وجهة نظري الشخصية – حالتين فريدتين في الذكاء الفني والمجتمعي في مصر والعالم العربي، فالاثنتين امتلكتا أدوات إقناع الجمهور بالدور التي تقدمه، وليس ذلك لكونهما بالإضافة للموهبة الفطيرية في التمثيل فقط، بل امتلكتا ثقافة واسعة، جعلتهما محط أنظار الجمهور وووسائل الإعلام، والأمر المؤكد أن الذكاء هو الذي يقود إلى الموهبة ويعمل على تطويرها وتهيئة كل الظروف إليها حتى تتمكن من الخروج إلى الدنيا في قالب متميز يصلح لكي يفيد الآخرين ويساهم في تطوير المجتمع .
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: صرخة منى زكي تصل بلاد الانجليز!
وهناك أشكال وأنواع كثيرة من المواهب التي دفنها أصحابها في داخلهم ومنعهم الخوف من الفشل ومن كلام الناس على أن يفيدوا الآخرين ويستفيدوا من نعمة أنعم الله عليهم بها؛ ومنهم من هو مؤمن بموهبته وقدراته مثل فاتن حمامة ومنى زكي، وربما هذا ما جعلهما قادرتين على فعل الكثير وقادرتين على تحدي نفسهيما والتخلص من كل الإحباطات وعوامل اليأس للخروج بأجمل ما لديهما من مواهب لإعمار الأرض ومساعدة الآخرين، وبحسب تعريف عالم النفس (لايوك): الموهوب هو ذلك الفرد صاحب الأداء المميز عن غيره من أقرانه؛ عالي الأداء بشكل كبير في العديد من المجالات الموسيقية والفنية والرياضية وطرق التعبير عن الشخصية في أشكالها المختلفة.. يقصد التمثيل بالطبع.
موهبتي فاتن حمامة ومنى زكي
وكأن (لايوك) كان يشير إلى موهبتي فاتن حمامة ومنى زكي، وهو نفس ما أكده العالم النفسي (فلدمان): الموهوب هو القادر على التفاعل مع كافة المظاهر والظروف المختلفة في عالم التجربة والقدرة على خلق أعمال جيدة من كل شيء يقابله، وكذلك الموهوب على حد قول (كارتر جول): هو ذلك الفرد الذي يملك القدرة في مجال مختلف عن غيره وهى ليست بالشائعة بين البشر بشكل عادي؛ وهى المقدرة الطبيعية التي حباها الله بعض عباده عن غيرهم وتنمو القدرات مع التدريب والتعليم مثل فن التمثيل والرسم والموسيقى والرياضة والغناء، وهى درجة عالية من درجات الذكاء العام التي ترتقي بصاحبها إلى مكانة مختلفة عن غيره .
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)
لكن ربما يسألني سائل: ما الذي تقصده تحديدا من جمع فاتن حمامة بمنى زكي على أرضية الذكاء الذي تحركه الموهبة؟
الأجابة: بالطبع لوأنك وتابعت مسيرة كلا من فاتن حمامة ومنى زكي في الفن والحياة حتما ستجد عوامل مشتركة بينهما ليس لأنهما ولدا في المنصورة، أو تفوقهما في الأداء التمثيلي الصعب، ولكن تكمن الحكمة في التصرف من جنبهما في التعامل مع وسائل الإعلام، فالاثنتين شحيحيتين في المقابلات التلفزيونية، ولكنهما عندما يجلسان على الكرسي في مقابلة حوارية تجدهما لا تفارقهما ابتسامة صادقة وطازجة خارجة لتوها من قلب مفعم بالأمل والتفاءل، وهو ما لاحظته في حوار قديم لفاتن حمامة مع التلفزيون الفرنسي عام 1964، وحوار منى زكي الأخير مع محمود سعد في تجربة (sold out) على منصة (واتش إت).
تلقائية فاتن حمامة
في حوار فاتن حمامة مع التلفزيون الفرنسي ستجد التواضع الجم والذكاء في الإجابة على الأسئلة بتلقائية غير محسوبة، وفي هذا اللقاء تحدثت سيدة الشاشة عن علاقتها بالتمثيل وكيف بدأت وكيف أنها كانت تواجه صعوبات فى بداية حياتها من قبل أسرتها، فقد كان العمل بالسينما في ذلك التوقيت صعب وكان ينظر لمن يعمل بها نظرة دونية فالتمثيل كان عيبا، كما تتحدث سيدة الشاشة عن أنواع الجمهور الذي يتابع السينما وحللت كيفية مشاهدته للأفلام السينمائية وخاصة أفلامها، وقد ظهرت خلال اللقاء طلاقة فاتن حمامة في اللغة الفرنسية وكشفت خلال مقطع الفيديو الذي لم يتعد 3 دقائق عن رفض أخيها لعملها بالسينما، وأيضا عن الفتى الذي أحبها في سن 13 وتركها لعملها في مهنة التمثيل كما تحدثت عن ردود أفعال الجمهور تجاه أدوارها ورسائلهم إليها.
ونفس الأمر حدث مع منى زكي في لقائها مع محمود سعد، فقد تحدثت عن بدايتها المتواضعة، ورفض الأب والأم في البداية لامتهانها مهنة التمثيل، إلا أن موهبتها فرضت نفسها فتحولت دفة الرفض إلى وجهة المساندة والتأييد لكل خطواتها في مجال التمثيل، وفتحت منى زكي قلبها للتحدث عن كيفية تعاملها مع أبنائها، حيث قالت إنها بعدما أنجبت طفلتها الأولى (لي لي)، وهى في سن صغيرة انتابها كثيرا شعور أنها مازالت صغيرة، واتخذت القرار الخاطئ عندما تحملت المسؤولية مبكرا، وكانت صبورة مع ابنتها أكثر من ولديها سليم ويونس، كما قالت إنها تحاول تربية أبنائها بالطريقة الحديثة، والابتعاد عن اللجوء للضرب أو الصوت العالي، ولكن أحيانا تفلت أعصابها كأم وتضطر لـ تعلية صوتها على أحدهما، إلا أنها تعود للهدوء سريعا.
أما أزمتها الكبرى ككل الأمهات المصريات معهما فهي محاولاتها المستمرة إبعادهما عن الشاشات ومختلف أشكال التكنولوجيا الحديثة، وتخصص ساعة واحدة أسبوعيا تسمح لهما فيها بقضاء الوقت أمام الشاشة، وبتلقائية شديدة للغاية قالت إنها تحب زوجها الفنان أحمد حلمي كثيرا، ولكنهما لا يتقابلان دائما بسبب انشغال كل منهما بأعماله الفنية والتصوير، وما أعجبني أكثر في حوار منى زكي لمحمود سعد قولها: إن لديها وسيلة تلجأ إليها للتخلص من الغضب والضيق، وهى التأمل والقرب من الله.
معدن منى زكي
وهذا يكشف عن معدن منى زكي الفنانة والإنسانة النفيس حقا، فحين تطرقت إلى بعض طقوسها اليومية قالت: (بعمل تأمل وبقرب من ربنا، مش الحاجات العادية اللي بنعملها كل يوم، بقرب أكتر وقتها بحس أن لازم أتكلم مع ربنا وبفضل أقول: أنا عملت كذا وكذا ليه دا يحصلي؟، وأقوله: يرضيك أنا عارفة أن دا ميرضكش لأن عارف أن جوايا إيه)، وتابعت: (بيحصل حوار كبير وعياط بحس أن عندي غضب، لكن ارتحت من جوايا من لحظة الفضفضة وإن ربنا سمعني).
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب: (تحت الوصاية) كمان وكمان!
وعلقت النجمة منى زكي على الانتقادات التي واجهها البوستر التشويقي لمسلسل (تحت الوصاية) قبل النجاح الكبير الذي يحققه العمل لاحقا، قائلة: (أنا مبشوفش أي ست قبيحة، كل ست عندها جمال مختلف ومميز)، وأضافت: (أنا واقعية على الأرض ولامسة الواقع على الرغم من الخيال اللي موجود في شغلنا، ودا ضروري عشان أكون متوقعة أي حاجة تحصل أو تتغير)، وفي لفتة ذكية من جانبها استحضرت بعض النجوم الذي شاركوها نجاح مسلسل تحت الوصاية وظلت تتحدث بحب ودموع الفرح تكتسي وجهها البرئ، وكأنها تقدم لهم الشكر والتقدير لزملاء لم تكن تعرفهم قبل بدء التصوير حتى صاروا عائلة واحدة في الكواليس، وكسبت صداقتهم بعد انتهاء العمل.
لم تنسى منى زكي أن تشارك أمها فرحة تتويجها على عرش الجمهور الموجود داخل الاستديو، وتحدثت الأم بثقة وفخر بابنتها التي تراه موهوبة وطموحة منذ طفولتها، مؤكدة أن لديها إصرار من الطفولة على تحقيق هدف النجومية والارتقاء بالفن، وقد حققت اليوم كل آمالها في إنتاج فن راق يكلل مسيرتها بالنجاح والتوفيق من عند الله سبحانه وتعالى، وتمنت (منى) أن يكون والدها – رحمه الله – موجودا في تلك اللحظات التي تشعر فيها بالفخر وهى بين جمهورها ومحبيها.
منى زكي تحت الوصاية
وذهبت منى زكي بنوع من الحنين والشجن المحبب للحديث عن تجربتها في مسلسل تحت الوصاية وتطرقت لمشاهد بعينها هى التي حركت مشاعر الجماهير نحو التعاطف معها والتأكيد على قدرتها التمثيلية فائقة الجودة ولعل مشهد المحكمة ودموعها المتحجرة وهى تخشى أن تحرم من طفليها، يؤكدان تفوقها المثير بأداء صادق معبر عن مخاوفها وصدماتها، والحديث عن أسباب نجاح (تحت الوصاية) يطول كثيرا، لكن لعل التركيز على دور بطلة المسلسل الفنانة منى زكي وأدائها يعكس حيزا لا بأس به من المساحة الواسعة والارتفاع العالي الذي سببته قفزات نجاحات المسلسل منذ اليوم الأول من حلقاته.
واردفت منى زكي قائلة: إن الفضل في ذلك يرجع إلى أن فريق العمل الذين كانوا يتدربون على أدوارهم بطرق احترافية كحفظ نص السيناريو أو التدريب على الأداء، ومن المعروف أيضا كما يشهد عليه نقاد عرب أن الفنانة زكي إنسانة ذكية جدا، لا تقبل بتمثيل أي دور ولا تهتم بالمظهر الخارجي بقدر قواها الحسية خلال التمثيل، كما أنها تحرص دائما على أن تستحوذ على الكاميرا وتجبر المشاهد دون أن يدرك على أن تتوجه عيناه عليها حتى لو كان هناك عشرة أشخاص يشاركونها المشهد.
وفي النهاية لابد لي أن أسجل ملاحظة مهمة جدا تجمع كل من فاتن حمامة ومنى زكي وهى انهما اتبعتا منهج (ستانسلافسكي) في كيف يكون الممثل مقنعا مقبولا متلائما مع نفسه دوره بكامل شكلا ومضمونا و بمنطق لا يقبل الشك، يحتم عليه أن يعيش الواقع لا أن يمثله، هذه الحتمية تلزمه أن يكون حيا، حيويا، يتنفس الحياة بصدق ويضفي على الشخصية حضورا حيا، ذو نظام يستند إلى القوانين الطبيعية في الحياة، شرط امتلاكه التلقائية المطلوبة في الأداء، تماما كما فعلت كلتهما طوال مسيرتهما في تفاعلهما مع المراحل المختلفة في حياة الشخصيات اللتين جسدتيهما والذهاب بها نحو آفاق أرحب في فضاء التمثيل الحقيقي.. تحية لروح فاتن حمامة، وتحية أخرى لـ منى زكي كسيدة جديدة للأداء الراقي على الشاشة المصرية والعربية.